أليس من العجيب أن العرب ما زالوا حتى الآن ينخدعون بمسرحيات أردوغان وتمثيلياته؟
هذا الرجل هو شعبوي بامتياز. هو يملك تأثيرا طاغيا ليس فقط على الأتراك وإنما على العرب أيضا.
بمجرد أن يلقي أردوغان خطبة حماسية فإنك ترى العرب قد ساخوا وذابوا تأثرا بكلامه.
هو الآن يلقي خطبا يومية عن منطقته الآمنة التي ستمتد حتى الرقة ولن تتوقف عند منبج، والجمهور العربي يبدو مقتنعا بأن أردوغان سيؤسس بالفعل تلك المنطقة الآمنة الشاسعة. ولكن لا أحد يسأل نفسه كيف سيفعل أردوغان ذلك. لا أحد يجيب عن الأسئلة التي طرحناها في هذا المقال. لا أحد يهتم بكلام الأميركان حول تجربتهم مع أردوغان بشأن الرقة وكيف أنه خدعهم لسنوات بحديثه عن تحرير الرقة ليتبينوا في النهاية أنه لا ينوي تحريرها وإنما منع تحريرها.
الجمهور العربي لا يهتم بالتفكير وطرح الأسئلة، وطبعا الجمهور العربي لا يصدق كلام الأميركان. الجمهور العربي يصدق فقط ما يقوله أردوغان.
هل تذكرون ما قلناه قبل ضياع حلب؟ آنذاك كتبنا مئات المرات نحذر من الكارثة التي يحضر لها أردوغان، ولكن للأسف الأمور سارت مثلما أراد أردوغان.
أنا أخشى أن نفس السيناريو المأساوي سوف يتكرر في الرقة. أردوغان بحديثه الكاذب عن تحرير الرقة سوف يمنع التحالف الدولي من تحريرها، وهذا سيفسح المجال للروس والإيرانيين لكي يذهبوا إليها ويدمروها ويعلقوا فيها صور بشار الأسد.
أردوغان يتحدث الآن عن تاسيس “جيش وطني سوري” لتحرير الرقة. هذا الكلام هو نفس ما كان يقوله لإدارة أوباما لسنوات. أردوغان ظل لسنوات يقول لإدارة أوباما أنه سيدرب جيشا سوريا لتحرير الرقة، ولكن وزارة الدفاع الأميركية تيقنت من عدم جدية ذلك الكلام وتوصلت إلى قناعة بأن أردوغان لا يريد بالفعل أن يحرر الرقة. هذا الكلام نشر في الصحف الأميركية مئات المرات. هو شيء معروف. ولكن العرب لا يريدون أن يعرفوه.
الآن أردوغان يكرر نفس القصة مجددا مع إدارة ترمب. هو عاد مجددا إلى أحاديثه غير الواقعية عن تدريب جيش سوري لتحرير الرقة. لو فرضنا أنه صادق في كلامه فإن تنفيذ هذا الكلام في الواقع سيستغرق سنوات. الإيرانيون والروس لن ينتظروا وسيذهبون إلى الرقة قبل أن ينتهي أردوغان من تدريب جيشه الأسطوري الذي يتحدث عنه منذ سنوات.
هل سيفهم آل سعود أن أردوغان يخدعهم وأنه لن يحرر الرقة أبدا؟ هذا الرجل له سجل طويل في الخداع. هو ظل يتفرج على مدينة حلب لسنوات دون أن يفعل شيئا إلى أن أتى الإيرانيون إلى المدينة ودمروها وعلقوا فيها صور بشار الأسد. ما يفعله أردوغان بشأن الرقة لا يختلف عما فعله بشأن حلب.
كتبنا هذا الكلام في الماضي ولكنكم لم تصدقوه إلى أن ضاعت حلب. الآن سنكتبه مجددا: أردوغان لا يريد إسقاط بشار الأسد. أردوغان يعتبر إسقاط بشار الأسد خطرا عليه لأنه يصب في مصلحة الأكراد. أقصى ما قد يقبل به أردوغان في سورية هو تأسيس حكومة تشارك فيها معارضة الائتلاف تحت ظل بشار الأسد (هذا هو ما عرضه داود أوغلو على بشار الأسد في بداية الأزمة السورية). أردوغان لا يرغب في أي شيء أكثر من ذلك، وهو لم يحاول أبدا أن يصنع أي شيء أكثر من ذلك. هو لم يحاول أن يؤسس حكومة للمعارضة ولم يحاول أن يدرب مقاتلين معتدلين أو جيشا وطنيا، بل هو منع الأميركان من دعم المعارضة المعتدلة وأفشل كل جهودهم لذلك.
آل سعود يحملون أوباما مسؤولية بقاء بشار الأسد لأن أوباما في رأيهم كان يجب أن يقصف ويدمر بشار الأسد دون التفكير في عواقب ذلك ودون الاهتمام بوجود حكومة قادرة على ملأ الفراغ. بسبب حقدهم على أوباما هم يتضامنون مع أردوغان ويصدقونه، ولكن هذا الموقف هو غير عقلاني. حاولوا أن تفهموا الكلام الذي قاله الأميركان عن تجربتهم مع أردوغان. أردوغان أفشل جهود الأميركان لتدريب ودعم فصائل معتدلة في محافظتي حلب وإدلب، وهو رفض المشاركة في الحرب ضد داعش. عندما صار الأميركان يعملون بمعزل عنه هو صار يطالبهم بأن يشركوه في جهودهم الجديدة. الأميركان أعطوه فرصة ثانية وأشركوه في جهودهم الجديدة، ولكن التجربة أظهرت أنه ما زال على نفس موقفه الأساسي. هو لا يريد تدريب المعارضة المعتدلة ولا يريد تأسيس جيش وطني. هو يعادي كل الفصائل المنضوية في قسد (سواء منها الكردية أم العربية) بحجة أنها تابعة لحزب العمال الكردستاني، ولكنه في الماضي أضعف ودمر الفصائل المعتدلة التابعة للائتلاف رغم أن تلك الفصائل لم تكن تمت بصلة لحزب العمال الكردستاني.
أردوغان لا يريد أن توجد فصائل معتدلة صديقة للأميركان. هو لا يريد أن تقوم قائمة للمعارضة المعتدلة. هو يتظاهر بدعم المعارضة غير المعتدلة ولكنه في الحقيقة يتسبب أيضا في تدمير تلك المعارضة.
مبروك اسم المدونة الجديد…اسم حلو ان شالله تجي معو أخبار حلوة
شكرا لك أخ أيهم.