هناك الآن في أميركا جدل ومشاكل حول مراسم تتويج دونالد ترمب.
كثيرون هم مستاؤون من الخطبة التي ألقاها ترمب عند تتويجه، وترمب نفسه هو مستاء من التغطية الإعلامية لتلك المناسبة.
ولكن بعيدا عن هذه القصة، يعجبني في أميركا تراثهم السياسي المتواصل الذي يمتد لأكثر من مئتي عام.
عندما شاهدت مراسم أداء القسم لرونالد ريغان في عام 1981 لفتني تطابق المراسم آنذاك مع المراسم الحالية.
كل شيء ما زال تقريبا كما هو دون تغيير منذ تأسيس هذه البلاد في نهاية القرن 18. النظام السياسي الأميركي قد يكون النظام الوحيد في العالم الذي شهد هذا الاستقرار.
البريطانيون يمكن أن يقولوا أيضا أن لديهم تراثا سياسيا متواصلا منذ قرون، ولكن التراث البريطاني هو ليس كالتراث الأميركي. أنا شخصيا أجد التراث السياسي البريطاني منفرا بالمقارنة مع التراث الأميركي. التراث البريطاني يتمحور حول الملكية ومظاهرها، في حين أن التراث الأميركي يدور بالكامل حول مفاهيم الحرية والديمقراطية.
أميركا لم يحكمها أي طاغية منذ تأسيسها وحتى اليوم. هناك ربما استثناء واحد هو أبراهام لنكولن الذي حكم في فترة الحرب الأهلية، ولكن هذا الرجل اغتيل قبل أن يكمل خمس سنوات في السلطة وقبل أن تنتهي الحرب المدمرة التي تسبب بها. أيضا فرانكلن روزفلت اقترب من أن يكون طاغية (ترشح لفترتين رئاسيتين ثالثة ورابعة، وبذلك هو نقض القاعدة غير المكتوبة التي أرساها الرئيس الأول جورج واشنطن والتي تمنع بقاء شخص واحد في منصب الرئاسة لأكثر من دورتين، وهو أيضا حول أميركا إلى بلد اشتراكي)، ولكن هذا الرجل حكم في ظروف استثنائية (الكساد العظيم والحرب العالمية الثانية)، وبعد وفاته أضيف تعديل إلى الدستور الأميركي (التعديل XXII) يمنع تكرار ما فعله.
الطغاة أو أشباه الطغاة الذين حكموا أميركا حكموا في ظروف استثنائية (حروب وكوارث)، وبعد وفاتهم لم يكرر أحد ما فعلوه. بالتالي يمكننا أن نقول أن الديمقراطية في هذا البلد هي مستقرة منذ تأسيسه. النظام السياسي عموما هو مستقر إلى حد كبير. الدستور الحالي هو نفس الدستور الذي كتب عند تأسيس البلاد في نهاية القرن 18 (ولكن أضيفت إليه تعديلات كثيرة منذ ذلك الوقت).
هل يمكن لشخص مثل ترمب أن يهدم هذه البناية القديمة التي صمدت لأكثر من 200 عام؟ من يتابع الأوضاع في أميركا يعلم أن هذا غير وارد. الأميركيون أقاموا القيامة على ترمب قبل حتى أن يتولى السلطة. أنا لم أر سابقا حملة إعلامية وشعبية مثل هذه الحملة التي يشنها الأميركيون ضد ترمب. في يوم تنصيب ترمب خرجت ضده مظاهرة نسائية ضخمة في واشنطن فاق عدد المشاركين فيها عدد الأشخاص الذين حضروا مراسم تنصيبه. معظم وسائل الإعلام هي ضد ترمب وتنتقده على نحو لاذع ومقذع جدا. السياسيون أذعنوا لترمب ظاهريا لأنه الرئيس، ولكنهم في الواقع غير مذعنين له.
لا يمكن لرجل كترمب أن يروض بلدا كهذا البلد. لا أظن أن أحدا يمكنه أن يروض المجتمع الأميركي. هذا المجتمع هو متشبع بثقافة معادية للطغاة. هذه الثقافة لدى الأميركان هي مثل الدين لدى المسلمين. إذا أحس الأميركيون بالطغيان فإنهم يثورون ضده مثل ثورة المسلمين إذا رأوا رسمة للرسول في مجلة.