في الماضي كنت أسمع من أكراد سوريين أن الآبوجيين في سورية لا يملكون قرارهم بأيديهم وأنهم مجرد واجهات لقادة حزب العمال الكردستاني.
عندما كنت أسمع ذلك الكلام في الماضي لم أكن أعلم مدى واقعيته.
خلال السنوات الأخيرة أنا تابعت ما يجري على الصعيد الكردي، ومن هذه المتابعة تولد لدي انطباع بأن ذلك الكلام كان صحيحا.
مع احترامي لصالح مسلم، ولكنني أستبعد أن يكون صالح مسلم هو بالفعل من يقود الأكراد السوريين. هذه المقولة تبدو لي الآن أشبه بنكتة.
صالح مسلم وآسيا عبد الله وغيرهما يسيرون الشؤون اليومية في المناطق الكردية السورية، ولكن من الواضح أن القرارات الاستراتيجية الكبيرة لا تتخذ عند هؤلاء في وإنما في جبل قنديل. هذه مسألة واضحة. قادة حزب العمال الكردستاني هم ليسوا متوارين عن الأنظار. هم يتحدثون للإعلام ويطلقون مواقف وبيانات وتصريحات. من يتابع كلامهم يدرك أن هؤلاء هم الذين يرسمون السياسات العامة التي يسير عليها صالح مسلم.
هذا الموضوع له فوائد. لولا تدخل قنديل وپكك في الوضع السوري لما كان الأكراد السوريون وصلوا إلى ما وصلوا إليه. الأكراد السوريون (كغيرهم من السوريين) ليس لهم باع في الحرب والعمل الإداري المنظم. لو تركوا لوحدهم لما كان حالهم أفضل من حال ثوار الائتلاف، ومن الوارد أن داعش كانت ستتمكن من النيل منهم.
لولا تدخل پكك في سورية لكان بشار الأسد استفرد تماما بسورية. تدخل پكك مهد لتأسيس قسد التي تحولت إلى بديل واقعي لبشار الأسد. إيجاد بديل لبشار الأسد يعني عمليا إسقاط بشار الأسد. حزب پكك بهذا المعنى أسقط بشار الأسد. نحن نتحدث عن شيء كبير وليس شيئا بسيطا.
پكك لعب الدور الذي رفض الأتراك أن يلعبوه. متابعو المدونة يذكرون أنني في الماضي كنت أدعو الأتراك لتأسيس حكومة في سورية، ولكن الأتراك رفضوا ذلك.
الأتراك لم يكتفوا بالامتناع عن دعم المعارضة ولكنهم أفشلوا كل المساعي الأميركية لدعمها.
الموقف التركي المعادي للمعارضة السورية والمؤيد ضمنيا لبشار الأسد وداعش هو الذي سمح لحزب پكك بأن يتحول إلى بديل لتركيا. الأميركان لم يتحالفوا مع الأكراد السوريين إلا بعدما يئسوا من تركيا وموقفها الهدام.
الأميركان هم ليسوا متحالفين مع پكك وإنما مع حزب پيد. حزب پيد يتبنى إديولوجية پكك وهو خاضع لوصاية پكك، ولكنه يظل حزبا مستقلا من الناحية الرسمية (قارن مثلا مع وضعية حزب البعث اللبناني الذي هو خاضع عمليا لحزب البعث السوري ولكنه حزب مستقل رسميا. أيضا قارن مع وضعية الأحزب الشيوعية التي كانت في الماضي تدور في فلك الحزب الشيوعي السوفييتي).
تدخل پكك في سورية لم يكن أمرا سيئا بل هو في الحقيقة كان أفضل شيء حصل في سورية، لأن هذا التدخل مهد الأرضية للتدخل الأميركي. لولا تدخل حزب پكك لما كان الأميركان تدخلوا في سورية بالطريقة التي تدخلوا بها ولكانت سورية تحولت إلى نسخة من الصومال وأفغانستان وليبيا.
الأميركان ضغطوا على حزب پيد وأرغموه على تقديم بعض التنازلات للسكان العرب في المناطق التي سيطر عليها. هذا كان دورا إيجابيا لعبه الأميركان، ولكن الوضع الحالي في مناطق سيطرة قسد ما زال بعيدا جدا عن المثالية.
الأميركان لا يريدون أن يدخلوا في مشاكل كبيرة مع حزب پيد حول قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان لأن هدفهم الأساسي هو هزيمة داعش. هذه السياسة قد تنفع على المدى القصير، ولكنها لن تنفع على المدى الطويل. إذا لم يؤسس نظام سياسي مستقر في المناطق التي حررها التحالف الدولي فسوف تنهار الأوضاع هناك وسوف يتكرر نفس ما حصل في العراق وغيره.
قادة پكك ربما لا يفهمون ذلك، ولكن النظام السياسي الذي يؤسسه حزب پيد في سورية لا يمكن أن يستمر. هذا النظام سوف ينهار حتما. هذا النمط من الأنظمة الشمولية جُرب مرات كثيرة ونحن نعلم يقينا أنه نظام فاشل.
لا أدري كيف يمكن حل هذه المعضلة، ولكنني لا أظن أن حلها ممكن دون الحوار مع قنديل. لا يمكن إحداث تغييرات سياسية جوهرية في مناطق سيطرة حزب پيد دون الدخول في حوار مباشر وعميق مع قادة پكك. أول من يجب أن يدخل في هذا الحوار هم المعارضة الكردية السورية.
المشكلة هي أن الأتراك يمنعون الحوار مع پكك. هذا موقف آخر من المواقف التركية الهدامة. الأتراك يعيشون حربا أهلية منذ عقود وهم يريدون أن يرغموا السوريين والعراقيين على الدخول في حروب أهلية مماثلة.
لا توجد مصلحة للسوريين والعراقيين في محاربة پكك. الشيء الصحيح هو الانفتاح على هذا الحزب والتفاهم معه بهدف التوصل إلى حل للأوضاع السياسية في المناطق التي يسيطر عليها الحزب وحلفاؤه.
إذا عزلنا حزب پكك وهمشناه وأقصيناه فمن الطبيعي أن الحزب سوف يتشدد في سياساته. هذا نوع من الدفاع عن الذات. كيف تتوقعون من الحزب أن يتنازل لغيره طالما أنه يتعرض للتهميش والإقصاء؟
سياسة الإقصاء لن تؤدي إلى شيء سوى تكرار السيناريو التركي. هل من مصلحة السوريين تكرار السيناريو التركي؟ هل تريدون اندلاع حرب مع الأكراد تستمر لعقود؟ من يريد هذا الأمر هو مخبول وليس ذا عقل سوي.
أنا سعيد لأن حيدر العبادي استبعد قبل أيام فكرة الصراع المسلح مع حزب پكك. هذا موقف صحيح وحكيم. أنا آمل أن العبادي اتخذ ذلك الموقف بناء على قناعة وليس بناء على توجيه من إيران بهدف التحرش بتركيا.
أنا لدي أمل بأن العرب سوف يغيرون موقفهم من القضية الكردية وسوف ينفتحون على الأكراد ويتعاونون معهم لأجل تحقيق الاستقرار في سورية والمنطقة. لا يوجد مبرر لمسايرة تركيا في موقفها من الأكراد. تركيا تعيش حربا أهلية وهي تريد تصدير حربها الأهلية إلى سورية والمنطقة. هل من المعقول أن يقبل العرب بذلك؟ هل سيستورد العرب حربا أهلية من تركيا لأجل إرضائها؟ هذا جنون.