لولا تركيا لما كان أحد أعطى أهمية لبشار الأسد

بشار الأسد يحتل مساحة من الاهتمام الدولي تفوق حجمه الواقعي في سورية.

تاريخيا كان يقال أن أهمية الأسد تنبع من عدم وجود بديل له. مقاطعة الأسد تعني مقاطعة سورية. لهذا السبب كانت مقاطعة الأسد أمرا غير حكيم من وجهة نظر السياسة الواقعية.

ولكن كل مقومات هذه المقولة هي غير موجودة حاليا. الأسد الآن لا يسيطر على سورية وإنما على جزء منها، وهناك بديل واضح له هو قسد.

عندما نقول أن قسد هي بديل للأسد فنحن لا نقدم اقتراحا أو نظرية ولكننا نصف أمرا واقعا. الأميركان تجنبوا التعاون مع الأسد في حربهم ضد داعش واختاروا التعاون مع قسد، ونتيجة هذا الخيار الأميركي كانت نجاحا باهرا.

لن أسهب الآن في وصف تجربة قسد، ولكن هذه التجربة هي أهم تطور حصل في سورية منذ عقود، بل وربما منذ تأسيس الدويلة السورية. القومية الدمشقية حكمت هذه الدويلة الانفصالية بقبضة من حديد منذ تأسيسها في أربعينات القرن العشرين، ورغم حصول الكثير من الثورات والانقلابات إلا أن النتيجة النهائية لكل تلك الثورات والانقلابات كانت الفشل والهزيمة أمام الفكر الانفصالي للقومية الدمشقية.

قسد هي أول جهة نجحت في تحجيم القومية الدمشقية وإيجاد بديل لها في سورية. هذا تطور كبير وغير مسبوق.

الإعلام الدولي يعتم على ظاهرة قسد. الإعلام الدولي يحاول أن يقلل من أهمية قسد وأن يزيد من أهمية بشار الأسد ويبالغ فيها. من يتابع الإعلام الدولي سوف يظن أن بشار الأسد ما زال يحكم سورية وأن قسد هي مجرد أكراد انفصاليين ناشطين في منطقة حدودية.

قسد توشك أن تسيطر على مدينة الطبقة. هذا يعني أن قسد ستسيطر عمليا على مياه نهر الفرات. نهر الفرات هو من أهم الأشياء في الدويلة السورية. بعد الطبقة يفترض أن قسد ستسيطر على مدينة الرقة. الإعلام الدولي يتجاهل هذه التطورات الضخمة ويصر على حصر قسد في الإطار الكردي. هذه المقاربة غير الواقعية للإعلام الدولي لها سبب واحد هو السياسة التركية.

الأتراك يرفضون أن يتعامل أحد مع قسد بإيجابية. هم يهمشون قسد ويعملون في المقابل على تضخيم حجم بشار الأسد وإعطائه وزنا يفوق بكثير وزنه الواقعي. على سبيل المثال، الأتراك يبعدون قسد عن المؤتمرات الدولية المتعلقة بسورية ويصرون على أن يكون بشار الأسد هو ممثل “الحكومة السورية” في تلك المؤتمرات. هذا ما نشاهده مثلا في “مؤتمر أستانة”. هذا المؤتمر يصور بشار الأسد على أنه الحكومة السورية، وأما قسد فهي غير موجودة.

الأتراك عملوا خلال السنوات الماضية على تدمير المعارضة المعتدلة في محافظة حلب. هم دمروا مشروع “الحكومة الانتقالية” ودمروا الفصائل المسلحة التي كانت مدعومة من المخابرات الأميركية. سبب هذه السياسة هو أن الأتراك لا يريدون أن تقوم قائمة للمعارضة بعيدا عن بشار الأسد في دمشق. عداوة الأتراك لا تنحصر في الأكراد ولكنها تشمل أي كيان معارض معتدل. الأتراك لم يريدوا أن يروا حكومة انتقالية أو أي كيان للمعارضة المعتدلة بعيدا عن بشار الأسد في دمشق. بالنسبة للمعارضة غير المعتدلة فهي لم تقلقهم لأنهم يعلمون أنها لا يمكن أن تحصل على الشرعية الدولية (الكيانات على غرار داعش تدعم شرعية بشار الأسد الدولية ولا تضرها. لهذا السبب دعم الأتراك داعش ورفضوا دعم أية حكومة انتقالية معتدلة).

البعض ما زالوا يرفضون أن يروا ذلك، ولكن الحقيقة هي أن تركيا كانت وما زالت أكبر عدو للمعارضة السورية وأكبر داعم لبشار الأسد.

الواقع الذي نراه الآن في سورية هو أن الأميركان لا يتعاملون مع بشار الأسد وإنما مع قسد. ولكن رغم ذلك ما زال بشار الأسد يخطف الأضواء والاهتمام الدولي. السبب الوحيد لذلك هو السياسة التركية التي تدعم بشار الأسد.

قسم كبير من الوزن الدولي لبشار الأسد يأتي من تركيا. ليس صحيحا وصف بشار الأسد بأنه مجرد دمية إيرانية وروسية. بشار الأسد يجب أن يحسب أيضا على تركيا.

بعض القراء سيستغربون هذا القول لأنه يتعارض مع ما يقال في الإعلام، ولكن السؤال هو: متى كان الإعلام مصيبا في نظرته للوضع السوري؟ متابعو المدونة يعلمون أن كثيرا مما قلناه في هذه المدونة خلال السنوات الماضية كانت أقرب إلى الواقع مما قيل في الإعلام وعلى ألسنة متحدثي الحكومات.

رأيان حول “لولا تركيا لما كان أحد أعطى أهمية لبشار الأسد

  1. شو صار بمشروع العقوبات ضد النظام السوري في الكونغرس الامريكي؟ بتتوقع شي انو ترامب بالمستقبل رح يوافق عليه؟ كون ترامب بلش يغير نوعا ما من مواقفو السابقة واعترافو بقضية القرصنة الالكترونية الروسية

    • القانون ما زال نائما عند لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ. كان من الواضح قبل فترة أن مجلس الشيوخ سينوم القانون وأنا كتبت ذلك. بالنسبة لموقف ترمب فأنا منذ البداية لم أكن أظن أنه سيثبت على موقفه المؤيد للأسد، لأن ذلك الموقف ليس مبنيا على أي شيء جدي. ذلك الموقف كان جزءا من توجهات ترمب العنصرية ضد المسلمين خلال حملته الانتخابية.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s