متابعو المدونة يعلمون أن موقفي من ائتلاف المعارضة السورية هو موقف سلبي، لأن هذا الائتلاف نفسه هو سيء.
قبل سنوات كتبت أن أعضاء الائتلاف هم ليسوا سياسيين، لأنهم لا يتصرفون كالسياسيين. هم مجرد مراقبين للأوضاع السورية عن بعد. هم مقيمون خارج سورية ولا يفعلون شيئا سوى الخروج على شاشات الفضائيات السعودية والقطرية والصراخ والنحيب بكلام لا يساوي فرنكا صدئا. ما يفعلونه لا يزيد بشيء عما أفعله أنا في هذه المدونة، بل أظن أنني من خلال ما كتبته خدمت القضية السورية أكثر منهم.
هم أيضا قاموا بتوزيع مساعدات إغاثية وصلتهم من دول داعمة، ولكن هذا العمل هو ليس وظيفتهم أصلا. هذا العمل لا علاقة له بالسياسة. هذا العمل يجب أن يترك لمنظمات مهنية مستقلة ولا يجوز تسييسه وتحويله إلى وسيلة يستغلها بعض الأشخاص لكسب الشعبية بين الناس. ما قام به الائتلاف في هذا المجال هو من أساسه ومبدئه خطأ كبير.
بعيدا عن الائتلاف، حزب پيد نجح في لعب دور سياسي حقيقي في سورية. هذا الحزب نجح في صناعة شيء واقعي على الأرض، ولكنني طبعا لا أوافق على نهج الحزب الشمولي ولا على توجهاته الشيوعية أو الاشتراكية.
أنا لطالما دعوت المعارضين الجديين للتعاون مع حزب پيد والاستفادة من تجربته بهدف تحقيق مكاسب أوسع. بعض المعارضين فعلوا ذلك بالفعل. أبرز وأنجح مثال هو مجلس منبج العسكري، ولكنني أظن أن الأميركان والأكراد لعبوا دورا كبيرا في تأسيس هذا المجلس. هذا المجلس لم يكن مجرد مبادرة ذاتية من بعض المعارضين المستقلين.
هيثم مناع ذهب إلى مناطق حزب پيد وتفاهم معهم، ولكن تلك التجربة لم تثمر عن شيء عملي، لأن هيثم مناع لا يسيطر على قوى مسلحة يستطيع من خلالها أن يؤسس شيئا على الأرض، وحتى لو فرضنا أنه يمكن أن يكسب تأييد بعض القوى المسلحة فإن تلك القوى ستكون موجودة في درعا التي هي بعيدة عن الحسكة.
أحمد الجربا فعل نفس ما فعله هيثم مناع، ولكن الجربا لديه ميزة لم يملكها مناع وهي أنه ينتمي إلى منطقة الحسكة، وهو يحاول أن يستفيد من ذلك لبناء قاعدة شعبية بين العرب في محافظة الحسكة، وأيضا في محافظتي الرقة ودير الزور. الجربا سعى لتأسيس فصيل مسلح معتدل متحالف مع قسد والأميركان. هذا الفصيل (“قوات النخبة السورية”) نفذ قبل فترة أولى عملياته العسكرية ضد داعش ونجح في السيطرة على بعض القرى النائية في أطراف محافظة دير الزور.
ما يفعله الجربا هو الشيء الذي يجب أن يفعله كل شخص يعتبر نفسه سياسيا. السياسي يجب أن ينزل إلى الأرض ويحاول أن يتواصل مع الناس لكي يكسب تأييدهم بشكل حقيقي وعملي.
طبعا السياسي يجب أن يقيم بين الشعب الذي سيسوه. لا يمكنك أن تدعي أنك “سياسي سوري” (أو الأسوأ من ذلك “قيادي سوري”) وأنت لست موجودا في سورية من الأساس. مثل هذا السلوك هو مهزلة. هذا هو ما كان يفعله مهرجو الائتلاف الذين يظهرون على الفضائيات. هم كانوا يدعون أنهم “قياديون” في المعارضة السورية رغم أنهم ليسوا موجودين في سورية ولا يكادون يمتون بأية صلة حقيقية للجماعات المسلحة الموجودة في سورية. أنا كتبت عشرات المقالات التي دعوت فيها لحل الائتلاف واستبداله بحكومة نابعة من داخل المناطق المحررة في سورية.
إذا كان هيثم مناع يريد بالفعل أن يكون “سياسيا” فيجب عليه أن يذهب إلى درعا ويقيم فيها، لأنك لا يمكن أن تسوس الناس عن بعد. الناس لن يقبلوا بأن يقودهم شخص لا يسكن بينهم (هناك استثناءات. مثلا إذا نفي زعيم سياسي إلى الخارج فإن أتباعه في الداخل قد يظلون موالين له، ولكن مثل هذا السيناريو لا ينطبق على أعضاء الائتلاف، لأن لا أحد منهم كان في الأصل زعيما سياسيا).
أنا آمل أن ينجح أحمد الجربا في بناء قاعدة شعبية في المنطقة الشرقية من سورية وأن يتمكن من السيطرة على الرقة ودير الزور. الهدف من ذلك هو ليس بناء مجد شخصي للجربا وإنما إخراج هذه المحافظات من قبضة ذيل الكلب.
طبعا يجب على الجربا أن يحذر من محاولات الاغتيال. لا شك أن اغتيال الجربا سيكون على لائحة الأولويات لدى ذيل الكلب. أيضا المخابرات التركية قد تسعى لاغتيال الجربا عبر عملائها ممن يسمون بفصائل الجيش الحر.
بعض الناس قد يتساءلون: لماذا لا يوجد أي سياسيين في سورية؟ الجواب هو أن عائلة الأسد لا تسمح بوجود سياسيين في سورية. عندما يبرز زعيم سياسي في أية منطقة من سورية فإن عائلة الأسد تسعى في البداية لاستمالته لكي يتعاون مع أجهزة المخابرات ويلتزم بتوجيهاتها وضوابطها، وهو ما يعني عمليا إلغاء هذا السياسي وتحويله إلى مجرد بوق لذيل الكلب. إذا رفض السياسي التعاون مع المخابرات فإن المخابرات تتعامل معه بأسلوب يتناسب مع حجمه. إذا كان حجمه صغيرا فإنهم يكتفون باعتقاله وتشويه سمعته، وإذا كان حجمه كبيرا فإنهم يتجنبون اعتقاله بسبب خشيتهم من رد فعل جمهوره. في مثل هذه الحالة هم غالبا ما يقتلونه بسيارة مفخخة أو عبوة ناسفة ويتهمون القاعدة أو داعش باغتياله (مثلا قبل فترة هم تخلصوا من البلعوس في السويداء بهذه الطريقة).
هذا البيان صدر عن تيار الجربا بمناسبة التطهير العرقي في حلب. هذا البيان هو ربما أفضل ردة فعل رأيتها على ما جرى في حلب.
القومية الدمشقية تعلم الناس ألا يحترموا أحمد الجربا. معارضة الائتلاف غالبا ما تسخر من أحمد الجربا بسبب أصله البدوي وبسبب كونه ينتمي إلى محافظة الحسكة. هم يعيرونه بكونه “بدويا” و”راعي غنم” و”لا أحد سمع به” ونحو ذلك. هذا الكلام الذي يقوله ثوار الائتلاف هو شيء عادي بالنسبة لقوميين دمشقيين عنصريين. ولكنني آمل أن بعض الناس في القسم الغربي من سورية سوف يتسامون على هذه القومية الدمشقية المتخلفة وسوف يتعاونون في المستقبل مع أحمد الجربا ومع الأكراد. إذا لم يتعاونوا معهم فإن الخاسر لن يكون الجربا ولا الأكراد.
انتهازي، يحبو بعالم السياسة…
أنا مستعد أن أحلف لك أنك لا تعرف حتى ما هو معنى كلمة السياسة. الشيء الذي تسميه أنت سياسة هو إجرام يجب أن يذهب من يمارسونه إلى المحاكم.
أرجوك لا تحلف لي… لا داعي لذلك..
عزيزي، أنا لا أدعي أني أعرف بالسياسة، ولم أخرج وأعمل مؤتمر صحفي يتحدث عن بطولاتي السياسية…
ثانياً- عندما اقارن أعضاء المعارضة السورية بأي سياسي على مستوى العالم (وليس سوريا) فهم مازالوا يحبون في العمل السياسي..
لم أقارنه بالرئيس أو حتى لم أقارنه بحافظ الأسد مثلاً..
أنت عندك الكثير من الاعتراضات على عمل حافظ الأسد ولكنك لم تنتقد سياساته.. هل يوجد سياسي سوري واحد (من الطرفين) يستطيع العمل بفكر حافظ الأسد..
الكثير من المعارضين لا يفهمون مالذي فعله حافظ الأسد، فقد استطاع بدهاء منقطع النظير أن يبقي حبل العمل مع الخليج وإيران، تحالف مع الاتحاد السوفييتي ولم يدخل لبنان إلا بضوء أخضر من أمريكا..
بالمقابل فالخطأ الاستراتيجي الذي وقع فيه بشار الأسد هو الانفتاح على الخليج وتركيا.. لكن عذره الوحيد أنه ليس منجّم ليعرف مالذي يحيك له الأتراك..
أما المعارضين أحبابك فأول ما قاموا به هو تدمير المطارات السورية وتدمير منالدفاعات الجوية … هل هذه سياسة؟