سمير نشار استقال من الائتلاف. هذا المقال يكشف ربما أسباب ذلك.
أنا لست من أنصار التفكير المؤامراتي، ولكنني لا أستطيع أن أستبعد وجود دور تركي فيما يحصل الآن للائتلاف، لأننا سمعنا مؤخرا كلام رئيس الوزراء التركي حول قرب “تطبيع الوضع في سورية”، ورأينا ما الذي فعلته تركيا مع ثوار الائتلاف في حلب. أيضا ميشيل كيلو تحدث عن قرب انتهاء الثورة “خلال أربعة أو خمسة أشهر”، وحديثه ذاك كان يحمل بصمات تركية ذكرناها في مقال سابق. هذه المؤشرات تدل على أن الأتراك قد يرغبون الآن في تقسيم معارضة الائتلاف بهدف عزل الإسلاميين المتطرفين، لأن هذا مطلب أساسي لدى الروس. الروس دأبوا على مطالبة تركيا (وغيرها) بفصل المعارضة المعتدلة عن غير المعتدلة. بما أن المعارضة غير المعتدلة تمثل سواد معارضة الائتلاف فإن المطلب الروسي يهدف في الحقيقة لتعرية معارضة الائتلاف من أي غطاء سياسي، ويبدو أن هذا بدأ يحصل الآن.
الهدف النهائي الذي يريد الأتراك الوصول إليه هو “تطبيع الوضع في سورية” كما قال رئيس الوزراء التركي مؤخرا أثناء زيارته لموسكو. هذا هو الشرط الروسي الذي التزمت تركيا به في مقابل حصولها على مدينة الباب.
الثيمة المشتركة في كلام كل الائتلافيين المنسحبين الساخطين هي تهجمهم على الإسلاميين المتطرفين. ولكن هل هؤلاء الإسلاميون المتطرفون ظهروا الآن؟ هم كانوا يهيمنون على معارضة الائتلاف منذ البداية، وهؤلاء الساخطون كانوا حتى الأمس القريب يدافعون عنهم ويرفضون مثلا دعوات الانفصال عن جبهة النصرة.
لعل أول من تحدث بهذه الثيمة المستجدة كان العميد مصطفى الشيخ في مقال له تحدثت عنه في هذه المدونة. ذلك المقال كان لافتا من حيث نقده الشديد للمتطرفين في صفوف معارضة الائتلاف، ولكن المقال كان غريبا أيضا من حيث ترويجه الغريب لروسيا ودورها الإيجابي على نحو مجاف تماما للواقع. الملفت الأكثر هو أن نفس الكاتب كتب بعد ذلك مقالا استهله بمديح تركيا وعملية درع الفرات. كيف يمكن للكاتب أن يكون ضد الإسلاميين المتطرفين ثم بعد ذلك يمتدح تركيا ودورها؟ وكيف يمكن له أن يمتدح عملية درع الفرات وهو يشاهد نتائجها الآن على الأرض في مدينة حلب؟
مع احترامي لكل هؤلاء المعارضين الساخطين، ولكنني بصراحة لا أثق فيهم طالما أنهم قاعدون في حضن أردوغان. القاسم المشترك بينهم هو أنهم ما زالوا يطبلون ويزمرون لتركيا رغم انقلابهم المفاجئ ضد الإسلاميين المتطرفين، وهذا بحد ذاته شيء غير منطقي. تركيا هي التي عملت بشكل منهجي على دعم الإسلاميين المتطرفين بكل أشكالهم وتلاوينهم، وهذا تحديدا هو السبب الذي أجبر الأميركان على الابتعاد عن تركيا والتحالف مع الأكراد.
عندما أرادت أميركا التدخل في سورية ضد داعش هي حاولت في البداية أن تتعاون مع تركيا، ولكن أردوغان أخذ موقفا رافضا بشدة لمبدأ الحرب ضد داعش، ومعارضة الائتلاف تبعت أردوغان في ذلك الموقف. أردوغان في ذلك الوقت كان يقول أن أميركا يجب أن تسقط الأسد قبل أن تبدأ في محاربة داعش، وهذا بصراحة كان موقفا يخلو من أي منطق (كما شرحنا في حينه). لماذا تصور أردوغان أن التدخل الأميركي ضد داعش يصب في مصلحة الأسد؟ كل أطروحة أردوغان في ذلك الوقت كانت عديمة المنطق. تلك الأطروحة كانت مجرد حجة. أردوغان آنذاك كان سعيدا بالحرب التي تشنها داعش ضد الأكراد، وهو في الحقيقة كان يدعم داعش في تلك الحرب. عندما أراد الأميركان التدخل ضد داعش غضب أردوغان لأنه اعتقد بأن أميركا تريد أن تنقذ الأكراد، ولهذا هو رفض الحرب ضد داعش وأجبر معارضة الائتلاف على رفضها.
ذلك الموقف كان بداية النهاية لمعارضة الائتلاف، لأنه عزل هذه المعارضة عن أميركا. أميركا اضطرت للتحالف مع الأكراد كونهم الخيار الوحيد. الحلف الأميركي-الكردي تطور ووصل اليوم إلى مستوى رائع، في حين أن معارضة الائتلاف غاصت في بالوعة سحيقة. أردوغان تدخل في سورية مؤخرا بهدف محاربة داعش، أي أنه تدخل لنفس الهدف الذي كان يرفضه قبل سنتين وكان يعتبره مؤامرة. لو أن أردوغان تعاون مع الأميركان منذ البداية لما كان اضطر للتنسيق مع الروس والإيرانيين وتسليمهم مدينة حلب كما فعل مؤخرا، ولما كان اضطر لإعادة معارضة الائتلاف إلى حضن ذيل الكلب كما ينوي أن يفعل الآن. الأميركان كانوا سيغطون تدخلا تركيا في سورية دون الحاجة لصفقات إجرامية كالصفقات التي يعقدها أردوغان مع الروس والإيرانيين منذ بداية “درع الفرات”.
أردوغان دمر معارضة الائتلاف لأن أردوغان كان وما يزال يعتبر النيل من الأكراد هدفه الأول. هذا الهدف هو مقدم على إسقاط ذيل الكلب. لهذا السبب أنا توقعت قبل عام أن أردوغان سيتحالف مع الروس والإيرانيين وذيل الكلب ضد قسد، وهذا حصل فعلا.
إذا كان سمير نشار وأمثاله جادين في صحوتهم فالمتوقع هو أن يسيروا على درب أحمد الجربا وأن يتحالفوا مع قسد والأميركان، لأن هذا هو الطريق الوحيد المتبقي لمعارضة ذيل الكلب. أما إن بقوا في حضن أردوغان وصاروا يشتمون آل سعود على طريقة ميشيل كيلو فهذا سيكون دليلا على أن صحوتهم هي مجرد مسرحية من إخراج المخابرات التركية.
آل سعود ما زالوا حتى الآن متمسكين ببيان جنيف وبعملية الانتقال السياسي. هذه هي مواقف هيئة المفاوضات في الرياض. هذه المواقف لا تتناسب مع التوجه التركي لـ”تطبيع الوضع في سورية” و”إنهاء الثورة خلال أربعة أو خمسة أشهر”. يجب أن ننتبه أيضا إلى أن آل سعود لم يضغطوا على أحمد الجربا لكي يمنعوه من التحالف مع قسد، وهذا موقف كبير يحسب لآل سعود، لأن انضمام الجربا إلى تحالف قسد من شأنه أن يزيد دور العرب في هذا التحالف، وبالتالي هذا التحالف لن يكون مجرد حركة كردية كما يريده الأتراك أن يكون. هذا التحالف هو عمليا البديل الوحيد لذيل الكلب في سورية. أكبر جريمة يرتكبها الأتراك هي منع العرب من الانضمام إليه.