هذا الخبر وأمثاله هو سبب تأييدي لتقنين الحجاب، بمعنى تنظيمه بقوانين.
أنا ليست لدي مشكلة في الحجاب كشعيرة دينية تمارسها المرأة باختيارها. إذا كان الحجاب مجرد شعيرة دينية فردية فلا يحق لأحد أن يتدخل فيه أو أن يجبر امرأة على خلعه.
ولكن أي شخص عاش في مجتمع إسلامي محافظ يعلم أن الحجاب في تلك المجتمعات هو ليس مجرد شعيرة دينية.
هل الحرب المذكورة في الخبر اندلعت بسبب العاطفة الدينية الجياشة لدى بعض قبائل ليبيا؟ طبعا لا. هذه الحرب لا علاقة لها بالدين أو العاطفة الدينية. هذه الحرب هي نابعة من العصبية القبلية. إحدى القبائل شعرت بأن شرفها أو عرضها انتهك بسبب ما فعله القرد.
عندما كنت أعيش في حلب أدركت أن الحجاب في تلك المدينة هو ليس شعيرة دينية وإنما رمز اجتماعي.
العائلات المحافظة في حلب تنظر للحجاب بوصفه رمزا أو دليلا على شرف العائلة. إذا كانت بنات العائلة محجبات فهذا يعني أن العائلة هي شريفة وأن عرضها مصان، وإذا كانت بنات العائلة غير محجبات فهذا يعني أن شرف العائلة هو مهدور وأن عرضها هو منتهك.
لهذا السبب كنت تجد في حلب أشخاصا غير متدينين ولكنهم يحرصون بشدة على تحجيب بناتهم. بعض الرجال في حلب كانوا يشربون الخمور (التي هي محرمة في الإسلام)، ولكنهم رغم ذلك كانوا يرغمون بناتهم على الحجاب. ليس من المعقول أن حرص هؤلاء على الحجاب كان نابعا من التدين. هؤلاء كانوا يحرصون على تحجيب بناتهم لاعتقادهم بأن خلع البنات للحجاب يطعن في شرف العائلة أو عرضها.
هناك رمزية أخرى للحجاب توجد بشكل خاص لدى معارضة الائتلاف. هؤلاء يعتقدون أن الحجاب هو رمز للمرأة السنية يميزها عن المرأة المسيحية والنصيرية وغير ذلك. بالنسبة لهؤلاء فإن خلع الحجاب يعني إزالة الفرق بين المرأة السنية والمرأة غير السنية، وبالتالي هو يساهم في طمس وجود “طائفة السنة” والقضاء على هذه الطائفة (حسب منظورهم). لهذا السبب هم يغضبون بشدة من خلع النساء السنيات للحجاب ويشعرون بأن هذا هو “عدوان نصيري” ونحو ذلك من التعابير التي يستخدمونها.
ما يفاقم الرمزية الطائفية للحجاب هو أن عائلة الأسد ومؤيديها لهم موقف سلبي من الحجاب. هؤلاء يقولون دائما أنهم ضد الحجاب ويريدون منعه ونحو ذلك (وهم منعوه بالفعل في ثمانينات القرن العشرين. الحجاب كان ممنوعا في المدارس السورية حتى عهد بشار الأسد). بالنسبة لمعارضة الائتلاف فإن معاداة عائلة الأسد ومؤيديها للحجاب هو دليل إضافي على أن الحجاب هو رمز سني وأنه مستهدف من النصيريين وغيرهم من أعداء السنة (بالأحرى من “أعداء الإسلام”، لأن النصيريين في منظور معارضة الائتلاف هم ليسوا بالفعل مسلمين. في أدبيات الإخوان القديمة نقرأ كثيرا عبارة “الحرب على الإسلام” وليس “الحرب على السنة”، لأن السنة في منظور الإخوان هم فقط المسلمون).
قبل فترة تحدثت في المدونة عن ظاهرة ممائلة تتعلق بمناهج الدين في المدارس. مؤيدو بشار الأسد شنوا حملة بهدف إلغاء مادة الدين من مدارس دمشق، وهذا بطبيعة الحال أثار ردة فعل عكسية لدى المحافظين لأنهم شعروا بأنه استهداف جديد لطائفة السنة.
عندما كنت في جامعة حلب لاحظت أن الطالبات السنيات هن في الغالب محجبات، بخلاف الطالبات غير السنيات. هذا المظهر يفاقم الرمزية الطائفية للحجاب.
بعض زملائي في الكلية كانوا ينتمون فكريا إلى معارضة الائتلاف، وهؤلاء كانوا لا يخفون حقدهم على الطالبات غير المحجبات. هم كانوا يكرهون الطالبات غير المحجبات لسببين، السبب الأول هو اعتقادهم بأن الطالبات غير المحجبات هن غير شريفات أو عاهرات (لأن الحجاب في منظورهم يرمز للشرف، ونزع الحجاب يرمز لضياع الشرف)، والسبب الثاني هو العصبية الطائفية السنية التي كانوا يعبرون عنها بطرق مختلفة، من هذه الطرق قولهم أننا نعيش في مجتمع “إسلامي” ويجب على النساء الالتزام بالإسلام.
عندما يتحدث هؤلاء عن ضرورة “الالتزام بالإسلام” فهذا لا يعني أنهم أناس متدينون. من تعاملي مع هؤلاء الناس لم ألمس أنهم مشحونون بعواطف دينية صادقة. هم كانوا ينطلقون من عصبيات اجتماعية متعددة ومركبة، إحداها هي العصبية الطائفية، ولكن من الوارد أن هناك عصبيات أخرى كانت تتحكم فيهم. مثلا العامل الأهم في القصة التي نقلتها في البداية هو العصبية القبلية. أنا أظن أن بعض معارضي الائتلاف الذين رأيتهم كانوا ينطلقون ربما من عصبيات مناطقية وثقافية محضة. كثير من هؤلاء لم يكونوا من مدينة حلب وإنما من مناطق ريفية، وأظن أن كثيرا منهم لم يعيشوا أبدا خارج قراهم ومناطق الريفية. عندما أتوا إلى جامعة حلب رأوا النساء غير المحجبات لأول مرة، وهذه “الصدمة الثقافية” قد تكون لعبت دورا في مواقفهم، لأن خلع الحجاب في عاداتهم وثقافاتهم المحلية هو أمر غير مقبول بتاتا.
ما يدعم صحة هذه الفكرة هو أن الطلاب المتحدرين من مدينة حلب نفسها كانوا بشكل عام أبعد عن توجهات معارضة الائتلاف. الطلاب الذين يحملون فكر معارضة الائتلاف كانوا في الغالب من الريف وليس من مدينة حلب. الطلاب الحلبيون كانوا عموما محافظين ولكن مواقفهم كانت أقل حدة بكثير من مواقف الطلاب الريفيين. مثلا أنا لم أسمع أي طالب من الطبقة الوسطى الحلبية يتفوه بكلام طائفي أو عنصري. الكلام الطائفي والعنصري الذي سمعته كان يأتي غالبا من طلاب ريفيين، وأيضا من طلاب “المحافظات النامية” (الرقة ودير الزور).
الخلاصة هي أن الحجاب هو ليس مجرد شعيرة دينية. الزعم بأن الحجاب هو مجرد شعيرة دينية لا ينطبق على الواقع الموجود في المجتمعات الإسلامية المحافظة.
إذا كانت المرأة محجبة لأنها تريد أن ترضي ربها وأن تكون محتشمة فهذا شيء جيد ولا يجب لأحد أن يتدخل فيه، ولكن إذا كانت المرأة محجبة لأنها تنتمي إلى “عائلة شريفة” أو إلى “عائلة محافظة” أو إلى “عائلة ملتزمة دينيا” فهذا أمر سيء ويجب مكافحته. حجاب المرأة يجب أن يكون قضية خاصة بالمرأة لوحدها ولا يجوز تحويل الحجاب إلى رمز لشرف عائلتها أو إلى رمز لجماعتها الدينية. إذا جعلنا من الحجاب قضية عائلية أو طائفية فهذا يفتح بابا لشرور كثيرة، منها القصة الواردة في بداية المقال (اندلاع حرب بين قبيلتين بسبب خلع حجاب طالبات). أيضا هذا النهج فيه خطورة كبيرة على النساء أنفسهن. إذا جعلنا من الحجاب رمزا لشرف العائلة فهذا يعني أن خلع المرأة للحجاب يطعن في شرف عائلتها، أي أننا نحمل المرأة مسؤولية ضياع شرف عائلتها، ومن الوارد جدا أن عائلتها ستسعى للانتقام منها بسبب ذلك. لماذا نضع النساء في هذا الموقف الخطير؟ لا يجوز تحميل امرأة واحدة مسؤولية “شرف العائلة” لأن هذا ظلم لتلك المرأة وتهديد لسلامتها (الأسوأ من ذلك هو تحميل المرأة مسؤولية “المحافظة على الإسلام” كما يفعل معارضو الائتلاف. بالنسبة لهؤلاء فإن خلع المرأة للحجاب لا يطعن فقط في عائلتها ولكنه يتسبب أيضا في “القضاء على الإسلام” و”انتصار النصيرية”. كل هذه الكوارث الوجودية ستحصل إن خلعت امرأة حجابها، ولكم أن تتخيلوا ما الذي سيفعلونه بهكذا امرأة تعيسة لو أمسكوا بها.)