هذا المقال نشرته صحيفة الشرق الأوسط.
هذا المقال لا يعبر عن النهج العام لهذه الصحيفة. هذا مقال شاذ وغريب. الهدف من نشره هو طبعا إرضاء تركيا.
آل سعود يخافون من الصدام مع أردوغان بسبب شعبيته داخل بلادهم.
أردوغان هو مكروه في الدول المتقدمة بسبب طغيانه ومحاربته للديمقراطية وحقوق الإنسان، وبسبب الجرائم والمجازر والانتهاكات التي ارتكبها بحق الأكراد (وآخرها حملة التطهير السياسي التي شنها ضد النواب ورؤساء البلديات الأكراد).
العالم العربي (كالعادة) ليست له علاقة بكل هذه الأمور. الجمهور العربي لا يهتم بانتهاكات وتجاوزات أردوغان، لأن الجمهور العربي يفتقد للقيم والأخلاق والمبادئ الموجودة لدى شعوب الدول المتقدمة، والأغرب هو أن أردوغان ما زال يحظى بشعبية جارفة في صفوف دهماء العرب رغم كل ما فعله في سورية. أردوغان سلم سورية بكاملها إلى إيران، وهو متورط بشكل مباشر في التطهير العرقي غير المسبوق الذي يجري الآن في حلب.
آل سعود لديهم مشكلة داخلية كبيرة بسبب التقتير المالي الذي يمارسونه على شعبهم، ولهذا السبب هم يداهنون أردوغان بهدف إرضاء المعارضة داخل بلادهم وتجنب استفزازها، لأن هذه المعارضة هي (لسبب ما) واقعة تحت سيطرة أردوغان.
من المحتمل أن سبب قوة أردوغان في العالم العربي هو قناة الجزيرة. أنا توقفت عن مشاهدة قناة الجزيرة قبل سنوات ولا أعلم ما الذي تبثه هذه القناة، ولكن من الممكن أن آل سعود يخافون من أن تقوم قناة الجزيرة بتحريك ثورة ضدهم في حال ساءت علاقتهم مع أردوغان.
مداهنة أردوغان أوصلت إعلام آل سعود إلى دركات منحطة. المقال الذي أشرت إليه في البداية يقول أن دعم أميركا للأكراد هو مؤامرة هدفها تقسيم تركيا ونحو ذلك من الترهات التي تبثها المخابرات التركية وأجهزة الإعلام التركية.
هل آل سعود هم مقتنعون فعلا بأن أميركا تتآمر لتقسيم تركيا؟ هل آل سعود هم مقتنعون بأن تدخل أميركا في سورية يهدف لتقسيم تركيا؟
الغريب هو أن وزير خارجية آل سعود هو موجود الآن في أميركا وهو يجري مباحثات “حميمة” مع أعضاء الكونغرس. سياسة آل سعود الخارجية هي منسقة بالكامل مع أميركا. لا أظن أن آل سعود يعارضون أميركا في أي أمر يتعلق بالسياسية الخارجية. ولكننا رغم ذلك نقرأ في صحفهم مقالات تهاجم أميركا وتتهمها بالتآمر لتقسيم تركيا.
ما يقومون به هو نفاق مفضوح. هم يستهبلون الجمهور العربي.
من حقهم أن يستهبلوا الجمهور العربي لأن هذا الجمهور هو بالفعل أهبل (إلا من رحم ربي).
الجمهور العربي يجب أن يفهم أن أميركا لا تتآمر لتقسيم تركيا أو غيرها. أميركا تدخلت في سورية أساسا بهدف دعم ثوار الائتلاف، ولكن أردوغان أفشل الجهود الأميركية لتأسيس معارضة معتدلة وأجبر الأميركان على الابتعاد عن ثوار الائتلاف والتقارب مع الأكراد. بعد ذلك صار أردوغان يحرض ضد الأميركان ويزعم أنهم يستخدمون “الورقة الكردية” للضغط على تركيا.
الأكراد هم ليسوا ورقة، وأميركا لا تستخدم هذه الورقة المزعومة. الأكراد هم أناس ذوو حقوق كاملة مثل أي أناس آخرين في هذا العالم. ما تفعله أميركا مع الأكراد هو أنها تدعمهم لقتال داعش، وهي دعمتهم أيضا ضد ذيل الكلب في الحسكة، ولكنها لم تدعمهم أبدا ضد تركيا. أميركا تخلت عن التدخل في محافظة حلب وتركت هذه المحافظة المهمة بكاملها للإيرانيين والروس بهدف إرضاء أردوغان وعدم خرق خطه الأحمر التافه الذي يتعلق بنهر الفرات.
إن كانت هناك من ورقة في هذه المنطقة فهي أردوغان نفسه. ما الذي يفعله أردوغان الآن في شمال سورية؟ هو لا يفعل شيئا سوى أنه حول نفسه إلى ورقة رخيصة بيد الإيرانيين والروس. كلمة “ورقة” تعطيه أكثر من حقه. هذا ليس ورقة ولكنه مجرد حذاء عتيق في أقدام الإيرانيين.