هل الحرب الإعلامية غير الموضوعية على ترمب تضره أم تنفعه؟

دونالد ترمب هو ليس سياسيا. هو شخص لا علاقة له بالسياسة ولم يسبق له أن شغل وظيفة سياسية أو أية وظيفة تتعلق بالشأن العام.

هو شخص أتى من الشارع واقتحم انتخابات الحزب الجمهوري الأولية وفرض نفسه هناك رغما عن إرادة الحزب وقياداته.

هذا تحديدا هو سبب شعبيته. مؤيدو ترمب يحبونه لأنهم يرون أنه “رجل عادي” مثلهم. هو ليس من دهاقنة السياسة ولا علاقة له بالطبقة السياسية.

ظاهرة ترمب تسمى علميا وتاريخيا بالشعبوية populism. هي ظاهرة قديمة جدا كانت موجودة في الجمهورية الرومانية وربما قبل ذلك. معنى الشعبوية علميا هو تحدي نخبة المجتمع والاستقواء عليها بدعم الطبقات الدنيا من الناس.

شخصية دونالد ترمب فيها الكثير من العيوب، ولكن أتباعه لا يرون مشكلة في هذه العيوب لأن مثل هذه العيوب هي موجودة فيهم أيضا.

أظن أنني تحدثت في الماضي عن طبيعة النظام السياسي في أميركا. في أميركا توجد نخبة اقتصادية وثقافية قوية تتحكم بالمجتمع عبر تحكمها بالحكومة والإعلام. هذه النخبة ذات القوة الهائلة تشن الآن حربا إعلامية ضروسا على دونالد ترمب. لا أظن أن شخصا في التاريخ تعرض لحرب إعلامية بشراسة الحرب التي يتعرض لها دونالد ترمب.

أنا أتفهم ما يجري. من حق النخبة الأميركية أن تحارب ترمب، بل هي يجب أن تحاربه، لأن هذا الشخص هو ليس مؤهلا لتولي منصب رئاسة أميركا.

ولكنني ألاحظ مؤخرا أن الحرب الإعلامية على ترمب بدأت تنفلت من عقالها وبدأت تأخذ طابعا يشبه ما نراه في العالم العربي وغير ذلك من دول العالم الثالث. كثير من الأمور التي تقال في الإعلام الأميركي ضد ترمب باتت مجرد تجن وكلام فارغ. أنا أظن أن هذه الحرب غير الموضوعية قد تنقلب ضد مصلحة من يقومون بها، لأنها قد تولد انطباعا لدى الناخبين في أميركا بأن ترمب هو مظلوم. الناس يتعاطفون عادة مع المظلومين.

قبل أيام سُرّب الشريط البذيء لدونالد ترمب وبيلي بوش. عندما استمعت لهذا الشريط لم أفهم منه أن دونالد ترمب يتحدث عن الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي، وأظن أن معظم من استمعوا للشريط لم يفهموا منه هذا الأمر، ولكن المفارقة هي أن الإعلام المناوئ لترامب صار يتحدث عن القضية كما لو أن ترمب تحدث في الشريط عن الاعتداء الجنسي. حتى الأسئلة المتعلقة بالموضوع التي وجهت لترمب خلال المناظرة الأخيرة كانت مُصاغة بطريقة توحي وكأن القضية هي قضية اعتداء جنسي.

عندما شاهدت المقطع أعلاه شعرت وكأنني أشاهد وسيلة إعلام عربية. من يتحدثون في المقطع يعتبرون أن ما ورد في شريط ترمب هو دليل قاطع على أنه اغتصب أو اعتدى جنسيا، ولكن ما ورد في شريطه هو ليس قاطعا وليس واضحا (هو كلام ملتبس في أحسن الأحوال، والحقيقة هي أن ترمب كان يتحدث في التسجيل عن علاقات جنسية بالتراضي وليس بالإكراه).

بعد ذلك خرجت لنا قصة “لغة الجسد” لترمب خلال المناظرة الأخيرة. البعض يزعمون أن الحركات الجسدية لترمب خلال المناظرة كانت عدوانية ونحو ذلك (خبيرة جنائية كتبت مقالا زعمت فيه أنها شعرت بالقلق عندما رأت ترمب يقف وراء كلينتون خلال المناظرة. لا أدري كم هو عدد الأشخاص الذين شعروا بنفس شعورها). الأدهى هو أنهم صاروا يربطون العدوانية المزعومة التي ظهرت في حركات ترمب خلال المناظرة مع الاعترافات المزعومة في التسجيل بأنه اغتصب النساء، والنتيجة النهائية هي فيلم سينمائي بوليوودي وليس هوليوودي، وهذا أمر غريب لأن هذه أميركا وليست الهند.

حتى قصة تهرب ترمب من دفع الضرائب الفدرالية التي صرعوا رأس الناس بها هي ليست قصة مقنعة. ترمب هو ميلياردير، والضرائب الفدرالية التي يمكن أن تؤخذ منه تصل إلى مئات ملايين الدولارات. لماذا سيقوم أي شخص بوهب مئات ملايين الدولارات من أمواله للحكومة؟ أي شخص في مكان ترمب ما كان سيدفع تلك المبالغ الطائلة. المهم هو أنه يعمل في إطار القوانين السارية ولا يخرق أيا منها. إن كان هناك من خطأ فهو في القوانين وليس في ترمب (أنا بالمناسبة لا أوافق على فكرة اليساريين بأن التضييق على الأغنياء بالضرائب هو أمر جيد أو عادل كما يزعمون).

في المحصلة أنا أرى أن معظم “مفاجآت أكتوبر” التي أخرجوها ضد ترمب هي ليست بالسوء الذي جعلوها تبدو به. هناك تجن وتحامل إعلامي في تفسير هذه المفاجآت.

شهر أكتوبر ما زال في بدايته ولا أدري ما الذي سيخرجونه لاحقا. كثيرون في أميركا يتوقعون أن خصوم ترمب سوف يخرجون لاحقا مفاجآت جديدة أسوأ من المفاجآت التي أخرجوها حتى الآن (على أساس أن الأسلحة الأقوى تترك للنهاية).

أنا لست مع ترمب بأي حال. هذا الرجل هو ليس مؤهلا لتولي رئاسة أميركا. ولكنني فقط أصف ما يجري في الإعلام الأميركي.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s