هذه أغنية حول حلب لسميح شقير:
سميح شقير هو من السويداء، التي هي من أبعد محافظات الدويلة الدمشقية عن حلب. عندما يتضامن سميح شقير مع حلب بهذه الطريقة فهذا أمر جيد ويحسب له.
دافع الأغنية هو نبيل، وقسم كبير من كلمات الأغنية هو جميل، ولكن ما لم يعجبني في كلمات الأغنية هو كيل المدائح غير الواقعية لمدينة حلب.
هذا التفاخر غير الواقعي هو أمر معتاد في ثقافتنا العربية بشكل عام والسورية بشكل خاص، ولكنه من مظاهر التخلف.
الناس في الدول المتقدمة لا يتفاخرون بهوياتهم في أعمالهم الفنية. حتى لو فعلوا ذلك فإنهم يفعلونه بأسلوب رمزي وليس بالأسلوب الهابط الذي نفعله نحن.
لا يوجد أي رقي في أن تؤلف أغنية تكيل المدائح غير الواقعية لبلد معين أو شعب معين. هذا السلوك يدل على ضحالة فكرية وثقافية. (أنا لا أقصد بهذا الكلام سميح شقير. المديح غير الواقعي لحلب هو جزء من كلمات أغنية سميح شقير وليس كل الكلمات. الجزء الآخر من الكلمات هو جميل ويصور مظاهر من الكارثة التي حصلت في حلب بسبب ذيل الكلب).
الأغاني التعصبية (والأعمال الفنية التعصبية بشكل عام) لها تأثير سلبي على المجتمع، لأنها تساهم في تسعير العصبيات والنعرات بدلا من إطفائها. هذا ما كان يحصل في الدويلة الدمشقية البائدة. الإعلام في تلك الدويلة البائدة ساهم في تسعير القومية الدمشقية إلى درجة أن هذا الفكر صار مرضا مستفحلا لا يمكن التخلص منه إلا بعمليات جراحية مؤلمة.
آخر ما ينقص السوريين هو صناعة قومية حلبية على غرار القومية الدمشقية. يجب على عقلاء السوريين أن يفهموا أن الشعب الحلبي هو أرض خصبة لنشوء فكر قومي انفصالي. الدويلة الدمشقية أوجدت في مدينة حلب كل العوامل والأسباب التي تؤدي لنشوء فكر انفصالي.
الحلبيون تاريخيا كانوا وحدويين جدا، وهذا كان يغيظ القوميين الدمشقيين. القوميون الدمشقيون كانوا يسعون منذ أربعينات القرن العشرين لإنهاء القومية العربية في حلب واستبدالها بقومية حلبية. مثلا في أربعينات القرن العشرين هم كانوا يقولون أن مطالبة الحلبيين بالوحدة العربية هي نابعة من نعرة حلبية هدفها خدمة مصالح حلب التجارية. هم كانوا دائما يصفون القومية العربية في سورية بأنها نعرة حلبية (وهذا هو السبب الذي جعل الحلبيين يختارون هاشم الأتاسي زعيما لهم، لأن هاشم الأتاسي كان زعيما مهما من مدينة حمص وليس من المعقول أنه كان يتحرك من نعرة حلبية كما زعم القوميون الدمشقيون).
القوميون الدمشقيون أرادوا إخراج الحلبيين من القومية العربية وإدخالهم في مستنقع القومية الحلبية، لأن هذا يزيل عنهم خطر القومية العربية التي تتناقض وجوديا مع القومية الدمشقية. القومية الدمشقية يمكن أن تتعايش مع قومية حلبية، ولكنها لا يمكن أن تتعايش مع قومية عربية. لهذا السبب عملت القومية الدمشقية على قتل القومية العربية في حلب وأوجدت ظروفا تسمح بنشوء قومية حلبية.
أنا أعلم أن هذا الكلام يفوق مدارك بعض الحلبيين، ولكنني أرجو من الإخوة الحلبيين أن يفهموا ما يلي: العصبية الحلبية هي أكبر خدمة ممكنة للقومية الدمشقية. القوميون الدمشقيون يتألمون ويشعرون بالخيبة عندما يرون الحلبيين يطالبون بالوحدة العربية، ولكنهم يفرحون وينتشون عندما يرون الحلبيين ينغلقون على أنفسهم ويغوصون في مستنقع القومية الحلبية، لأن القومية الحلبية هي ليست تهديدا للقومية الدمشقية وإنما بالعكس: وجود القومية الحلبية يدعم ويعزز وجود القومية الدمشقية. القومية الحلبية والقومية الدمشقية هما وجهان لعملة واحدة هي الفكر الانفصالي التقسيمي.
الصراع التاريخي في سورية لم يكن بين قومية حلبية وقومية دمشقية. الصراع كان بين انفصاليين متمركزين في دمشق ووحدويين متمركزين في حلب وحمص ومعظم المدن السورية. وجود العاصمة في دمشق (مقر الانفصاليين) أدى إلى أن الانفصاليين انتصروا وتمكنوا من فرض فكرهم الانفصالي على حلب. الجيل الحالي في حلب نسي قضية الوحدة العربية. هذا الجيل يعتنق قومية دمشقية هشة سوف تتفكك وتنشأ في محلها قومية حلبية.
السوريون يجب أن يركزوا على التخلص من القومية الدمشقية بدلا من صناعة قوميات جديدة على غرارها.
هناك نموذج جميل يمكن للسوريين أن يستفيدوا منه هو نموذج الإدارة الذاتية التي أسسها الأكراد. هذه الإدارة هي ليست ديمقراطية، ولكنها تملك ميزة هامة وهي أنها غير مبنية على عصبية قومية (أكراد سورية يحملون فكرا قوميا كرديا ويعملون على أساسه، ولكن الإدارة التي أسسوها هي ليست كيانا قوميا كرديا).
الإدارة التي أسسها الأكراد تؤذي القومية الدمشقية وتضعفها دون أن يؤدي ذلك لنشوء كيان قومي جديد على غرار الدويلة الدمشقية. هذا النموذج هو ما يحتاجه السوريون. المطلوب هو التخلص من القومية الدمشقية دون استبدالها بنزعات انفصالية أخرى.