خبران ظهرا مؤخرا يدلان على اتساع الهوة بين العرب والأكراد في سورية.
الخبر الأول هو حول ابتعاد “المجلس الوطني الكردي” عن معارضة الائتلاف.
الخبر الثاني هو حول انسحاب أعضاء التيار الذي يقوده أحمد الجربا.
بالنسبة للخبر الأول فهو مفاجئ نوعا ما. المجلس الوطني الكردي كان لسنوات يمنح الغطاء الكردي لمعارضة الائتلاف وكان للأسف يغطي على عنصرية هذه المعارضة وعداوتها الصارخة للأكراد. لماذا قرر المجلس الآن أن ينسحب من معارضة الائتلاف وأن يكشف عورتها؟ من المحتمل أن السبب هو التدخل التركي الأخير في سورية. لعل أعضاء المجلس الوطني الكردي كانوا يتوهمون أن تركيا ستحتل المناطق الكردية عسكريا وستسلمها لهم، ولكنهم الآن يكتشفون أن ذلك هو وهم، ولهذا هم يغيرون سياستهم.
على كل حال، تغيير المجلس الوطني الكردي لسياسته هو أمر جيد بغض النظر عن أسبابه. المعارضة المعتدلة بشكل عام (سواء كانت كردية أم غير كردية) يجب أن تأخذ موقفا أخلاقيا من معارضة الائتلاف بدلا من التمسح بهذه المعارضة ومداهنتها بحثا عن مكاسب شخصية صغيرة.
السؤال هو كيف سيرد حزب پيد على المواقف الأخيرة للمجلس الوطني الكردي؟ هل سيراجع الحزب سياساته هو الآخر؟ أنا أرجو ذلك ولكنني لست متفائلا، لأن الفكر الشمولي هو مسيطر كليا على عقول جماعة پيد وليس من السهل إخراجهم منه. جماعة پيد لا يعرفون شيئا في الديمقراطية وكل ما يريدونه هو فرض إديولوجيتهم وسلطتهم على الناس بالقوة والغلبة.
عودة إلى فكرة المقال الأساسية: اتساع الشرخ بين العرب والأكراد هو أمر مؤسف، ولكنه ليس أمرا مفاجئا. كل المؤشرات كانت (وما زالت) تدل على أن العرب في سورية هم ليسوا بوارد التفاهم مع الأكراد. السبب الأساسي لذلك هو تركيا. تركيا صنعت 90% من المشكلة القائمة الآن بين العرب والأكراد.
في الماضي كنت أخشى من اندلاع حرب بين العرب والأكراد في سورية، ولكن هذا الاحتمال بات ضعيفا الآن. بما أن تركيا تدخلت بنفسها في سورية فهي لن تستطيع أن تشن حربا بالواسطة على الأكراد. أي هجوم لمعارضة الائتلاف على الأكراد سوف تتحمل تركيا مسؤوليته. الأتراك قالوا أنهم يريدون محاربة الأكراد ولكنهم عجزوا عن تنفيذ ذلك. هم في البداية أخذوا غطاء من روسيا وإيران بهدف ضرب الأكراد، ولكننا رأينا كيف أن أميركا تمكنت رغم كل شيء من حماية الأكراد وأفشلت المؤامرة التركية.
الحديث يدور الآن عن توسيع التعاون بين أميركا والأكراد السوريين. إحدى الصحف الأميركية ذكرت أن إدارة أوباما تدرس تسليح الأكراد السوريين بشكل مباشر، وهو أمر لم يحصل سابقا.
تركيا قالت في البداية أنها مستعدة للمشاركة في معركة الرقة، ولكن التصريحات التي تصدر عن الأتراك الآن تدل على وجود خلافات كبيرة بينهم وبين الأميركان حول هذه القضية. على ما يبدو فإن الأميركان يريدون مشاركة فعلية للأكراد في معركة الرقة، في حين أن الأتراك لا يريدون مشاركة حقيقية للأكراد. تفاصيل الخلاف ليست واضحة، ولكنه يبدو أنه خلاف كبير إلى درجة أن إدارة أوباما عادت مجددا إلى خططها القديمة لتحرير الرقة بالاعتماد على الأكراد دون مشاركة تركيا.
الرقة لن تتحرر خلال الفترة المتبقية لأوباما في البيت الأبيض. تحرير الرقة سيحصل في عهد الرئيس القادم. إذا كان ذلك الرئيس هو هيلاري كلينتون فهذا يعني أن خطط أوباما واستراتيجيته في سورية سوف تستمر كما هي دون تغيير كبير، وأما ترامب فلا أحد يعرف ما هي سياسته (هو نفسه لا يعرف)، ولكن شخصية هذا الرجل هي انعزالية وعنصرية جدا، بالتالي هو سيكون أكثر تحفظا وانغلاقا من أوباما وليس العكس. هو سيقلل التدخل الأميركي في سورية إلى الحد الأدنى.
مهما كانت شخصية الرئيس الأميركي القادم، ليس من المتوقع أن يتخلى الرئيس القادم عن استراتيجية أوباما في سورية، لأن هذه الاستراتيجية هي ناجحة جدا. القوى المدعومة من أميركا في سورية حققت نتائج رائعة على الأرض رغم أن أميركا لم تبذل الكثير لدعم تلك القوى. أميركا لم ترسل قوات برية كبيرة، ولم تفرض حظر طيران، وهي حتى لم ترسل سلاحا كبيرا. ما بذله الأميركان في سورية هو شيء ضئيل، ولكن رغم ذلك نحن نرى أن داعش تراجعت كثيرا وأن مساحة كبيرة من سورية باتت تحت سيطرة القوى المدعومة من أميركا. هذا نجاح باهر (بغض النظر عما يقوله ترامب).
الاعتماد على الاكراد في سورية هو أسهل بكثير من الاعتماد على الأتراك. الأكراد لا يريدون إبادة أحد في سورية. هم موافقون على الحل السياسي ومستعدون للحوار مع كل الأطراف. هذا الموقف يريح الأميركان. في المقابل تركيا ترفض التفاهم مع الأكراد وتصر على إبادتهم. تركيا لديها مشاكل مع جماعات أخرى في سورية وليس فقط الأكراد. هل يستطيع الأتراك في المستقبل أن يتفاهموا مع العلويين مثلا؟
العرب في غرب سورية لن يكونوا على علاقة جيدة مع الأكراد بسبب التأثير التركي والإيراني عليهم. بالنسبة لمحافظة دير الزور فمصيرها ليس معلوما. إذا سيطرت قوى مدعومة من أميركا على هذه المحافظة (والأفضل من ذلك: إذا لعب الأكراد دورا في تحرير هذه المحافظة) فهذا قد يعني أن المحافظة ستكون في المستقبل على علاقة جيدة بالأكراد. هذه المحافظة يمكن أن تكون منفذا للمناطق الكردية إلى الأردن وما وراءه من الدول.
الانقسام الموجود الآن في سورية بين مناطق الأكراد وبين بقية المناطق سوف يستمر إلى أجل غير معلوم، ولكن لا داعي للتهويل حول هذا الأمر. في المستقبل من الممكن أن يغير العرب موقفهم وأن يتفاهموا مع الأكراد، وآنذاك ستنتهي المشكلة. لا داعي للتهويل حول موضوع الانقسام. حتى لو فرضنا جدلا أن الكيان السوري تقسم إلى عدة دول رسمية ومعترف بها دوليا فهذا لا يعني أن التقسيم يجب أن يستمر للأبد. من الممكن للدويلات أن تتفاهم وأن تتحد. هذا شيء عادي ويمكن أن يحصل. الاتحاد يمكن أن يحصل في أي وقت. ما يمنع الاتحاد هو العصبيات الانفصالية العنصرية، وأخطرها هي العصبية القومية الدمشقية. إذا تخلص الناس من هذه العصبيات فسوف تزول أسباب الانقسام.