أنا اعترفت سابقا بأن آل سعود لديهم وعي سياسي يفوق بقليل الوعي السياسي لأردوغان.
هناك أمثلة كثيرة تدل على ذلك، منها مثلا الموقف من الحرب الأميركية على داعش.
أردوغان رفض الحرب الأميركية على داعش بشكل كامل، وهو في الحقيقة ساند داعش خلال تلك الحرب.
النتيجة النهائية لهذا الموقف الغبي هي أن أردوغان خسر كل شيء في سورية، والأكراد حصدوا كل شيء. أردوغان أدرك متأخرا جدا أن موقفه من الحرب على داعش أخرجه من اللعبة السورية تماما وسمح للأكراد بالسيطرة على معظم شمال سورية. بعدما أدرك خطأه هو صار يترجى الأميركان للسماح له بالدخول إلى جرابلس ومنبج بهدف محاربة داعش، أي أنه صار يترجى الأميركان للقيام بالشيء الذي كان يرفضه سابقا. ولكن الأميركان رفضوا السماح له بالدخول إلى سورية في ذلك الوقت المتأخر، لأن دخوله كان سيعني الصدام مع الأكراد وقسد، وبالتالي تخريب الاستراتيجية الأميركية في سورية وإفساد كل ما حققه الأميركان.
بعدما أوقع نفسه في حفرة عميقة هو لم يجد مخرجا من تلك الحفرة سوى عبر إذلال نفسه للروس والإيرانيين. هو قدم تنازلات مخزية للروس والإيرانيين لكي يسمحوا له بالدخول إلى جرابلس. أحد التنازلات هي أنه سحب مقاتلي الائتلاف بعيدا عن حلب، وبذلك هو سمح لإيران بمعاودة حصار حلب.
آل سعود تجنبوا كل هذه الحماقة. هم أيدوا الحرب الأميركية على داعش وشاركوا فيها. ولكن مشاركتهم بصراحة لم تكن كافية. هم ربما كانوا مشغولين في حرب اليمن، ومن الممكن أنهم لم يريدوا الصدام مع أردوغان في سورية.
هذا مثال واحد يبين أن آل سعود هم أوعى سياسيا من أردوغان، ولكن رغم ذلك أنا لا أظن أن آل سعود يفهمون بالفعل أبعاد القضية السورية. هم ما زالوا يتحدثون عن القضية السورية بأسلوب ساذج لا يختلف عن الأسلوب الذي كانوا يتحدثون به في بداية الأزمة.
هم ما زالوا يطالبون بصفقة دولية تؤدي لخروج ذيل الكلب من دمشق، ويتصورون أن أميركا وروسيا تستطيعان تحقيق هذا الأمر.
الحقيقة الواضحة (التي شرحناها كثيرا في الماضي) هي أن أميركا وروسيا لا تستطيعان إخراج ذيل الكلب من دمشق عبر صفقة سياسية، لأن إيران ترفض هكذا صفقة بالمطلق. إيران تعتبر أن خروج ذيل الكلب من دمشق يعني هزيمتها في سورية.
الأميركان والروس يمكنهم أن يصدروا قرارا من مجلس الأمن يطالب ذيل الكلب بمغادرة دمشق، ولكن إيران لن تنفذ هذا القرار وستتحداه (كما حصل مثلا في اليمن. مجلس الأمن أصدر قرارا يطالب الحوثي وصالح بترك السلطة وتسليمها لحكومة هادي، ولكن هذا القرار ظل حبرا على ورق).
الروس هم مستفيدون من تحالفهم مع إيران في سورية. يكفي أن هذا التحالف أعادهم إلى العز الذي كانوا فيه قبل انهيار الاتحاد السوفييتي. الحرب الباردة عادت من جديد، وروسيا باتت قطبا دوليا في وجه أميركا. لماذا سيترك الروس هذا العز؟ ما الذي سيربحونه من تخريب علاقتهم مع إيران؟ إذا خرب الروس علاقتهم مع إيران فإن إيران ستتقارب مع أميركا والغرب، وروسيا ستمسي بلدا هامشيا ليس له دور فيما يجري في الشرق الأوسط.
فكرة الصفقة الدولية التي ستخرج ذيل الكلب من دمشق هي غير واردة في الوقت الحالي. اعتقاد آل سعود بإمكانية عقد هكذا صفقة يدل على بلاهتهم، وهو يدل أيضا على أنهم كالأطرش في الزفة، لأنهم لا يفهمون ما يجري الآن في سورية.
الأميركان يفهمون أن إيران لن تزيح ذيل الكلب من دمشق، لأن ذيل الكلب بالنسبة للإيرانيين هو “ورقة التوت” التي يسترون بها احتلالهم لدمشق. إذا خسر الإيرانيون ذيل الكلب فهم سيخسرون الشيء الوحيد الذي يعتقدون أنه يشرعن احتلالهم لدمشق.
الأميركان الآن لا يضيعون وقتهم في قضية ذيل الكلب ودمشق. هناك جزء كبير من سورية خارج سيطرة الاحتلال الإيراني. الأولى في الوقت الحالي هو السيطرة على ذلك الجزء الفارغ بدلا من إضاعة الوقت في مواجهة عبثية مع إيران حول ذيل الكلب ودمشق.
طبعا الأميركان لا يقولون أنهم يريدون السيطرة على “سورية الفارغة”. هم يقولون أنهم يحاربون داعش. وهم بالفعل يحاربون داعش. ولكن الواقع على الأرض هو أن الأميركان يسيطرون على سورية الفارغة. هم سيطروا على الحسكة، والآن هم يخططون للسيطرة على الرقة. هذا يحصل بسبب الحرب مع داعش، ولكنه يحصل (بغض النظر عن سببه).
ما يقوم به الأميركان هو شيء بديهي. أي إنسان عاقل كان سيفعل نفس ما يفعله الأميركان. في هذه المدونة تساءلت كثيرا: لماذا يركز أردوغان على دمشق (التي يصعب السيطرة عليها حاليا) ويتجاهل “سورية الفارغة” التي يمكن لأية جهة أن تسيطر عليها بمجرد هزيمة داعش؟ في الماضي حاولت أن أفسر سياسة أردوغان العبثية وطرحت تفسيرا واقعيا لها.
تحرير دمشق هو ليس ممكنا في المرحلة الحالية، لا بالطرق السياسية ولا العسكرية. الممكن في المرحلة الحالية هو تحرير سورية الفارغة الواقعة خارج سلطة الاحتلال الإيراني والتي تهيمن داعش على قسمها الأكبر.
السؤال التالي طرحته كثيرا في هذه المدونة وسأستمر في طرحه لأنه يحرق الدم: لماذا تتركون محافظة دير الزور للاحتلال الإيراني؟ لماذا لا تبادرون إلى تحرير هذه المحافظة الاستراتيجية؟ لماذا لا تقوم الدول العربية بتشكيل قوة عسكرية لتحرير هذه المحافظة؟ لماذا تنتظرون سقوط هذه المحافظة بقبضة إيران؟ وبعد ذلك ستنوحون وستقولون أن أميركا تآمرت علينا وسلمت سورية لإيران.
أميركا لا تسلم سورية لإيران. أميركا هي الجهة الوحيدة في العالم التي حررت جزءا من سورية وأخرجته من قبضة الاحتلال الإيراني. ولكن ما الذي صنعتموه أنتم؟ أنتم لم تصنعوا شيئا سوى النواح والعويل والبكاء.
تحرير دمشق هو أصعب شيء في سورية، وتحرير دير الزور هو أسهل شيء. أنتم عجزتم عن أسهل شيء، فكيف ستحققون أصعب شيء؟
ابدؤوا بالسهل، وإن نجحتم فيه ففكروا بالأصعب.
أنا ألاحظ أن العرب بشكل عام يعطون ورقة ذيل الكلب حجما يفوق بكثير حجمها الحقيقي. هم يصدقون الدعاية الإيرانية التي تقول أن ذيل الكلب يملك صك تمليك بكل سورية، ولهذا هم مهجوسون بذيل الكلب ولا يستطيعون أن يروا شيئا في سورية سوى ذيل الكلب ودمشق.
الحقيقة هي أن ورقة ذيل الكلب هي ورقة محروقة ليس لها أية قيمة. أنا كنت في الماضي أقول هذا الكلام على نحو نظري ودون دلائل ملموسة، ولكننا الآن نرى في الواقع كيف أن الأميركان يتحركون في المحافظات الشمالية دون أي اعتبار لذيل الكلب وصك التمليك المزعوم الذي بحوزته.
صك التمليك الذي لدى ذيل الكلب هو بلا قيمة، ومدينة دمشق (مع احترامي الكبير لها) هي من أقل المدن أهمية في سورية. الأهمية الوحيدة لدمشق هي أنها كانت تستعمر سورية حتى وقت قريب، ولكن لا يوجد أي شيء آخر مهم في دمشق. دمشق لا تملك أية موارد اقتصادية. هي كانت تعتاش من نهب المحافظات الأخرى (خاصة حلب). موقع دمشق الجغرافي هو ليس مهما في سورية. هذا الموقع هو مهم لإسرائيل ولبنان ولكنه ليسا مهما لمعظم السوريين (هو حتما ليس مهما لأهل حلب والرقة والحسكة ودير الزور والساحل وحماة).
دمشق تفيد إيران لسببين:
-هي قاعدة جيدة لاستعمار لبنان، حيث توجد الكثافة الشيعية المؤيدة لإيران.
-هي منصة لشن هجمات على إسرائيل.
هذا الأمران هما الأهمية الوحيدة لدمشق. لا يوجد أي شيء آخر مهم في دمشق ما عدا هذين الأمرين.
هذان الأمران يتعلقان بلبنان وإسرائيل وليس بالكيان السوري نفسه. دمشق هي مهمة بالنسبة للبنان وإسرائيل أكثر من أهميتها للكيان السوري.
أنا لا أقصد من هذا الكلام أن السوريين لا يجب أن يهتموا بتحرير دمشق. تحرير دمشق هو شيء مهم ويجب أن يكون دائما في بال السوريين. ولكن يجب على السوريين والعرب أن يزنوا الأمور على نحو صحيح. التركيز الشديد على تحرير دمشق هو خطأ، لأنه مسعى عبثي وصعب التحقيق في الوقت الحالي، ولأنه ليس مبررا بسبب منطقي.
يا ايها الساقط، انت لا تمل ولا تكل من تناقضاتك ودجلك ومحاولاتك المحمومة للتحريضضد كل الأطراف ومع كل الأطراف! تظهر نفسك انك محلل سياسي والحقيقة انك لست الا متلقي صغير من مصادر مخابراتية مختلفة. همك الأوحد وعقدة العقد عندك هي الشام، وجا هدفك ان تحرض حلب على الشام وتفصل حلب عن الشام. لكن على رأي اخوانا في مصر…”دا بعدك”!
انا اشفق على الأغبياء والفاسقين الذين يتبعونك او يجدوا فيك مصدرا للتحليل والمعلومات!!!!
أنا ليست لدي عقدة من دمشق، ولا أحرض أحدا ضد دمشق، ولا أريد فصل أحد عن دمشق.