الخطاب الإعلامي العربي يلعب دورا مهما في الدفع نحو انفصال الأكراد

أنا لا أزعم أنني أتابع كل ما يكتب في الإعلام العربي، ولكنني أظن أن الرأي العام العربي ينظر إلى القضية الكردية بطريقتين:

1. غالبية العرب يتجاهلون وجود القومية الكردية بشكل كامل. عندما يتحدثون عن القومية الكردية هم يصورونها وكأنها شيء مصطنع يتم تحريكه من أقبية مخابرات ودهاليز حكومات.

2. قلة من العرب العقلانيين يفهمون أن القومية الكردية هي ظاهرة حقيقية موجودة في الواقع ولها كيانها الذاتي. هي ليست مجرد ألعوبة لدى دول، ولكن هناك بالفعل شعبا يحمل هذه الهوية القومية ويناضل انطلاقا منها.

هناك توجهات متطرفة تنكر وجود الأكراد كشعب. هذه التوجهات كانت شائعة في الماضي (مثلا تركيا كانت تنكر وجود الشعب الكردي، ونفس الأمر في الإمبراطورية الدمشقية)، ولكن هذه التوجهات ضعفت في زماننا. العرب المعاصرون لا ينكرون وجود الشعب الكردي ولكنهم يتجاهلون وجود القومية الكردية ويعتبرون هذه القومية مجرد مكيدة مخابراتية. مثلا اليوم قرأت مقالا لـ “عبد الوهاب بدرخان” يقول فيه أن “بي كي كي وفرعه السوري” كان في الأصل ورقة في يد دمشق وإيران ولكن هذه الورقة انزلقت من أيدي أصحابها واستقرت في أيدي الأميركيين.

الأكراد السوريون يجيدون اللغة العربية ويقرؤون الإعلام العربي. كيف في رأيكم سيكون شعورهم وهم يقرؤون مثل هذا الكلام الذي يجتر ليلا ونهارا في الإعلام العربي؟ لا شك أن مثل هذا الكلام كفيل بتأجيج القومية الكردية في نفوسهم.

عندما أقرأ مقالا يقول أن شعبي هم مجرد ورقة مخابراتية فكيف سيكون شعوري؟ إذا كنت عاقلا فأنا سأقول لنفسي أن كاتب المقال هو مجرد شخص جاهل عنصري، ولكن ليس كل القراء يملكون هذه العقلانية. كثير من القراء الأكراد سوف يكرهون العرب بسبب هذه الكتابات.

الجمهور العربي يجب أن يفهم أن معاداة الأكراد والتهجم عليهم لا تؤدي لشيء سوى زيادة فرص قيام دولة كردية مستقلة. من هو بالفعل معارض لقيام دولة كردية يجب على الأقل أن يظهر الاحترام للأكراد ولما يقولونه. كيف ستعيش في دولة واحدة مع شعب معين وأنت لا تحترم هذا الشعب ولا ترى فيه سوى ورقة مخابراتية؟

القومية الكردية هي أمر واقع وحقيقي. الأكراد في سورية ضحوا بأرواحهم في الحرب لأجل هذه القضية.

أنا لا أقول أن العرب يجب أن يقبلوا بانفصال الأكراد. أنا ضد الانفصال الكردي مثلما أنني ضد الانفصال الدمشقي. ولكن مكافحة الفكر الانفصالي لا تكون بخطاب الكراهية والاستعلاء. إذا أردت أن تقنع الأكراد بالعيش معك فعليك على الأقل أن تحترمهم وأن تحترم معتقداتهم وما يقولونه. إذا كنت لا تريد أن تحترمهم فهذا يعني أنك غير مؤهل للعيش معهم في بلد واحد.

يجب على الإخوة العرب أن يفهموا أن ما يقوله إعلام الائتلاف الوطني السوري عن الأكراد السوريين هو مجرد أكاذيب وأضاليل. من يريد أن يعرف حقيقة الوضع في المناطق الكردية السورية يجب أن يعتمد على الإعلام الدولي وليس إعلام الائتلاف. إعلام الائتلاف يديره في الغالب إسلاميون متطرفون أو عرب سنة متزمتون يكرهون الأكراد لأسباب دينية وإثنية (بعضهم حتى هم داعشيون. مثلا موسى العمر).

انظروا مثلا إلى هذا التضليل:

هذا التحريض نشر على صفحة تابعة لمعارضة الائتلاف. حقيقة الصورة هي كما يلي:

من يصدق إعلام الائتلاف وإعلام داعش سيظن أن الأكراد السوريين يقومون بتطهير عرقي ويؤسسون دولة كردية، ولكن الواقع هو غير ذلك. العدد الإجمالي للعرب في مناطق سيطرة الأكراد السوريين هو أكبر من عدد الأكراد. العلاقات بين العرب والأكراد في تلك المناطق هي بشكل عام جيدة.

الأكراد نجحوا في تجنيد أعداد لا بأس بها من العرب إلى جانبهم كمقاتلين. هذا دليل على أنهم لا يحملون أجندة انفصالية أو عنصرية.

الأكراد السوريون لديهم شعور قومي وقضية قومية. هم يعتقدون أنهم ينتمون إلى “غرب كردستان”، التي هي أحد أجزاء كردستان الأربعة. ولكن كل هذه الفكرة لا تؤدي بالضرورة إلى الانفصال أو الانعزال.

هناك قضية تثير حساسيات قومية هي قضية أسماء المواضع. حزب PYD يغير أسماء المواضع التي يسيطر عليها إلى أسماء كردية (سواء كان سكان تلك المواضع من الأكراد أم العرب). معظم الأسماء الكردية التي يستخدمها الحزب هي على ما يظهر أسماء مختلقة بلا أساس في التاريخ. هذه القضية هي من الأسباب التي تولد كراهية الأكراد لدى العرب في شمال سورية. أنا أظن أن هذه القضية يمكن تجاوزها بحلول بسيطة: من الممكن مثلا اعتماد أسماء متعددة للمناطق المختلطة. مثلا إذا كانت هناك بلدة يسكنها عرب وأكراد فمن الممكن أن اعتماد اسمين رسميين للبلدة، واحد عربي والآخر كردي. كلا الاسمين هو قانوني ويمكن استخدامه في الوثائق الرسمية.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s