القومية الدمشقية قد تقسم سورية وتؤسس دويلة “دمشق الصغرى”… والنتيجة ستكون وفاة القومية الدمشقية

عادت في الفترة الأخيرة موضة المقالات التي تتحدث عن تقسيم الكيان السوري.

في البداية نذكر بأن التقسيم الواقعي للكيان السوري هو حاصل منذ عام 2012، ولكن السؤال هو حول شرعنة التقسيم أو إكسابه الصفة القانونية.

التقسيم القانوني للكيان السوري هو وارد وليس مستحيلا. هكذا شيء كبير لا يمكن أن يحصل بسبب الأكراد (الذين هم قوة هامشية في سورية)، ولكنه يمكن أن يحصل بسبب القومية الدمشقية.

القومية الدمشقية قسمت سورية والمشرق العربي أربع أو خمس مرات خلال أقل من 100 عام. عندما نقول أن القومية الدمشقية قد تقسم سورية مجددا فنحن لا نتحدث بكلام خيالي وإنما نتحدث عن شيء معتاد.

تقسيم الكيان السوري هو وارد للأسباب التالية:

1. ذيل الكلب لا يمكن أن يوحد الكيان السوري مجددا (هذه النقطة هي محل إجماع بين أميركا وروسيا وكل دول العالم تقريبا).

2. الموقف الرسمي لحزب الله اللبناني (وإيران) هو أن تقسيم الكيان السوري وارد، وأما خلع ذيل الكلب من حكم دمشق فهو غير وارد.

3. رغم أن الروس لا يتوقعون أن يتمكن ذيل الكلب من توحيد سورية إلا أنهم يعززون علاقاتهم مع منطقة الساحل السوري، خاصة عبر تعزيز قاعدة حميميم وتكبيرها.

من الواضح أن إيران وروسيا تتعاملان مع تقسيم الكيان السوري بوصفه “الخطة ب”. إيران تظن أن بإمكانها الاحتفاظ بالدويلة الدمشقية الجديدة، وروسيا تفكر في منطقة الساحل.

في السابق كتبت أن تقسيم الكيان السوري هو أمر صعب لأن شعب الكيان لا يرضى بذلك. أنا أظن أن ذلك الكلام كان متفائلا أكثر من اللازم.

الحقيقة التي شاهدناها خلال الأشهر الماضية هي أن نسبة لا بأس بها من السوريين كانت تدعم “الاتفاق الأميركي-الروسي” وترغب في نجاحه. من أفشل ذلك الاتفاق لم يكن السوريون وإنما آل سعود (عبر “الهيئة العليا للمفاوضات”).

ما هو “الاتفاق الأميركي-الروسي”؟ ذلك الاتفاق كان في الظاهر “حلا سياسيا” للأزمة السورية، ولكنه في واقع الأمر ما كان سيؤدي لأي شيء سوى شرعنة ذيل الكلب، وبالتالي شرعنة الدويلة الدمشقية الجديدة التي أسستها إيران.

لا أحد في العالم يعتقد أن ذيل الكلب يستطيع توحيد الكيان السوري. رغم ذلك نجد أن بعض السوريين (خاصة ممن يسكنون دمشق) هم مستعدون لشرعنة حكومة دمشقية يترأسها ذيل الكلب.

الحقيقة التي نعرفها عن السوريين هي أنهم يقولون الكثير من الأشياء التي لا يعنونها. على ما يبدو فإن حديث بعض السوريين عن “رفض التقسيم” يدخل ضمن هذه الأشياء.

الكيان السوري تأسس كدويلة انفصالية دمشقية. من أسسوا هذا الكيان كانوا في البداية لا يطمحون لشيء سوى استقلال دمشق (وهو ما حصل خلال الحرب العالمية الأولى عندما تأسست “المملكة السورية” الانفصالية في دمشق)، ولكنهم لاحقا دخلوا في فكر توسعي استعماري، والنتيجة كانت دويلة “دمشق الكبرى” (التي تأسست بسبب الدعم البريطاني لشكري القوتلي في أربعينات القرن العشرين). على ما يبدو فإن البعض لا يرون مشكلة في العودة مجددا إلى “دمشق الصغرى”. بعض القوميين الدمشقيين هم مستعدون للقبول بدويلة صغيرة في دمشق وما حولها.

الفكر الانفصالي هو وحدة لا تتجزأ. من حارب الوحدة بين دمشق والعراق لن يكون مهتما كثيرا بالوحدة بين دمشق ودير الزور أو بين دمشق والحسكة أو بين دمشق وحلب.

أنا أظن أن هناك احتمالات جدية لقيام دويلة “دمشق الصغرى”. هذه الدويلة ستقوم على كل حال، سواء بسبب ذيل الكلب أم لأسباب أخرى ستظهر في المستقبل. هذه الدويلة هي النتيجة الطبيعية للقومية الدمشقية التي بلغت أوجها في زماننا.

قيام دويلة “دمشق الصغرى” لن يكون بالضرورة أمرا سيئا. قيام هذه الدويلة قد يؤدي إلى نتيجة عكسية: هو ربما يؤدي إلى وفاة القومية الدمشقية.

القومية الدمشقية تعتقد أن دمشق هي عاصمة سورية وعاصمة العالم العربي وعاصمة العالم بأسره. إذا وجد القوميون الدمشقيون أنفسهم معزولين ضمن دويلة صغيرة غير مهمة فهذا قد يؤدي لانهيار شعورهم القومي.

الفكر الانفصالي كثيرا ما يقتل نفسه بنفسه، وهذا قد يصيب القومية الدمشقية. المشكلة التي واجهناها مع القومية الدمشقية حتى الآن هي أن هذه القومية قتلت حلب وحمص ودير الزور إلخ، وأما مدينة دمشق نفسها فهي لم تذق بعد مرارة السم الذي طبخته لغيرها. أنا لا أتمنى أي سوء لمدينة دمشق، ولكن على ما يبدو فإن القوميين الدمشقيين أنفسهم هم الذين يدفعون بمدينة دمشق نحو الهاوية.

نصيحتي للعقلانيين من الدمشقيين هي أن يتكيفوا مع الواقع الجديد. الكيان السوري السابق انتهى. الصفقات الدولية (من قبيل “الاتفاق الأميركي-الروسي”) لن تعيد ذلك الكيان ولكنها ستؤدي إلى تأسيس دويلة صغيرة في دمشق، وتأسيس تلك الدويلة لن يصب في مصلحة دمشق.

الصفقات بين الدول الكبرى لن تعيد الزمن إلى الوراء. المطلوب الآن في سورية هو حل حقيقي يعالج جذور المشاكل. المدخل إلى هكذا حل هو التخلص من ذيل الكلب. من يقبل ببقاء ذيل الكلب وشرعنته هو لا يبحث عن حل ولكنه يبحث عن دويلة دمشق الصغرى، ظنا منه بأن هذه الدويلة يمكن أن تتوسع مجددا وتحتل المناطق التي خسرتها. ولكن الحقيقة هي أن دويلة “دمشق الكبرى” لا يمكن أن تعود. قيام تلك الدولة في أربعينات القرن العشرين حصل بسبب ظروف استثنائية هي غير متوفرة اليوم. إذا قامت “دمشق الصغرى” فهذه ستكون نهاية المشروع القومي الدمشقي.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s