أراقب منذ سنوات خطاب معارضة الائتلاف الموجه لمؤيدي الأسد في حلب، وخاصة عبر هذه الصفحة.
هذه الصفحة (المسماة “شاهد عيان حلب”) دأبت منذ سنوات على بث منشورات تحرض على الكراهية الدينية. هم يحرضون أساسا ضد العلويين والشيعة، ولكنني قرأت لهم عدة منشورات فيها تحريض ضد دروز السويداء (لا تسألوني عن العلاقة بين دروز السويداء وحلب).
أصحاب الصفحة لا يفهمون لماذا لا يتجاوب مؤيدو الأسد في حلب مع منشوراتهم التحريضية. هم كثيرا ما يتساءلون عن السبب في صفحتهم. هم يعتبرون أن هناك خللا في مؤيدي الأسد لعدم تجاوبهم مع التحريض الطائفي.
الحقيقة هي أن الإنسان السوي لا يكون عنصريا. العنصرية هي عبارة عن اختلال نفسي. العنصرية هي أسلوب يحاول به أناس جهلة أن يعوضوا عن شعور مزمن بالنقص والدونية.
شرحت في الماضي ظروف حلب خلال حقبة الدولة الدمشقية. خلال هذه الحقبة حصل تدهور كبير في مستوى المعيشة والثقافة في حلب. كثير جدا من الناس في حلب وريفها نشؤوا في أوضاع مزرية، سواء من الناحية الاقتصادية أم الثقافية (المعنى أنهم نشؤوا في فقر وجهل).
من ينشأ في الفقر والجهل سوف يتقبل الأفكار العنصرية، لأن هذه الأفكار تمنحه شعورا بالأهمية يستطيع من خلاله أن يعوض شعور النقص.
أنا لا أستغرب عندما أرى استشراء العنصرية في مدينة حلب. هذا شيء طبيعي ومتوقع. ظروف حلب خلال حقبة الدولة الدمشقية ما كانت ستوصل إلى نتيجة سوى هذه النتيجة. عندما تقوم بإفقار وتجهيل شعب مكون من ملايين الناس فما هي النتيجة التي تتوقعها؟ النتيجة ستكون الائتلاف وجيش الفتح وصفحة شاهد عيان.
العنصرية في حلب هي ليست مجرد عنصرية دينية. هناك استشراء رهيب للعنصرية بكل أشكالها وألوانها. هناك مثلا العنصرية العرقية (معارضة الائتلاف كثيرا ما تسخر من الأكراد والأفغان وغيرهم بسبب أشكالهم وملامحهم العرقية). هناك أيضا العنصرية “الحلبية” (يسخرون ويستخفون بأهل المحافظات الأخرى أو المناطق البعيدة عن حلب)، والعنصرية “المدينية” (السخرية والاستخفاف بأهل الريف).
العنصرية هي موجودة أيضا لدى مؤيدي الأسد في حلب، ولكنها أقل بكثير مما نراه لدى معارضة الائتلاف.
ما هو سبب التباين؟
السبب ببساطة هو تباين “المستوى الاجتماعي-الاقتصادي” socioeconomic status. مؤيدو الأسد في حلب ينتمون بغالبيتهم إلى مستوى اجتماعي-اقتصادي يفوق مستوى معارضة الائتلاف (المعنى هو أن أحوالهم المعيشية والثقافية هي أفضل قليلا من أحوال معارضة الائتلاف). لهذا السبب العنصرية هي أقل لديهم.
الارتباط بين العنصرية وبين المستوى الاجتماعي-الاقتصادي هو ليس نظرية أنفرد أنا بها. هذه معلومة عامة معروفة في كل أنحاء العالم.
ما سبق يفسر فشل صفحة “شاهد عيان” في تحريض مؤيدي الأسد ضد العلويين والشيعة والدروز. من الطبيعي يا أصحاب الصفحة أنكم ستفشلون فيما تسعون إليه. أنتم لا تروجون لفكر ولكنكم تروجون لعاطفة هي عاطفة الكراهية. أنتم تريدون نشر كراهية العلويين والشيعة وغيرهم. نشر الكراهية يمكن أن ينجح بين الفقراء والمحرومين والجهلة وأحداث السن، ولكن مؤيدي الأسد هم بشكل عام ليسوا من هذه الفئات. أنتم تحاولون أن تزرعوا الكراهية والعنصرية في تربة غير خصبة وغير مناسبة لنمو هذه الآفات.
الكلام أعلاه لا يعني أن مؤيدي الأسد هم أشخاص جيدون. أنا تحدثت في الماضي عن مشكلة مؤيدي الأسد. مشكلتهم هي مشكلة أخلاقية. الأخلاق هي مسألة مختلفة عن العنصرية. الأخلاق توجد في العقل الواعي (فيما يسمى بالأنا الأعلى super ego)، في حين أن العنصرية (والغرائز بشكل عام) تنبع من العقل غير الواعي.
من يؤيد الأسد في حلب لا يعاني بالضرورة من اختلالات نفسية. هو فقط يحمل أفكارا ومعتقدات جاهلة وشريرة وغير أخلاقية. هذه الأفكار السيئة لم تنشأ في عقله غير الواعي بسبب عقد واختلالات نفسية ولكنها وصلت إلى عقله الواعي من البيئة الثقافية السيئة التي يعيش فيها (بيئة ذيل الكلب).
الأفكار العنصرية الموجودة لدى معارضة الائتلاف هي في أساسها ليست مكتسبة من البيئة ولكنها نتيجة لتفاعلات واختلالات في العقل غير الواعي (سببها تحديدا هو شعور مزمن بالدونية والحرمان والتهميش والظلم).