هل يتكرر سيناريو الحسكة في حلب؟

هذا المقال يروي قصة اقتحام داعش لمدينة الحسكة قبل عام.

دلشاد جودي

حسكة – حررت وحدات حماية الشعب والمرأة مدينة حسكة من مرتزقة داعش، بعد أن فرت قوات النظام من أحياء المدينة وتقوقعت في مراكزها، وكان الأول من شهر آب عام 2015 الذي يصادف اليوم الذكرى السنوية الأولى له، ميلاداً جديداً في تاريخ مدينة حسكة.

ففي الـ 24 من حزيران عام 2015، هاجم مرتزقة داعش الأحياء الجنوبية لمدينة حسكة في مقاطعة الجزيرة والتي كانت تحت سيطرة قوات النظام البعثي، وخلال أيام قليلة تمكن مرتزقة داعش من احتلال معظم الأحياء الجنوبية للمدينة كأحياء النشوة الغربية والشرقية، غويران، حوش الباعر “حي الزهور” وصولاً إلى مقربة من نهر الخابور وحي العزيزية. هذا التقدم الكبير وفي وقت قصير حصل نتيجة الانشقاقات التي حدثت بين قوات النظام السوري وخاصة الدفاع الوطني الذين ما لبثوا أن انضموا إلى مرتزقة داعش.

نزوح الأهالي إلى الأحياء الآمنة

ثقة الشعب كانت معدومة بقوا النظام وأعوانه، لذلك بدأ الأهالي مع بداية الهجمات بالنزوح من الأحياء الجنوبية للمدينة باتجاه الأحياء الشمالية في المدينة والتي تحميها قوات الاسايش وقوات حماية المجتمع، نتيجة خوفهم من أن يُقتلوا على يد المرتزقة.

وحدات حماية الشعب تتدخل لحماية الشعب

وبعد تقدم مرتزقة داعش في الأحياء الجنوبية في المدينة، وعدم إبداء النظام البعثي ومرتزقته أي مقاومة أو تصدي، والذي بات يهدد حياة الأهالي الشمالية المحمية من قبل قوات الاسايش وقوات حماية المجتمع، بالإضافة إلى مناشدة أهالي الأحياء التي احتلها المرتزقة لوحدات حماية الشعب بالتدخل وتحرير ديارهم من المرتزقة، بدأت وحدات الحماية بالتعاون مع قوات الاسايش وقوات حماية المجتمع في الـ 26 من شهر حزيران 2015 بحملة لتحرير المدينة من المرتزقة وإبعاد الخطر عن الأهالي.

[…]

الحملة كشفت النقاب عن عدة حقائق

هجوم مرتزقة داعش على مدينة حسكة الذي يعتبر أكبر هجوم لهم على مدينة حسكة، وحملة وحدات حماية الشعب التي استمرت 36 يوماً، كشفت النقاب عن العديد من الحقائق.

ومن أهم تلك الحقائق هي معرفة الشعب لحقيقة قوات النظام البعثي التي لم تبدي أي مقاومة لحماية الشعب بل اكتفت بالتقوقع في مراكزها، تاركةً الشعب عرضة لممارسات المرتزقة، هذه الحقيقة عرفها الشعب بنفسه، بالإضافة إلى ذلك عرف الشعب حقيقة وحدات حماية الشعب والمرأة أيضاً، فأهالي الأحياء التي كان النظام البعثي يسيطر عليها كانوا لا يعرفون حقيقة هذه الوحدات، وكانت الاشاعات التي تنشر ضد هذه الوحدات قد أثرت عليهم ولكن بعد هذه الحملة عرف الشعب الحقيقة.

واليوم وبعد مرور عام على تحرير المدينة ألتحق المئات من أهالي تلك الأحياء بوحدات حماية الشعب والمرأة وقوات الاسايش، كما أن الأحياء الجنوبية نظمت نفسها ضمن مجالس وكومينات، واليوم تحيا وتعيش بحرية وكرامة.

 هناك تشابهات بين وضع مدينة حسكة وبين وضع مدينة حلب، ولكن هناك أيضا اختلافات مهمة.

من التشابهات قضية النزوح المحتمل نحو المناطق الكردية. إذا ما تمكنت قوات الائتلاف من اقتحام أحياء حلب الغربية فمن المتوقع أن ينزح سكان هذه الأحياء (أو بعضهم على الأقل) نحو المناطق الكردية. ولكن المناطق الكردية في مدينة حلب هي صغيرة ولا تستوعب نزوحا كبيرا. إذا ما ظل طريق الكاستلو سالكا فسوف ينزح هؤلاء نحو عفرين وتل رفعت.

المشكلة هي أن ذيل الكلب ربما يعمد لفتح طريق التفافي يسمح بهروب النازحين نحو دمشق. إذا حصل هذا فهو سيكون خسارة كبيرة. ذيل الكلب سوف يستفيد من النازحين بطرق عديدة، منها أنه سيقوم بتجنيدهم وسيستخدمهم في حروبه الدعائية الاستعراضية العبثية.

إذا كانت قوات سوريا الديمقراطية تستطيع أن تمنع ذيل الكلب من تهريب النازحين إلى دمشق فهي ربما ستفعل ذلك. هناك مصالح لقوات سوريا الديمقراطية في استقبال النازحين في مناطقها بدلا من ترك ذيل الكلب يأخذهم إلى دمشق.

أحد الاختلافات الكبيرة بين وضعي حسكة وحلب هو نسبة الأكراد في المدينتين والمحافظتين. الأكراد يمثلون قوة بشرية كبيرة في حسكة، ولكنهم في حلب ليسوا كذلك. إذا شن مقاتلو الائتلاف هجوما شاملا ضدهم فالنتيجة لن تكون جيدة.

أردوغان يود أن يترك مقاتلو الائتلاف ذيل الكلب وأن يشنوا حربا شاملة ضد الأكراد، تماما كما فعلت داعش. ولكن هل مقاتلو الائتلاف يمكنهم أن يفعلوا ذلك؟ قضية الحرب ضد النصيرية هي أهم قضية في الحياة بالنسبة لمعارضة الائتلاف. لا أدري كيف يمكنهم أن يتركوا النصيرية ويدخلوا في حرب ضد الأكراد.

هناك عامل آخر هو ثقافة الدمشقية السياسية. معارضة الائتلاف تنظر إلى دمشق بوصفها عاصمة سورية. بالنسبة لهم التقدم نحو دمشق هو أهم بكثير من التقدم نحو عفرين وتل رفعت.

مقاتلو الائتلاف كانوا يستطيعون أن يأخذوا الريف الجنوبي لحلب (وبالتالي مدينة حلب) منذ أعوام، ولكنهم لم يفعلوا ذلك، لأن أخذ الريف الجنوبي لم يكن أولوية لديهم. هناك أمور أخرى شغلتهم عن ذلك (1. جمع الغنائم من مدينة حلب واستثمارها. 2. الحرب ضد النصيرية في الساحل وسهل الغاب. 3. الحرب ضد الرافضة في نبل والزهراء والفوعة وكفريا. 4. التقدم نحو حماة بهدف الوصول إلى دمشق).

ليس من السهل إقناع معارضة الائتلاف بخوض حرب شاملة ضد الأكراد لأن هذه القضية لا تمثل أولوية في تفكيرهم. الغنائم والنصيرية ودمشق هي أهم بالنسبة لهم.

على كل حال، لو حاولوا أن يخوضوا حربا شاملة ضد الأكراد فهذا سيجعلهم بين فكي كماشة، لأن ذيل الكلب وإيران سيهاجمونهم من الجنوب ولن يتركوهم. هم سيجدون أنفسهم يقاتلون على جبهتين ضد الأكراد المدعومين من أميركا شمالا وذيل الكلب وإيران المدعومين من روسيا جنوبا. هذا سيضعفهم كثيرا وسيجعل مصيرهم شبيها بمصير داعش في حسكة.

في المحصلة هناك احتمال لأن يتكرر سيناريو حسكة في حلب. طرد ذيل الكلب من حلب سيسمح لسوريا الديمقراطية بأن تملأ الفراغ ولو جزئيا.

الائتلاف وذيل الكلب سيستمرون في الزعم بأن مشروع سوريا الديمقراطية هو مشروع انفصالي وتطهير عرقي ضد العرب، ولكنني أظن أن هذه البروباغندا ستفقد مصداقيتها على نحو تدريجي. هناك الكثير من العرب الذين يعيشون في سوريا الديمقراطية، وعدد هؤلاء يزداد ولا يقل.

مدينة منبج هي من أكبر المدن العربية في شمال سورية. هذه المدينة باتت تقريبا جزءا من سوريا الديمقراطية.

ما يحصل في منبج سيحصل لاحقا في الباب، والأمل هو أنه سيحصل في حلب أيضا.

طبعا الأفضل هو ألا يحصل قتال على الإطلاق بين سوريا الديمقراطية والائتلاف، ولكن جماعة الائتلاف هم عازمون على القتال ولا يريدون أي حل آخر. سبب ذلك هو سبب عقائدي. نظرتهم إلى الأكراد لا تختلف كثيرا عن نظرتهم إلى النصيرية. هم يكنون كراهية طائفية للأكراد. هذه الكراهية لها بعدان: بعد إثني (وصفهم للأكراد بالقرباط والبويجية وبأنهم يسعون لتطهير العرب) وبعد ديني (وصفهم للأكراد بالكفر والإلحاد). موقفهم من الأكراد يشبه موقفهم من النصيرية (ومن كل الطوائف الأخرى)، بالتالي أنا لست متفائلا بالحل السلمي، خاصة وأن تركيا تحرضهم على العنف.

إذا ضغطت أميركا بقوة على رعاتهم فإنهم ربما سيقررون الدخول في حل سلمي، ولكن هذا سيؤدي إلى انشقاق في صفوفهم، لأن جبهة فتح الشام لن تقبل ربما بحل سلمي.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s