نديم قطيش يسخر من انفصال جبهة النصرة عن القاعدة.
كثيرون غيره سخروا مما قامت به جبهة النصرة مؤخرا.
مع احترامي لكل من يسخرون، ولكن سخريتهم تدل على قلة وعيهم السياسي وقلة فهمهم لطبيعة البشر والمجتمعات.
هؤلاء على ما يبدو كانوا ينتظرون من الجولاني أن يتبرأ كليا من فكر القاعدة خلال عشية وضحاها.
هم كانوا يريدون من الجولاني أنا ينام قاعديا وأن يستيقظ في الصباح التالي معاديا للقاعدة.
الشيء الذي يريدونه ربما يكون ممكنا في رؤوسهم، ولكنه غير ممكن في العالم الواقعي. الدنيا لا تسير بالطريقة التي يتصورونها.
موقفهم من الجولاني هو نفس الموقف الأخرق الذي اتخذه المعارضون السوريون التابعون لقناة الجزيرة في بداية الثورة السورية. آنذاك كان ذيل الكلب يجهد للتفاهم مع أولئك المعارضين وهو قدم لهم تنازلات كبيرة بمعايير عائلة الأسد، ولكنهم رفضوا التفاهم السياسي مع ذيل الكلب ودفعوا بالأوضاع نحو الصدام المسلح (موقفهم نبع من عقيدتهم السياسية الخرقاء التي تعتبر أن نظام عائلة الأسد = العلويين = 5% من الشعب السوري، وأن المعارضة الإسلامية = “أهل السنة” = 95% من الشعب. هذه المعادلات التي لا علاقة لها بالواقع كانت بالنسبة لهم مسلمات لا يرقى إليها شك. هم دمروا سورية بسبب معادلاتهم البهيمية هذه).
الشيء المهم فيما قام به الجولاني هو ليس حجم التغيير، وإنما وجود قابلية للتغيير.
التغيير الناجح هو الذي يحصل بالتدريج وبالتفاهم والاتفاق بين الأطراف المعنية. التغيير الفجائي الذي يحصل خلال يوم وليلة والذي لا يتم باتفاق بين الأطراف المعنية هو في الغالب مجرد طيش يرتكبه شباب حديث السن.
أنا لا أقول أن الجولاني هو صادق في نيته بالتغيير. أنا لا أعرف عنه ما يكفي حتى أحكم على نواياه. أنا أتحدث هنا عن مبدأ “الإصلاح الفجائي” الذي يعتنقه كثير من الشباب. هذا المبدأ لا يصلح للتطبيق في العالم الواقعي. عندما تحاول أن تطبق هذا المبدأ في العالم الواقعي فإن النتيجة في الغالب ستكون كوارث.
أنا لم أسمع أحدا من الأميركان يسخر مما قامت به جبهة النصرة. هم قالوا أن ما حصل غير كاف ولا يخرج جبهة النصرة من تصنيف الإرهاب، ولكنهم لم يسخروا مما حصل. لو أنهم سخروا فهذا كان سيدل على سفاهة عقولهم، وعقولهم ليست بسفيهة.