التعليقات على هذا الخبر هي في معظمها تعليقات بربرية.
بدلا من أن يدين المعلقون حكم المحكمة البربري هم يطالبون بالمزيد من البربرية.
أنا لم أقرأ كل التعليقات وإنما نظرت فيها سريعا. لفت نظري التعليق التالي:
ما هو الفرق بين صاحب هذا التعليق وبين مخرجي أفلام داعش؟
صاحب هذا التعليق لا يختلف بشيء عن مجرمي داعش. ولكن هذا الشخص هو حر طليق يعيش بين الناس في مجتمع آل سعود، وهو يعبر عن مكنونات صدره بكل فخر ويظهرها للعلن.
من الظلم أن نربط بين إجرام داعش وبين مملكة آل سعود حصرا. تنظيم داعش هو ليس نابعا من مملكة آل سعود وإنما من العراق وسورية. الإجرام الداعشي هو نابع من عدة مجتمعات في المشرق العربي.
ما هو سبب وجود هذه النوعية المرعبة من المجرمين في مجتمعات المشرق العربي؟
الربط بين هذا الإجرام وبين “الإسلام” هو تفاهة. قضية الإجرام الداعشي هي قضية اجتماعية بسيكولوجية وليست قضية دينية. من يصرون على القول بأن الإجرام الداعشي ينبع من الدين الإسلامي هم أنفسهم مضطربون نفسيا، أو أنهم جهلة إلى حد كبير ويتكلمون في أمور لا يعرفون فيها شيئا.
المشكلة أن حكومة آل سعود ترتكب نفس الخطأ. هذه الحكومة تصر على التعامل مع قضية الإجرام الداعشي بوصفها قضية “فكر ضال”.
هل هناك “فكر” سيجعلك تضع الناس في قدر كبيرة وتوقد تحتهم النار؟ هل هناك فكر سيجعلك تضع إنسانا في قفص وتشعل فيه النار؟
لا يوجد “فكر” سيجعلك تفعل هذه الأمور. لا يمكنك أن تقرأ كتابا وتقرر بسبب قراءة الكتاب أن تأتي بأشخاص وتضعهم في قدر وتوقد تحتهم النار. هذه الأمور لا دخل لها بالفكر. هذه الأمور هي جرائم. من يفعل هذه الأمور هو مجرم ويجب التعامل معه كأي مجرم. يجب أن نبحث في تربيته وتكوينه النفسي وظروف حياته حتى نفهم أسباب جريمته.
إصرار آل سعود على وصف الجرائم الداعشية بأنها نابعة من “فكر ضال” يدل على أنهم لا يفهمون حقيقة المشكلة، أو أنهم ليسوا راغبين في معالجة المشكلة بشكل جدي.
مشكلة داعش هي مرتبطة قليلا بالدين والسياسة، ولكنها مرتبطة كثيرا بقضية العنف في المجتمع.
كتبت في الماضي عن مفهوم دورة العنف. هذا المفهوم له علاقة بالإجرام الداعشي أكثر من “الفكر الضال” المزعوم.
“الفكر الضال” الذي يركز عليه آل سعود كثيرا ويجعلونه سببا لظاهرة داعش هو في الحقيقة ليس سببا رئيسيا لتلك الظاهرة. هذا “الفكر الضال” هو مجرد غطاء إديولوجي يستفيد منه المجرمون لتلبيس جرائمهم بلبوس ديني أو سياسي.
في بداية هذا المقال وصفت التعليقات على حكم محكمة آل سعود بأنها تعليقات بربرية. لماذا نستغرب أن تكون التعليقات بربرية طالما أن حكم المحكمة نفسه هو بربري؟
من يقرأ خبرا يتحدث عن قتل وصلب فسوف يتأثر نفسيا بذلك ولن يكون من المستغرب أن يتفوه بكلام عنيف.
الإنسان يتأثر بالعنف. عندما يرى المرء شيئا عنيفا فإن هذا يؤثر فيه نفسيا.
في مجتمع آل سعود يوجد عنف مفرط. هناك عنف منزلي ضد الأطفال والنساء، وهناك عنف تعليمي وثقافي (مناهج آل سعود وثقافة مجتمعهم تحوي الكثير من العنف)، وهناك عنف حكومي ضد المجرمين (وحتى ضد غير المجرمين). الإنسان الذي يتربى في ذلك المجتمع يتعرض للعنف طوال حياته، منذ طفولته وحتى مماته.
الإنسان الذي يمتص كل هذا القدر من العنف لا بد وأن يكون عنيفا. لا يمكنني أن أنشأ في مجتمع عنيف جدا وأن أكون مسالما جدا. لا بد وأن العنف الذي امتصصته سوف يخرج مني بطريقة أو بأخرى.
واجب الحكومة هو تقليل العنف في المجتمع. يجب على حكومة آل سعود أن تبدأ بوقف ممارساتها العنيفة ضد الناس، وبعد ذلك يجب على الحكومة أن تمنع الناس من ممارسة العنف ضد بعضهم، وخاصة داخل المنازل ضد الأطفال والنساء. هذا النهج هو العلاج الحقيقي لظاهرة الإجرام الداعشي.
المشكلة هي أن آل سعود لا يريدون هذا العلاج. هم يحكمون على الناس بالقتل والصلب ويزعمون أن هذه الأحكام البربرية ستعالج قضية الإجرام الداعشي. هم يعالجون العنف بالعنف. مثلهم كمثل من يصب الزيت على النار لإطفائها.