عادوا مجددا للحديث عن مجلس عسكري يحكم سورية.
فكرة المجلس العسكري تحظى بتأييد من أميركا وأيضا من بعض أعضاء الائتلاف، ولكن لأسباب مختلفة.
كما تعلمون فإن جبهة النصرة هي قوة كبيرة في سورية. هي رابع أكبر قوة بعد إيران وداعش وقوات سوريا الديمقراطية.
قبل أيام دعا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لقصف جبهة النصرة. الأميركان أيضا عبروا أكثر من مرة عن تأييدهم لأن يقوم الروس بضرب جبهة النصرة.
الغرب يريد التخلص من جبهة النصرة، ولكن من الذي سيقوم بذلك؟
الروس وإيران لا يستطيعون أن يهزموا جبهة النصرة. حتى لو تمكنوا (نظريا) من وضع مناطق جبهة النصرة تحت سلطة ذيل الكلب فإن هذا لن يكون سوى حل شكلي ومؤقت. مشكلة جبهة النصرة تحتاج لحل سياسي قبل الحل العسكري.
الأكراد لا يستطيعون هزيمة جبهة النصرة لنفس السبب.
فكرة المجلس العسكري من شأنها أن توفر المدخل السياسي الذي سيسمح بشن حرب ناجحة ضد جبهة النصرة. بعد تشكيل المجلس العسكري سوف يقال أن مشكلة ذيل الكلب قد انتهت، وبالتالي يجب على الائتلاف ومناصريه أن يتوقفوا عن مساندة جبهة النصرة. في ذلك الوقت سوف تشن حملة إعلامية قوية ضد جبهة النصرة على غرار الحملة التي تشن الآن ضد داعش. الأجواء السياسية والإعلامية في تلك المرحلة ستسمح (نظريا) للمجلس العسكري بأن يشن حربا ناجحة ضد جبهة النصرة.
هناك سبب آخر مهم يجعل الأميركان يهتمون بتشكيل المجلس العسكري. كما تعلمون فإن العلويين يشكلون عماد القوات الموالية لذيل الكلب. دور العلويين في تلك القوات هو مثل دور الأكراد في قوات سوريا الديمقراطية. إذا خرج العلويون من تلك القوات فسوف تنهار ولن تكون قادرة على هزيمة جبهة النصرة. داعش أيضا ستستفيد من مثل ذلك الانهيار.
إذا انهار ما يسمى بـ”الجيش العربي السوري” فلن يبقى مفر أمام الأميركان من التدخل العسكري في سورية. لا أحد سيكون قادرا على هزيمة النصرة وداعش سوى قوات برية أجنبية تقودها أميركا.
الأميركان لا يريدون أن يرسلوا قوات إلى سورية. هم يفضلون أن يقوم الأكراد والعلويون بقتال المتطرفين. لهذا السبب الأميركان يريدون المحافظة على “الجيش العربي السوري”، ولكنهم يريدون إزالة العوائق السياسية التي تقف في طريق هذا الجيش وتمنعه من هزيمة المتطرفين. أكبر هذه العوائق هو ذيل الكلب. الأميركان يريدون التخلص من ذيل الكلب واستبداله بمجلس عسكري يحظى بثقة العلويين.
طبعا جماعة الائتلاف لديهم نظرة مختلفة كليا عن نظرة الأميركان. الائتلاف بشكل عام يتبع خط الإخوان المسلمين، وضمن الائتلاف يوجد أيضا أفراد علمانيون. القاسم المشترك بين كل أعضاء الائتلاف هو القومية الدمشقية. ما يريده أعضاء الائتلاف هو تكرار سيناريو شكري القوتلي وأديب الشيشكلي في أربعينات وخمسينات القرن العشرين. هم يريدون أن يقوم “الجيش العربي السوري” بشن حرب على الأكراد والعشائر والدروز والحلبيين وكل من يقول لا لدمشق، بهدف إعادة تأسيس الدولة الانفصالية الدمشقية التي انتهت في عام 2012.
طبعا الزمن الحالي لا يشبه في شيء زمن شكري القوتلي وأديب الشيشكلي، بالتالي نظرة الائتلاف هي مجرد سذاجة.
أنا أظن أن الأميركان يحاولون أن يتلاعبوا بالأكراد والعلويين والقوميين الدمشقيين. هم يطلبون من هؤلاء أن يحاربوا المتطرفين ويوهمونهم بأنهم سيحصلون على جوائز في مقابل ذلك. مثلا الأكراد يحاربون داعش لاعتقادهم بأن أميركا ستمنحهم “جائزة” في النهاية، ولكن الحقيقة هي أن أميركا لن تمنح الأكراد أية جائزة، وأميركا أصلا لم تعدهم بأية جائزة. الأميركان يريدون أن يفعلوا نفس الأمر مع العلويين. هم يريدون من العلويين أن يحاربوا جبهة النصرة على أمل الحصول على “جائزة”. المشكلة هي أن الجوائز التي يتوهمها هؤلاء هي متناقضة مع بعضها. جائزة الأكراد والعلويين هي متناقضة مع جائزة القوميين الدمشقيين. كيف سيوفق الأميركان بين الرغبات المتناقضة؟ هم لن يحاولوا أن يوفقوا بينها. هم يريدون فقط هزيمة داعش والنصرة، وأما القضايا الأخرى فلا تهمهم.
كما وضحت سابقا، الأزمة السورية سوف تستمر لوقت طويل حتى بعد خلع ذيل الكلب. الأميركان يفهمون ذلك، وهم أصلا لا يسعون لحل الأزمة السورية. باراك أوباما قال أكثر من مرة أن أميركا لا تستطيع أن تفعل شيئا لحل الأزمة السورية. التدخل الأميركي في سورية ليس له دخل بحل الأزمة السورية ولكنه متعلق فقط بمحاربة الإرهاب.
هذه مسألة لا يفهمها أكثر السوريين الذين يتصدرون المشهد السياسي. هم يركضون وراء أميركا وروسيا وغيرهما بحثا عن حل للأزمة السورية مفصل على مقاساتهم. الدول الكبرى (وخاصة أميركا) لن تتدخل في سورية لمصلحة القوميين الدمشقيين ضد الأكراد أو العكس، ولن تتدخل لمصلحة العلويين ضد معارضي العلويين أو العكس. حتى روسيا لا تقول أنها تتدخل لمثل هذا الهدف. بالنسبة لإيران وآل سعود فهؤلاء جزء من الأزمة، وهم أساسا ليسوا قوى دولية.
الأميركان لا يملكون شيئا يقدمونه لحل الأزمة السورية. هذا ليس تحليلي الشخصي للموقف الأميركي ولكنه الكلام الذي قاله الرئيس الأميركي مرات كثيرة. كلام الرئيس الأميركي هو نابع من تجربة الأميركان في العراق وأفغانستان. أي رئيس أميركي مقبل لن يكرر مجددا ما حصل في العراق وأفغانستان. أميركا لن تتدخل في سورية لنصرة طرف ضد آخر.
الأزمة السورية لن تنتهي إلا بحل توافقي بين القوميين الدمشقيين والأكراد والعلويين (في المستقبل ستظهر أيضا فئات أخرى). كل من يتخيل أنه سيفرض شيئا على الآخرين يجب أن يخرج هذه الفكرة من رأسه.
بالنسبة للجرائم التي تقوم بها إيران الآن في حلب فهذه الجرائم لن تحل شيئا. القتل والذبح والاحتلال والاستعمار هي أساليب ثبت فشلها. في محافظتي حلب وإدلب يوجد ملايين الناس الذين يرفضون الاستعمار الإيراني ويرفضون ذيل الكلب. مهما فعلت إيران فهي لن تستطيع أن تفرض ذيل الكلب على هؤلاء.
في الأيام الماضية رأينا كيف أن معارضي ذيل الكلب في حلب قصفوا أحياء مدنية مكتظة بالسكان وهاجموا قلعة حلب. هذا سلوك متوقع، وهو مجرد بداية. إذا استمرت إيران في الضغط على هؤلاء فسوف يتجهون نحو أشكال بشعة جدا من الإرهاب. هم سيتحولون إلى ظاهرة أسوأ بكثير من ظاهرة داعش. إرهابهم لن ينحصر في حلب فقط ولكنه سيصل أيضا إلى دمشق ولبنان.
عدد معارضي ذيل الكلب هو بالملايين. هؤلاء لا يشعرون باليأس ولا يعتقدون بأن ذيل الكلب سيفرض عليهم. إيران تحاول أن تشعرهم باليأس وأن تقنعهم بأن ذيل الكلب سيفرض عليهم بالقوة. إذا نجحت إيران في مسعاها فسوف تنشأ في سورية ظاهرة إرهابية لم يعرف لها التاريخ مثيلا. نحن نتحدث عن ملايين اليائسين الذين يحملون أحقادا مركبة دينية-شخصية (مشكلتهم مع ذيل الكلب هي ليست مجرد مشكلة دينية ولكنها أيضا مشكلة انتقام شخصي، لأن ذيل الكلب أمضى سنوات وهو يقصفهم ويقتلهم).
إيران تحاول أن تصنع في سورية وحشا لم يعرف العالم له مثيلا من قبل. هذا الوحش سينقض على إيران وحلفائها قبل غيرهم. هل هناك غباء أكبر من غباء حكام إيران؟
إيران بالمناسبة هي التي صنعت داعش في العراق. لو أن السياسيين الشيعة تفاهموا مع البعثيين منذ البداية لما كانت ظاهرة داعش قد نشأت.