الإسلاميون في سورية (الذين يتمثلون بالائتلاف والنصرة وداعش) يعتقدون أنهم سيحكمون سورية بالقوة.
حجتهم هي أنهم “يطبقون الشريعة”، وبالتالي هم مسلمون، في حين أن معارضيهم هم كافرون لأنهم لا يطبقون الشريعة. الكافر يجب أن يخضع للمسلم وهو صاغر. هذه هي فلسفتهم باختصار. هي شريعة الغاب.
هم يدركون أن فلسفتهم لا تناسب العصر. لهذا السبب هم يعتمدون بشكل كبير على التقية. الإخوان المسلمون هم محترفون في ممارسة التقية، بخلاف داعش. الملفت أن جبهة النصرة أيضا تمارس التقية، ما يدل على تأثر هذه الجبهة بالإخوان المسلمين. هذا التأثر هو ليس غريبا نظرا لأن الائتلاف هو متحالف مع جبهة النصرة.
التقية عند الإخوان المسلمين تعتمد على مبدأ التورية. تعريف التورية عندهم هو “استعمال كلام يحتمل معنيين يفهم منه السامع معنى وأنت تريد معنى آخر بقصد الإيهام”. المقصود هو التلاعب بالكلام وتشفيره. هم يقولون لك كلاما مشفرا يحمل معنى ظاهريا يختلف عن المعنى الباطني الذي يريدونه.
على سبيل المثال، هم يتجنبون استخدام كلمة “نصيري” أمامك، لأنهم يفهمون أن هذه الكلمة هي منفرة. هم يستبدلون كلمة “نصيري” بكلمة “طائفي” (على مبدأ رمتني بدائها وانسلت). عندما يتحدثون فيما بينهم يصفون نظام عائلة الأسد بـ”النظام النصيري”، ولكنهم عندما يظهرون على قناة الجزيرة يقولون “النظام الطائفي”. تشفير كلمة “نصيري” بكلمة “طائفي” هو قديم ويعود إلى سبعينات القرن العشرين. آنذاك كانوا يقتلون العلويين على أساس الهوية (أي علوي كان هدفا لهم فقط لمجرد كونه علويا)، ولكنهم في العلن كانوا يتبرؤون من قتل العلويين وكانوا يزعمون أنهم ضد ذلك.
هم لا يقولون في العلن “نريد حكم المسلمين للكفار” لأنهم يعلمون أن هذا كلام منفر. هم يشفرون العبارة إلى “نريد حكم الأكثرية للأقلية”. كلمة “الأكثرية” في خطابهم السياسي هي تشفير لكلمة “المسلمين”، وكلمة “الأقلية” هي تشفير لكلمة “الكفار”. طبعا تعريف “المسلمين” لديهم ينحصر فيمن “يطبقون الشريعة”. من لا يطبقون الشريعة هم كفار.
إذا سُئلوا: هل تقبلون الديمقراطية؟ فإن جوابهم العلني سيكون: نعم. ولكن هذا الجواب هو مجرد تورية. إذا سألتهم عن ماهية الديمقراطية التي يقبلون بها فسوف يقولون لك: حكم الأكثرية للأقلية، أي حكم المسلمين للكفار، أي حكم من يطبقون الشريعة لمن لا يطبقون الشريعة.
كل خطابهم السياسي هو تقية. هم يستخدمون في العلن مصطلحات مقبولة شعبيا مثل الديمقراطية والعدل ونحو ذلك، ولكن هذه المصطلحات هي تورية. لكي تفهم حقيقة ما يقولونه يجب أن تفك الشفرة. إذا فككت الشفرة فسيتبين لك أن ما يقولونه لا يختلف عما تقوله داعش.
هم يريدون تطبيق الشريعة. هذا هو هدف كل الجماعات المتطرفة، والإخوان المسلمون ليسوا استثناء. ميزة الإخوان المسلمين عن غيرهم هي أنهم لا يقولون في العلن “تطبيق الشريعة” ولكنهم يشفرون هذه العبارة إلى “حكم الأكثرية”.
في الماضي كان بعض الناس لا يفهمون معنى عبارة “تطبيق الشريعة” التي يقولها المتطرفون، ولكنني أظن أن كل الناس باتوا الآن يفهمون معنى هذه العبارة، لأن كل الناس شاهدوا ما قامت به داعش. ما قامت به داعش هو “تطبيق الشريعة” الذي يريده الإخوان وغيرهم من المتطرفين. داعش حرقت المراحل وقفزت مباشرة إلى المرحلة النهائية، في حين أن الإخوان يعملون بالتدرج.
معنى تطبيق الشريعة هو أنهم سيأتون إليك وسيحاسبونك على التزامك بالصلاة والصوم والتدخين واللباس إلخ، وسيحاسبونك على كلامك وأفكارك (إذا قلت كلاما كفريا فسوف يقتلونك). هذا هو معنى تطبيق الشريعة. هم لا يريدون حقوقا أو حريات معينة لأنفسهم ولكنهم يريدون أن يتسلطوا على الناس ويتحكموا بهم.
هذه الأمور يجب أن تكون معروفة للناس. لا يجب أن ينخدع أحد بتورية الإخوان وكلامهم المشفر.
عبارة “حكم الأكثرية للأقلية” ليس لها علاقة بالديمقراطية. الديمقراطية تعني حرفيا أن يحكم الشعب نفسه، وليس أن يحكم الشعب غيرَه.
لو فرضنا أن الأميركان تبنوا التعريف الإخواني للديمقراطية فإن الأميركان ربما يأتون إلى سورية ويستعبدون الشعب السوري ويسمون ذلك ديمقراطية، لأن الأميركان هم أكثر عددا وأعز نفيرا.
بناء على التعريف الإخواني فإن ما تفعله إيران في سورية هو ديمقراطية، لأن الإيرانيين هم أكثر من السوريين.
تعريف الإخوان للديمقراطية لا يختلف بشيء عن مبدأ “حكم القوي للضعيف”، الذي هو شريعة الغاب.
الجماعات المتطرفة كلها تعمل وفق شريعة الغاب، ولكن من مساخر الزمن أن شريعة الغاب صارت تسمى ديمقراطية لدى البعض.
الديمقراطية تعني أن يحكم الإنسان نفسه، وليس أن يحكم الإنسان غيره. إذا أردت أن تحكم غيرك فهذا يعني أنك تريد الاعتداء على غيرك. الاعتداء على الآخرين هو إجرام. من يعتدي على الناس يجب أن يحاكم، وإذا أدين فيجب أن يرسل إلى إصلاحية لإعادة تأهيله.
هذه المفاهيم هي بديهيات، ولكن من المؤسف أن هذه البديهيات هي مفقودة لدى بعض الناس.