خمس سنوات مرت على سورية لم نسمع خلالها شيئا سوى السفاهة.
المعارضة السورية وداعموها رفضوا الحل السياسي عندما كان متاحا في بداية الأزمة، ثم طلبوا من واشنطن أن تتدخل عسكريا لإسقاط بشار الأسد!
الشيء المضحك هو أن واشنطن آنذاك كانت تسعى بشكل حثيث للهرب من العراق. الأميركان كانوا يعتقدون أن تدخلهم في العراق كان حماقة كبيرة، وهم كانوا يسعون للخروج من تلك الورطة بأية طريقة ممكنة. في تلك الأثناء جاءتهم المعارضة السورية لكي تطلب منهم التدخل في سورية لإسقاط بشار الأسد! مع العلم أن التدخل المطلوب في سورية هو أصعب من التدخل في العراق لأسباب وضحناها في الماضي.
ما حصل باختصار هو أن المعارضة السورية وداعميها أرادوا جر أميركا في سورية إلى عين الشيء الذي كانت أميركا تسعى للهرب منه في العراق.
طبعا مسعاهم كان مسعى عبثيا، وهذا كان واضحا لي كما كان واضحا لغيري. كما شرحنا سابقا: أميركا لم تدعم الثورة السورية سوى لأنها أرادت تجريد سورية من السلاح الكيماوي والصواريخ، ولأنها أرادت الضغط على إيران لإجبارها على عقد الصفقة النووية.
المعارضة السورية وداعموها كانوا كالأطرش في الزفة. هم لم يفهموا ما هو الهدف من الثورة السورية بالنسبة لأميركا، وتوقعوا من أميركا أشياء مستحيلة وغير واقعية على الإطلاق.
هم ببساطة لم يكونوا يفهمون أي شيء حول السياسة الأميركية في سورية والمنطقة.
لكي يغطوا على غبائهم هم يشتمون أميركا وباراك أوباما، ولكن أنا أؤكد لكم مجددا أن ما حصل ليس له علاقة بباراك أوباما. أي رئيس أميركي آخر كان سيتصرف مثل أوباما. التدخل في سورية بالطريقة التي أرادتها المعارضة السورية هو أمر مستحيل وما كان ليحصل أبدا (لو كان هناك رئيس أميركي آخر فهو ربما كان قصف بشار الأسد بعد المسرحية الكيماوية في الغوطة، ولكن ذلك القصف كان سيكون مجرد قصف استعراضي دون فائدة حقيقية. هو في الحقيقة كان سيقوي بشار الأسد، لأنه كان سيظهر الأزمة السورية كما لو أنها أزمة دولية بين أميركا وبشار الأسد وليست أزمة داخلية. روسيا وإيران كانوا سيستغلون القصف الأميركي لزيادة تدخلهم في سورية. بشار الأسد كان على الأغلب سيتأثر نفسيا وسيتشجع على تحدي أميركا. هذا حصل سابقا مع القذافي وصدام حسين. القصف الأميركي لهؤلاء الطغاة أثر فيهم نفسيا وأزال من نفوسهم رهبة أميركا. هم صاروا بعد القصف يتحدون أميركا بشكل أكبر. أيضا القصف كان سيؤثر نفسيا في العلويين والشبيحة وسيدفعهم للتمسك أكثر ببشار الأسد).
بعدما يئست المعارضة السورية من التدخل الأميركي لإسقاط بشار الأسد قررت هذه المعارضة أن تسقط بشار الأسد عبر رعاية الإرهاب!
تركيا وآل سعود رعوا في سورية جماعات إرهابية تكفيرية بحجة إسقاط بشار الأسد! (كما قال صالح مسلم ذات مرة: داعش خرجت من عباءة الجيش الحر).
الأدهى من ذلك (أو بالأحرى: الأغبى من ذلك) هو أن تركيا وآل سعود حاولوا جر أميركا إلى دعم جماعاتهم الإرهابية. هم حاولوا أن يقنعوا أميركا بدعم جماعات مثل أحرار الشام وجبهة النصرة!
أميركا بطبيعة الحال لا يمكن أن تدعم جماعات كهذه. الدعم الأميركي لهذه الجماعات كان ضعيفا لأن أميركا من الأساس لا تريد أن تدعمها. هي كانت تدعمها فقط بسبب الضغوط التركية والسعودية.
الأميركان (وكل إنسان سوي) يعلم أن سورية لا يمكن أن تحكم بواسطة أحرار الشام أو جبهة النصرة. الجهة المؤهلة لحكم سورية هي جهة علمانية تؤمن بالمساواة ولا تحمل أحقادا ضد العلويين أو غيرهم. أين هي أحرار الشام وجبهة النصرة من ذلك؟ ما أراده الأتراك وآل سعود من أميركا كان مجرد جنون.
كان يمكن لتركيا أن تلعب دورا بناء في المناطق المحررة التي انسحب منها بشار الأسد في عام 2012 (خاصة حلب)، وهذا هو ما أراده الأميركان من تركيا. الأميركان أرادوا من تركيا أن تملأ الفراغ الذي خلفه انسحاب بشار الأسد. هم أرادوا من تركيا أن تضبط الأوضاع وأن تكافح الإرهابيين، ولكن تركيا رفضت أن تلعب هذا الدور. تركيا أصرت على دعم الجهاديين وعملت على تغذية النزعات الطائفية والعرقية. تركيا وقفت وراء حصار القرى الشيعية ووراء محاولات غزو الساحل السوري ووراء الحرب مع الأكراد. تركيا عملت على تقسيم المجتمع السوري وتفتيته بدلا من أن تعمل على ضبط الأوضاع وإعادة الاستقرار.
ما أراده الأميركان من هؤلاء المعاتيه هو مجرد أمور بديهية common sense، ولكن المدهش هو أنهم رفضوا أن ينفذوا تلك الأمور. هم رفضوا أن يتصرفوا كبشر أسوياء. هم أصرو على رعاية الإرهاب والتطرف وانتهاك حقوق الإنسان.
تحدثت كثيرا في هذه المدونة عن أخطائهم وأشرت لها في مئات المقالات طوال السنوات الماضية، ولكنهم نادرا جدا ما صححوا شيئا من أخطائهم. هم تصرفوا كبهائم.
كل ما يعرفونه هو النواح والعويل وشتم الدول. في الحقيقة لا أحد يستحق الشتم سواهم حصرا.
ما يقوم به الآن الأميركان والروس هو محاولة لإنقاذ الوضع. لا توجد أية مؤامرات. كل الأمور التي يفعلها الأميركان والروس هي في الحقيقة من الأمور التي كنت أطالب بها.
الأكراد هم الجهة الوحيدة في سورية التي تتحرك في اتجاه سليم. لهذا السبب نرى أن الأميركان والروس يدعمون الأكراد. الدعم الدولي للأكراد هو ليس مؤامرة وليس مؤشرا على وجود اتفاق “سايكس-بيكو جديد”. سبب دعم الأكراد هو ببساطة أن الأكراد أثبتوا أنهم أوادم وسط بحر من البهائم.
الأكراد هم الجهة الوحيدة في سورية التي لا تخوض حربا طائفية. الأكراد هم على علاقة طيبة مع كل فئات الشعب السوري. هم لا يسعون لإبادة أحد أو تهجير أحد. الأكراد هم الجهة الوحيدة التي تطرح حلولا سياسية واقعية للأزمة السورية.
ذيل الكلب يريد أن يخضع له كل السوريين، والمعارضة تريد أن يخضع لها كل السوريين. الأكراد لا يريدون إخضاع أحد. هم يدعون لتأسيس حكومة علمانية لامركزية لسورية موحدة. ما يدعون له هو في الحقيقة الحل الوحيد الممكن للأزمة السورية.
المجتمع الدولي يعتمد على الأكراد لإقفال الحدود التركية-السورية أمام التدخل التركي الهدام. هناك على ما يبدو اتفاق بين الأميركان والروس على تسليم ريف حلب الشمالي للأكراد وحلفائهم. هذا ليس مؤامرة، ولكنه محاولة لإنهاء التطرف الذي تغذيه تركيا.
من الواضح أن الروس لا يريدون وضع سورية بكاملها تحت سلطة ذيل الكلب. هم في الحقيقة رسموا حدودا لذيل الكلب لم يسمحوا له بتجاوزها. ذيل الكلب كان يريد محاصرة مدينة حلب وغزو محافظة إدلب، ولكن الروس منعوه من تنفيذ تلك المشاريع. الروس وبخوا ذيل الكلب علنا عندما قال أنه يريد غزو سورية بكاملها.
الهجوم الأخير على مدينة تدمر كان أمرا سيئا جدا ومن شأنه إطالة عمر ذيل الكلب، ولكن ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان الروس سيدعمون هجوم ذيل الكلب على دير الزور. إذا بقيت دير الزور خارج سلطة ذيل الكلب فهذا سيكون مكسبا مهما للمعارضة.
البعض يتحدثون عن تقسيم سورية بين روسيا وأميركا. هذا الكلام فيه قدر صغير من الصحة وقدر كبير من السذاجة. من الواضح أن روسيا وأميركا لا تريدان وضع سورية بكاملها تحت سلطة طرف معين (سواء ذيل الكلب أم المعارضة)، ولكن هذا لا يعني بالضرورة تقسيم الكيان السوري إلى أكثر من دولة.
بعض الأغبياء لا يفهمون أن الكيان السوري هو مقسم بالفعل منذ عام 2012. الأميركان والروس لا يضيفون شيئا جديدا إلى الخريطة السورية. ما يفعلونه ببساطة هو أنهم يحاولون ترسيخ الهدنة عبر تحديد مناطق معينة لكي طرف من الأطراف المتصارعة. هذا ليس تقسيما ولكنه محاولة لتثبيت خطوط لهدنة طويلة. هم يريدون أن يوقفوا الحرب. ما يفعلونه الآن هو السبيل الوحيد لوقف الحرب. إذا لم يتم تحديد مناطق معينة لكل طرف فسوف تنهار الهدنة وتعود الحرب.
الأزمة السورية لا يمكن أن تحل عسكريا. الحل الوحيد الممكن للأزمة هو حل سياسي. لهذا السبب الهدنة هي ليست شيئا سيئا. الهدنة هي المدخل إلى الحل السياسي. الهدنة ستسمح للمعارضة السورية المعتدلة (قوات سوريا الديمقراطية) بتنظيف المناطق المحررة من الإرهابيين والمتطرفين. المفترض بجماعة النظام أن يقوموا أيضا بتنظيف مناطقهم من المتطرفين، وأعني بذلك ذيل الكلب وشبيحة حزب الله وإيران الداعمين له. في النهاية لا بد أن يفهم العلويون أن بقاء ذيل الكلب وشبيحة حزب الله وإيران يعيق الحل السياسي. عندما يفهمون ذلك سيتحركون للتخلص من هؤلاء.
بعد تنظيف سورية من المتطرفين (في مناطق المعارضة وفي مناطق النظام) سوف يكون الحل السياسي سهلا.
سيقول قائل: من الممكن أن العلويين لن يثوروا أبدا على المتطرفين الذين يسيطرون على مناطقهم.
من واجب المجتمع الدولي أن يضغط على مناطق النظام لكي يقنع سكان هذه المناطق بضرورة التوصل إلى حل سياسي.
إذا ترسخت الهدنة ونجحت المعارضة المعتدلة في تأسيس حكومة وطنية فسوف تتغير نظرة مؤيدي النظام إلى الأوضاع. السبب الأساسي الذي يجعل هؤلاء يتمسكون بالمتطرفين هو غياب طرف معتدل لدى المعارضة قادر على التفاهم معهم.