أنا لا أعلم ما هي أبعاد كلام أردوغان الأخير حول تجنيس السوريين، ولكن يبدو أنه قصد تجنيس أصحاب الكفاءات من السوريين وليس السوريين بشكل عام.
بالتالي دافعه قد يكون مجرد دافع تنموي.
الدول الكبرى في العالم تهتم بتوطين العقول والكفاءات. السبب الأساسي لتفوق أميركا على غيرها هو أن أميركا تستقطب العقول والكفاءات من كل أنحاء العالم.
ذات مرة قرأت أن استطلاعا أجري في ألمانيا بين أن نصف السكان هناك يفضلون العيش في أميركا. إذا كان هذا هو الحال في ألمانيا (الدولة الأكثر تقدما في أوروبا) فما بالكم بغيرها.
الأميركان يفهمون أهمية هذه الظاهرة. لهذا السبب تجدهم مذعورين من أن يأتي يوم تفضل فيه العقول الهجرة لبلد آخر (مثلا الصين). بالنسبة لهم ذلك اليوم سيكون بداية النهاية لتفوقهم.
إذا نظرنا نظرة تآمرية فيمكننا أن نقول أن أحد الأسباب التي تدفع الأميركان لمحاصرة الدول الأخرى اقتصاديا هو رغبتهم في استقطاب عقول تلك الدول. أحد الأمثلة البارزة هو إيران. الحصار الأميركي على إيران سمح لأميركا باستقطاب عدد كبير من العقول الإيرانية المهاجرة. نفس الظاهرة حدثت أيضا مع الكيان السوري وإن كانت بحجم أصغر. أميركا كانت دائما تسهل هجرة الأطباء السوريين إليها، مع العلم أن الأطباء في سورية (بسبب ظروف البلد غير الطبيعية) هم الأشخاص الأكثر تفوقا في الدراسة. بالنسبة للسوري العادي الهجرة إلى أميركا كانت أمرا صعبا، ولكن خريج الطب الذي يتم مجموعة من الامتحانات كان يتمكن من الهجرة إلى أميركا بسهولة.
العقول اللامعة هي سلعة نادرة. الدول الكبرى تفهم ذلك. يبدو أن أردوغان لديه نفس الفهم ولهذا السبب هو يحرص على توطين السوريين اللامعين.
ما يثير دهشتك هو أن آل سعود لا يملكون أي تقدير للعقول والكفاءات. هم كانوا يستطيعون توطين أعداد غفيرة من العقول اللامعة، ولكنهم لم يهتموا أبدا بذلك. هم كانوا يأتون بالعقول اللامعة ويسمحون لها بأن تتزود بالمال من اقتصادهم، وبعد ذلك كانت هذه العقول تهاجر إلى الدول الغربية. أي أنهم كانوا ينفقون أموالهم على تمويل هجرة العقول إلى الدول الغربية! (مثلما أنهم كانوا طوال عقود ينفقون أموالهم على تنمية الصناعات في دول أخرى بدلا من أن يؤسسوا صناعات محلية).