اعتراف لافت من المفكر العربي عزمي بشارة:
من الجيد أنه اعترف بكذب هذه القصة.
معظم القصص التي ترددت في “الطور السلمي” من الثورة السورية كانت مجرد أكاذيب وفبركات (أكبر الأكاذيب والفبركات هي قصة استخدام بشار الأسد للسلاح الكيماوي. لو كان بشار الأسد يملك جرأة تسمح له بتحدي أوباما واستخدام السلاح الكيماوي لما كان هذا الجرذ انتهى إلى ما انتهى إليه).
الرأي العام الغربي أدرك لاحقا أن المعارضة السورية تعتمد الكذب المنهجي، ولهذا السبب نرى الآن أن بعض الغربيين يميلون للتغاضي عن جرائم إيران وبشار الأسد، وهذا خطأ كبير. كون الثورة السورية بنيت على الكذب والفبركة هو ليس مبررا للقبول بالإبادة والتطهير العرقي.
أنا تحدثت فيما مضى عن قصة أطفال درعا التي أشعلت الثورة، وبصراحة أنا نسيت التفاصيل التي كتبتها سابقا. ما أذكره الآن هو ما يلي: في الأيام التي سبقت الثورة كانت هناك مجموعات من الوهابيين أو السلفيين تقوم بكتابة عبارات مناوئة لبشار الأسد على الجدران (على ما أذكر فإنهم كانوا يكتبون عبارات من قبيل “إجاك الدور يا دكتور”، يقصدون أن مصير بشار الأسد سيكون مثل مصير القذافي ومبارك وبن علي). بعد أن يكتبوا مثل هذه العبارات على الجدران كانوا يقومون بتصويرها ونشرها في مواقع سلفية وإخوانية على الإنترنت (أنا رأيتها في تلك المواقع).
بسبب جبنهم ودناءة أخلاقهم هم كانوا يستعينون بالأطفال لكتابة تلك العبارات. هم كانوا يرسلون أطفالا بالليل لكي يكتبوا العبارات على الجدران ويصوروها. هذا لم يحدث في درعا فقط وإنما في دمشق أيضا (وربما في غيرها).
مخابرات بشار الأسد ألقت القبض على مجموعة من هؤلاء الأطفال في درعا. هم كانوا ينتمون لعائلة أبازيد (على ما أذكر). بعد ذلك ذهب وفد من أهالي درعا إلى فرع المخابرات وطلب إطلاق سراح الأطفال. رئيس فرع المخابرات رفض إطلاق سراح الأطفال إلا بعد حضور ذويهم لاستلامهم. ردا على ذلك خرجت المظاهرة الشهيرة في درعا التي أدت لاندلاع الثورة.
هذه هي القصة الحقيقية لاندلاع الثورة السورية. أنا واثق تماما من أن المتورطين في تلك الأحداث كانوا وهابيين، لأنني كنت أتابع تلك التحركات على الإنترنت. إذا كنتم تذكرون فإن أولى المظاهرات “السلمية” التي خرجت في سورية كانت في درعا وبانياس (وربما في حمص). لو رجعتم إلى التصوير المتعلق بمظاهرة بانياس واستمعتم إلى الحديث الذي دار في تلك المظاهرة فسوف تدركون بسهولة أن زعيم المظاهرة كان وهابيا متزمتا (إذا لم أكن مخطئا فإن هذا الرجل تحول لاحقا إلى زعيم للثورة السلمية في بانياس).
لاحقا انضمت أصناف أخرى من الناس إلى الثورة (غالبا أناس محبطون اقتصاديا)، ولكن لا يوجد شك في أن من أشعل الثورة هم الوهابيون. هؤلاء في الحقيقة كانوا التيار الوحيد المنظم في سورية. إذا استثنينا الوهابيين فإن كل من شاركوا في الثورة كانوا مجرد أفراد غير منظمين ولا يحملون أية أفكار سياسية واضحة. هم شاركوا في المظاهرات تأثرا بقناة الجزيرة.
بما أن الوهابيين كانوا التيار الوحيد المنظم في الثورة (وبما أنهم هم الذين أشعلوا الثورة من الأساس) فليس غريبا أن الثورة اكتسبت طابعا وهابيا. قرأنا الكثير في الإعلام عن “الجيش الحر” العلماني، ولكن أين هو هذا الجيش الحر في الواقع؟ هذه مجرد تسمية هلامية ليس لها كيان واضح. القوى الفاعلة في الثورة السورية هي كلها قوى وهابية (داعش، جبهة النصرة، أحرار الشام، جيش الإسلام، إلخ هي جميعها منظمات وهابية).
بالنسبة للإخوان المسلمين فأنا بصراحة لم ألاحظ تواجدا مهما لهم في الثورة السورية. جماعة الإخوان المسلمين تعرضت للإبادة في زمن حافظ الأسد وهي لم تكن موجودة بشكل حقيقي في سورية قبل اندلاع الثورة. بعد اندلاع الثورة السورية قرأنا في إعلام بشار الأسد أن هناك كتائب مسلحة تابعة للإخوان المسلمين في محافظة حلب (وربما في غيرها). حتى لو كان هذا صحيحا فإن هذه الكتائب هي قليلة الأهمية مقارنة بالفصائل الوهابية الكبرى التي ذكرت أسماءها في الأعلى.
في سورية قبل الثورة السورية لم يكن يوجد أي تيار سياسي معارض للنظام سوى التيار الوهابي. هذه هي الحقيقة. كل التيارات السياسية الأخرى كانت مجرد ظواهر إعلامية دون امتداد شعبي حقيقي. الوهابيون هم التيار الوحيد الذي كان يملك بعض التنظيم وكان يستطيع أن ينفذ نشاطات معارضة لبشار الأسد. لهذا السبب الوهابيون هم الذين أشعلوا الثورة.
السؤال هو: لماذا كان الوهابيون يملكون هذه الحظوة في سورية تحت قيادة بشار الأسد؟
هذا سؤال أريق حوله الكثير من الحبر. لا يوجد في رأيي جواب بسيط لهذا السؤال. هناك عدة أسباب تضافرت وأدت إلى نمو الوهابية في سورية. أنا تحدثت في الماضي عن بعض هذه الأسباب.
بعض الملاحظات في البداية التي كان ينكرها الكثير من الثوار أو من يريدون أن يسموا ما جرى ثورة
1. انا كنت اعمل في مجال السوشيال ميديا منذ 2009، ولاحظت مع نهاية 2010 نشاط حوالي 200 أو 300 حساب على الفيسبوك وتويتر اصحابها جميعهم من لبنان من منتسبي تيار المستقبل أو مقيمين في السعودية، هذه الحسابات كانت ناشطة بشكل هائل وتبث الكثير من الاكاذيب ممزوجة بأمور حقيقية والهدف النهائي منها أن يجعلو المتابع يصل إلى أقصى حالات الغضب والإحباط، كان الحساب ينشط حواليي 15 ساعة يوميا بدون كلل او ملل، وجميعهم لديهم نفس اسلوب النقاش ونفس المنطق تقريبا مما دفعني للاعتقاد أن الموضوع منظم وهناك غرفة عمليات تشرف عليهم.
2. بدأت اعمال العنف حتى قبل أذار 2011، في شباط 2011 تم حرق سيارتين لضابطين في الجيش واحدة في الحمدانية وواحدة في الشيخ مقصود ليلا.
3. كان هناك غرف اعلامية مهمتها فبركة الفيدوهات بشكل ممنهج، حيث كان في ليلة الخميس تخرج فيديوها على اليوتيوب عن مظاهرات الجمعة !!!
4. كان هناك تعمد إلى قتل والاشتباك مع الجيش وليس الأمن، حيث قتل العميد تلاوي وأولاده في سيارته في نيسان 2011 في حمص ولم يكن الجيش تدخل على الإطلاق، أيضا في أيار 2011 تم الهجوم على باص يقل ضباط وصف ضباط وعساكر عائدين من نقطة عسكرية إلى منازلهم في بانياس بالقنابل اليدوية والأر بي ج، وقتل حوالي 6 عساكر وجرح حوالي 12.
5. كان هناك محاولات لجر الأجهزة الأمنية إلى أكبر قدر من العنف من قبل بعض التصرفات المستفزة مثل قتل حارس نادي الضباط في حمص في أذار 2011 بالعصي والحجارة ؟ ما الفائدة من قتل حارس نادي الضباط بالعصي والحجارة وتصوير المقطع ونشره على يوتيوب؟ كذلك فعلو من نضال جنود ؟ ما الفائدة من قتل بائع خضار حتى لو كان متعامل مع الامن بهذه الطريقة الهمجية وتصويره ونشره
6. ظهرت في ريف حماة وادلب واللاذقية مجموعات مسلحة وبدأت بنشر حواجز طيارة على الطرق كانت مهمتها الرئيسية اختطاف عساكر أو عناصر امنية أو اجبارهم على الانشقاق، حصلت مجزرة جسر الشغور في حزيران 2011 ؟ يعني بعد مضي 4 أشهر فقط كان هناك مجموعات مسحلة قادرة على قتل أكثر من 100 عنصر وحصارهم لأكثر من 3 ايام.
7. كنت اعمل في جامعة حلب كاستاذ للعملي، وكان بعض الاغبياء في ريف حماة الشمالي يريدون خطفي لأن اعمل مع النظام ويجب أن أنشق وهذا كان في ايار 2011؟ هل هناك احمق يخطف شخص يعمل في الجامعة ويريد منه أن ينشق؟ ولكن نجوت باعجوبة والفضل لغباء حامل السلاح كان عقله جوزتين بخرج
8. كنت في باص بين حلب وادلب في أيار 2011 أيضا وفي إحدى المناطق المعزولة كان هناك مجموعة مسلحة أوقفت الباص وتسأل وتفتش الهويات وسألوا هناك أحد من الساحل (علوي) حتى يقومو بخطفه.
8. كان الحلبيون يتعرضون للضرب والخطف والإهانة وتكسير السيارات في حمص في الأشهر الأولى بحجة أنهم جبناء
هذه بعض ملاحظاتي الشخصية على المرحلة السلمية من الثورة السورية مما رايته وشهدته وليس مما سمعته وكنت متأكد 100% أن هذه الثورة السلمية سوف تكون نهايتها كارثية ولست متفاجئا حتى هذه اللحظة بأي شيء حصل لا على صعيد سلوك النظام ولا على صعيد سلوك الثوار، لذلك قررت الخروج من سوريا باسرع فرصة بعد حادثة محادولة الخطف لاني اعمل مع النظام (استاذ عملي في الجامعة) وقتها راسلت جامعة اوروبية وحصلت على قبول وسافرت في اكتوبر 2011 وكنت متاكد أن النهاية ليست اقل سوءا من الأن.
الذي جرى في سورية ثورة حقيقية ، ثورة ضد الظلم والسرقة والإتاوات والتهميش لمختلف فئات المواطنين بما فيهم العلوية أنفسهم ، ليست كل الطائفة العلوية كانت مستفيدة من حكم عائلة الأسد، الأسد رجل مافيوي معظم الذين يستفيدون من حكمه كأنو من نفس طينته لافرق بين ان يكون سني او علوي او مسيحي ، كانت النقمة عامة ، انا تركت وظيفتي من عام ٩٥ وغادرت البلد لان لم استطع اقتناص اي فرصة عمل بعد تركي العمل الحكومي الذي صار حكرا على العلوية ، وكان علينا ان نستقيل تحت الضغط.
وبالمقابل كنت لاتسطيع اختراق مافيات التجارة الحرة لانها كانت حكرا على أهل السنة المرتبطين مافياويا مع العلويين ، لا أستطيع ذكر اسماء ولكن هذا كان الواقع فهاجرنا الى بلاد الغربة ،
اضافة الى عدم توفر الفرس للخريجين الجدد وضعف قيمة الدخل في حال توفر الوظيفة , ان اي خريج جامعة كان راتبه عند التخرج بين 150-200 $ وهذا مبلغ مضحك لا يكاد يكفي ثمن سجائر ومواصلات .
اضافة الى ركود اقتصادي شامل بالبلد وكان الأغنياء كأنو يتوقعون انهيارا اقتصاديا وفوق كل ذلك أتى الجفاف الطبيعي الذي مر على البلد فأصاب الفلاحين بضائقة مالية كبيرة ، فأصبحت ترى العشوائيات حول دمشق وبيروت وحلب جلهم من الريف الفقير الذي لم يعد يجد ما ياكله وفوق كل ذلك الضغوط الغربية على الحكومة وعدم منح القروش الا بشروط الانفتاح الاقتصادي والسياسي ، الامر الذي تجاوبت معه الحكومة اولا ولكن كان يجب عليها ان تسمح بالأحزاب والصحف والمنابر فخاف بشار ومافيا الحكم من ضياع البقرة الحلوب من يديهم فلجأ الى إغلاق المنابر وسجن جماعة ربيع دمشق وقطع الاتصالات مع الغرب ومع أمير قطر وأردوغان وهما الذين تبنيا الاسد وتقديمه الى الغرب على انه رجل علماني وغربي التطلعات.
هذا مختصر للوضع بسورية قبل الثورة الاقتصادي والسياسي ، اما ان الاسلام السياسي والإسلام الوهابي فهذا حرتقات بعثية لا أصل لها لان جميع الإسلاميين اما كأنو بالسجن او بالغربة وبالتالي لم يقوموا بالثورة ولا حتى بالتحريض او بالمشاركة ،
وانا أستطيع ان اؤكد ان الناشطين في حُمُّص خصوصا سواء من حي الخالدية او حي بابا عمرو أوحي باب السباع لم يكن بينهم إسلامي واحد حتى ان المتظاهرين كأنو لا يقبلون بهم في تظاهراتهم .
ولكن سوء معاملة الناشطين من قبل رجال الأمن واستعمال الاغتيالات والقنص للناشطين دفعهم الى التسلّح والرد على السلطة وبعد هذا دخلت ايران وحزب الله على الخط في حمص وبدأوا في قتل الناس على الهوية الامر ثم ان حزب اللَّات نفسه باع أسلحة للناشطين في بابا عمرو وكفر عايا وامتد التسليح ليشمل القصير وبعدها تعلمون بقية الحكاية النظام يصعد من جهة والشعب يصعد من جهة ثانية وبدأت الأسلحة تأتي من لبنان وأصبح الموضوع دولي وخارج سيطرة المافيا الأسدية .
وامتد الموضوع طالما انه اصبح دولي لتدخل مصالح قطر وتركيا وإيران وروسيا في الموضوع .
وجهة نظري المتواضعة ان الاسد غير أهل ليحكم بلد فيهطوائف واراء وشعوب مختلفة والنتيجة الان المحصلة للحرب تؤيد وجهة نظري حيث ان جميع شعوب ومكونات سورية أصبحت متنافرة ويلزم عقود لإعادة الوئام بينها وقد خسرت هذه الشعوب والمكونات خيرة شبابها سواء بالقتل او بالهجرة لأن معظم المهاجرين مثل السيد فادي واولادي لم يعد لديهم رغبة بالعيش تحت ظل هذا النظام بعد ان ذاقوا طعم الحرية والديمقراطية الغريبه .
ان اي تسوية مستقبلية في سورية يجب ان تكون على أساس علماني وديمقراطي وفدرالي ، وهذه ينبغي لنا العديد من السنين للتفاهم عليها .
في مدونتي توجد مقالات عديدة حول أسباب الثورة… السبب الأساسي هو دمشقة الاقتصاد أو الدمشقية الاقتصادية التي كان يطبقها بشار الأسد.
المقال أعلاه لا يتحدث عن أسباب الثورة. هذا المقال يتحدث فقط عن الشرارة التي أشعلت الثورة.