هذا فيلم طائفي جديد يعبر عن وجهة النظر المعارضة السورية بخصوص تسليم حافظ الأسد الجولان لإسرائيل:
أنا أوافق على أن حافظ الأسد سلم الجولان لإسرائيل. بالنسبة لحافظ الأسد الأولوية كانت بقاءه على الكرسي، وفي مقابل الكرسي هو سلم الجولان لإسرائيل. هذه ليست نظرية مؤامرة ولكنها ما حصل بالفعل. أنا ذكرت مزيدا من التفاصيل في مقالات سابقة.
قبل حرب 1967 كانت أميركا وإسرائيل تتوعدان بإسقاط النظام الحاكم في دمشق. عندما اندلعت الحرب ودخل الجيش الإسرائيلي إلى سورية خاف حافظ الأسد ومن معه من أن تنفذ أميركا وإسرائيل تهديداتهما بإسقاط النظام. لهذا السبب هم أجروا اتصالات مع أميركا وتوسلوا إليها لكي توقف تقدم الجيش الإسرائيلي نحو دمشق. أميركا قالت لهم أننا نستطيع منع إسرائيل من إسقاطكم ولكنكم يجب أن تخلوا هضبة الجولان وتسلموها لإسرائيل، وهذا ما حصل.
قبل اندلاع تلك الحرب كانت هناك مشاكل كبيرة متعلقة بهضبة الجولان، منها مشكلة المياه. النظام السوري آنذاك كان يبني سدودا في شمال الجولان بهدف تحويل المياه بعيدا عن بحيرة طبرية. مشاريع النظام السوري كانت ستؤدي لتجفيف بحيرة طبرية وحرمان إسرائيل من الماء. لهذا السبب قررت أميركا وإسرائيل نقل ملكية هضبة الجولان من سورية لإسرائيل بهدف حل مشكلة الماء من جذورها (هذا أحد أسباب احتلال الجولان وليس السبب الوحيد).
هذا النوع من الصفقات بين عائلة الأسد وإسرائيل تكرر مرارا. آخر مرة حدثت فيها صفقة علنية من هذا النوع كانت في عام 2013. آنذاك وافق بشار الأسد على تسليم سلاحه الكيماوي لإسرائيل في مقابل امتناع أميركا عن توجيه ضربة عسكرية له. حتى بعد تلك الصفقة أنا واثق من أن هناك صفقات فرعية عديدة أخرى تم التوصل إليها (إسرائيل نفذت عشرات الغارات داخل الكيان السوري منذ بداية الثورة السورية وحتى الآن، ومعظم هذه الغارات استهدفت مواقع عسكرية استراتيجية. إسرائيل استغلت وضع بشار الأسد خلال الثورة السورية وجردت الكيان السوري من كل أنواع السلاح الاستراتيجي الذي يمكن أن يشكل أي تهديد).
أنا لا أظن أن الكيان السوري ما زال يملك أسلحة تهدد إسرائيل بشكل جدي، وحتى لو وجدت مثل هذه الأسلحة فستدميرها سيكون سهلا.
بشار الأسد باع كل شيء في سبيل الكرسي. هو مستعد حتى لبيع مؤخرته لو اضطر لذلك. هذا إنسان لا يملك ذرة واحدة من الكرامة. ناهيك عن أنه مجرم سفاح لم يعرف له التاريخ مثيلا.
أنا لا أعارض نقد حافظ الأسد وتسليط الضوء على خيانته، ولكن المشكلة فيمن ينتقدونه هي أنهم لا يتحدثون من دافع وطني وإنما من دافع حقد طائفي. السبب الأساسي الذي يجعلهم ينتقدون حافظ الأسد هو أنه علوي.
الدليل على ذلك هو الكيفية التي يتعاملون بها مع الحقبة التي سبقت حقبة حزب البعث. عندما يتعلق الأمر بتلك الحقبة تجد المعارضين السوريين يدافعون عنها على نحو غريب وتهريجي. هم يزعمون أن سورية في تلك الحقبة كانت دولة متقدمة بمستوى سويسرا (هذه ليست مبالغة من عندي وإنما هم بالفعل يقولون ذلك). هم يفبركون التاريخ المتعلق بتلك الحقبة على نحو فج واستفزازي.
هم ينظرون إلى المسألة كما يلي: قبل حافظ الأسد وحزب البعث كان المسلمون السنة يحكمون سورية. لهذا السبب سورية آنذاك كانت أفضل بلد في العالم. عندما وصل العلويون إلى السلطة تحولت سورية إلى أسوأ بلد في العالم.
هذه النظرة للتاريخ هي ليست محصورة في صغارهم. حتى الشخصيات الكبيرة في المعارضة السورية وزعماؤها ورموزها يحللون التاريخ السوري بهذه الطريقة.
عقلية المعارضين السوريين يمكن تلخيصها بعبارة “السني وبس والباقي خس”.
أنا أتمنى من بعض السوريين العقلاء أن يسلطوا الضوء على الأحداث التي جرت في عام 1948 على الجبهة السورية-الفلسطينية.
نحن بحاجة لفيلم وثائقي يوضح ما جرى على تلك الجبهة. ما جرى هو أغرب بكثير مما جرى في الجولان في عام 1967.
حرب العام 1948 لم تكن حربا مباغتة. شكري القوتلي كان يعلم بوقوع هذه الحرب قبل سنوات من وقوعها. الدول العربية استعدت للحرب قبل سنوات من وقوعها.
الأردن احتفظ بالضفة الغربية، مصر احتفظت بقطاع غزة، ولكن شكري القوتلي لم يحتفظ بأي شبر. هو انسحب إلى الحدود الدولية التي رسمتها بريطانيا والتزم بها بالمسطرة.
لا أحد في التاريخ احترم حدودا مرسومة على الورق مثلما احترم شكري القوتلي حدود إسرائيل المرسومة على الورق.
هناك شبهة كبيرة جدا حول دور القوتلي في تلك الحرب.
أول من اشتبه في القوتلي هو الشعب السوري ذاته. الشعب السوري حمل القوتلي مسؤولية ما حصل وثار عليه وأسقطه.
أنا أرجح أن القوتلي انسحب من فلسطين لأنه كان يريد من بريطانيا وغيرها أن تحمي كيانه.
هو لم يساعد فقط على تأسيس إسرائيل، ولكنه ساعد أيضا على تأسيس الكيان اللبناني.
هو كان يريد أن يقول للمجتمع الدولي أنه يحترم التقسيمات الاستعمارية أكثر من الدول الاستعمارية ذاتها. لهذا السبب يجب على المجتمع الدولي أن يتدخل لمنع مشاريع الوحدة العربية التي كانت مطروحة آنذاك.
كل ما كان يشغل باله هو درء “خطر” الوحدة العربية والمحافظة على الكيان السوري الذي أسسه الاستعمار. لو انهارت حدود إسرائيل ولبنان المرسومة على الورق فما الذي سيمنع انهيار الكيان السوري؟
إذا انهارت إسرائيل ولبنان فالدور القادم سيكون على الدولة الدمشقية.
لهذا السبب كان لا بد من الحفاظ على إسرائيل ولبنان للحفاظ على الدولة الدمشقية.
هذه هي صفقة شكري القوتلي. هل هي أسوأ أم صفقة حافظ الأسد؟