لا أدري إن كان كاتب المقال يفهم ما يقوله؟ إن كان يفهم فهي بالفعل مصيبة.
هو أخذ خبرا من جريدة سورية نشر في عام 1951 بعد انقلاب الطاغية الشيشكلي. الخبر يلوم هاشم الأتاسي لأنه أيد إعادة السلطة للشعب.
رئيس سورية في أربعينات القرن العشرين كان شكري القوتلي. ولايته الرئاسية كانت تنتهي في عام 1948. عند انتهاء ولايته كان يجب عليه أن يترك السلطة. الدستور السوري آنذاك كان يمنع الرئيس من الترشح لأكثر من ولاية واحدة.
شكري القوتلي لم يقبل بترك السلطة. هو استمر في الحكم ضاربا بالدستور عرض الحائط. هو أجرى مسرحية لتعديل الدستور على غرار مسرحيات عائلة الأسد.
السبب الذي جعله يتمسك بالسلطة هو ليس مجرد طغيان واستبداد فردي، ولكن بصراحة كانت هناك أسباب طائفية وراء موقفه. آنذاك كان الشعب السوري يطالب بالوحدة العربية وتحرير فلسطين. هذه المطالب كانت تتعارض مع توجهات شكري القوتلي. هو عقد صفقة مع البريطانيين مفادها ما يلي: بريطانيا ستخرج فرنسا من سورية وستسمح لشكري القوتلي بحكم سورية بقبضة حديدية، وفي مقابل ذلك شكري القوتلي سيمنع الوحدة العربية وسيسهل قيام دولة إسرائيل.
هذه الصفقة بالنسبة للشعب السوري آنذاك كانت خيانة موصوفة. بالنسبة لشكري القوتلي هي لم تكن كذلك. هو كان يفكر بعقلية ضيقة لا تتجاوز حدود مدينته. هو كان ينظر للكيان السوري بوصفه استمرارا لولاية دمشق العثمانية. المبدأ الذي كان يعمل على أساسه هو “دمشق تكفيني”.
شكري القوتلي ومؤيدوه كانوا ينظرون لسورية على أنها دولة دمشق. هم ظنوا أنهم سيقمعون الشعب السوري وسيحكمونه بالقوة. لهذا السبب هم تجرؤوا على خرق الدستور وحاولوا أن ينشئوا دولة استبدادية فئوية.
حساباتهم كانت خاطئة ولا علاقة لها بالواقع. ولاية دمشق العثمانية لم تكن تضم حلب. هم ظنوا أنهم سيلحقون حلب بولاية دمشق، ولكن الحلبيين ما كانوا ليقبلوا بذلك. الحلبيون (ومعهم بقية السوريين) دخلوا في الكيان السوري على أساس أنه مقدمة لتأسيس دولة عربية كبرى. لو علم الحلبيون والسوريون أن الكيان السوري سيتحول إلى دولة دمشقية فإنهم ما كانوا دخلوا فيه من الأساس.
شكري القوتلي طرد من السلطة في عام 1948 بسب بخيانته وبيعه لفلسطين. هو سخّر الجيش السوري لقمع الشعب السوري، وعندما اندلعت حرب فلسطين لم يشارك فيها ولكنه انسحب إلى الحدود الدولية التي رسمتها بريطانيا. هو سلم فلسطين بكاملها إلى الصهاينة ولم يحرر منها شبرا واحدا. هذا السلوك أثار سخط الشعب السوري عليه. القوى الدولية أدركت أنه لم يعد قادرا على حكم سورية بسبب الرفض الشعبي له. لهذا السبب القوى الدولية أيدت الانقلاب الذي قام به الجيش ضده.
الانقلاب نصب حسني الزعيم زعيما لسورية. حسني الزعيم تحول إلى نسخة من سلفه. هو تحول إلى طاغية خائن. لهذا السبب الجيش انقلب عليه مجددا بعد أشهر قليلة من الانقلاب الأول.
الانقلاب الثاني كان يختلف جذريا عن الانقلاب الأول. قائد هذا الانقلاب كان سامي الحناوي. هذا الرجل لم ينصب نفسه رئيسا، وهو لم يعمل على إعادة بناء نظام الدمشقية السياسية الاستبدادي. ما فعله هو ما يلي: هو سلم السلطة إلى حكومة وحدة وطنية شاركت فيها كل القوى السياسية. وظيفة هذه الحكومة كانت إجراء انتخابات برلمانية. الحكومة نفذت ذلك وأجرت انتخابات برلمانية ديمقراطية غير مسبوقة في تاريخ سورية (هذه الانتخابات شهدت لأول مرة مشاركة النساء في التصويت). سامي الحناوي احترم نتيجة الانتخابات وترك مجلس الشعب المنتخب ديمقراطيا يحكم سورية بشكل ديمقراطي على أساس الدستور. هو لم ينصب نفسه طاغية، ولم يخرق الدستور ولم يسع لبناء نظام استبدادي كما فعل شكري القوتلي ومؤيدوه.
مجلس النواب المنتخب ديمقراطيا قرر إلغاء حدود سايكس-بيكو تمهيدا لتحقيق الوحدة العربية وتحرير فلسطين. هذه التوجهات أثارت ذعر مؤيدي شكري القوتلي. لهذا السبب هم تآمروا مع القوى الدولية ونفذوا انقلابا عسكريا أتى بالطاغية أديب الشيشكلي. هذا الطاغية ألغى الأحزاب والانتخابات ونصب نفسه ديكتاتورا. هو قمع دعاة الوحدة العربية ورماهم في السجون بزعم أنهم عملاء للعراق وبريطانيا. هو كان يلفق لهم التهم بأنهم إرهابيون وبأنهم يأخذون الأموال من العراق لتنفيذ تفجيرات في سورية ونحو ذلك من الترهات (هل عرفتم من أين أتت العلوية السياسية؟)
ما يؤسفني هو الكلام التالي المكتوب في ويكبيديا:
Atassi’s second term in office was even more turbulent than his first. He came into conflict with the politicians of Damascus for supporting the interests of the Aleppo notability and their desire to unite with Iraq. He supported the People’s Party of Aleppo and appointed its leader Nazim al-Qudsi as prime minister. The party was vehemently pro-Iraq and sought a union with Baghdad.
مجلس النواب المنتخب من الشعب السوري انتخب هاشم الأتاسي رئيسا للجمهورية. هذا الرجل هو ليس حلبيا ولكنه حمصي. طبعا الحلبيون هم ليسوا غالبية الشعب السوري وهم لا يستطيعون أن يفرضوا على الشعب السوري شيئا لا يريده. كل الإجراءات التي حصلت بعد انقلاب سامي الحناوي حصلت بموافقة الشعب السوري. الحلبيون لم يفرضوا شيئا على أحد. هم لم يرفعوا السلاح على أحد ولم يستخدموا الجيش لقمع أحد (كما فعل شكري القوتلي). هم لم ينصبوا رئيسا منهم ولم يسعوا لتأبيد هذا الرئيس في السلطة (كما فعلت الدمشقية السياسية). كل ما فعله الحلبيون هو أنهم سلموا السلطة إلى الشعب السوري.
رغم ذلك فإن مناصري الدمشقية السياسية اتهموا هاشم الأتاسي (الرئيس الحمصي المنتخب من الشعب السوري) بأنه متواطئ مع الحلبيين (كما ورد في ويكيبيديا). مناصرو الدمشقية السياسية لم يكتفوا بهذا الدجل ولكنهم تآمروا مع القوى الدولية ونفذوا انقلابا على الديمقراطية، وبعد ذلك هم زجوا الحلبيين في السجون بزعم أنهم عملاء وخونة ويقبضون الأموال من الخارج.
هل تسليم السلطة للشعب هو خيانة؟ هل الانتخابات الديمقراطية هي خيانة؟ هل تنصيب رئيس حمصي هو خيانة؟ هل تحقيق الوحدة العربية هو خيانة؟ هل تحرير فلسطين هو خيانة؟
من هو الخائن في سورية؟ أنا أتمنى من الشعب السوري أن يدرس تاريخه بشكل جدي. أنا أستغرب أن كثيرا من السوريين ما زالوا حتى يومنا هذا عبيدا لهؤلاء الخونة الذين دمروا سورية. التاريخ السوري هو مكتوب وواضح وكل إنسان يستطيع أن يقرأه ويفهمه. الأمور واضحة ولا تحتاج لعبقرية في الفهم والتحليل. من هو الذي كان مع الديمقراطية ومن هو الذي حاربها؟ من هو الذي كان مع الوحدة العربية ومن الذي حاربها؟ من الذي كان مع تحرير فلسطين ومن الذي سلم فلسطين بكاملها للصهاينة ولم يحتفظ منها بشبر واحد؟
الخبر الصحفي الذي نقله موقع سيريا نيوز نشر في زمن حكم الطاغية الشيشكلي. الخبر يلوم هاشم الأتاسي لأنه وافق على فكرة إجراء انتخابات ديمقراطية:
إننا نذكر اجتماعاً عقد في الأركان بعد الانقلاب الثاني لأجل البحث في الحالة الناشئة عنه، وكانت هناك فكرة ترمي إلى دعوة المجلس السابق وإعادة الأوضاع الشرعية للبلاد [المقصود بـ”دعوة المجلس السابق” هو دعوة مجلس الدمشقية السياسية الذي خرق الدستور وصوت لصالح إبقاء شكري القوتلي في منصبه بعد انتهاء ولايته، والمقصود بـ”إعادة الأوضاع الشرعية” هو إعادة الطاغية المنتهية ولايته شكري القوتلي الذي خلعه الشعب بسبب بيعه لفلسطين] ولكن فخامته كان من المعاكس لها، والقائلين بوجوب تشكيل وزارة جديدة تجري انتخابات جديدة [هذه هي الجريمة والخطيئة السياسية الكبرى حسب وجهة نظر المقال]، وهكذا تحققت فكرته فتشكلت وزارة ووقع عليه الاختيار ليكون رئيسها، فأصدر سامي الحناوي مرسوماً بتسمية رئيسها [جريمة سامي الحناوي هي أنه سلم السلطة إلى رئيس مدني منتخب من الشعب. كان المطلوب منه أن يفعل مثل حسني الزعيم وأديب الشيشكلي].
ما يلي هو تعليق محرر سيريا نيوز:
يقول المثل الرجوع عن الخطأ خير من التمادي فيه، والرئيس الأتاسي على الرغم من رجوعه متأخره عن خطأه إلا أنه لاقى ما لقيه من انتقاد على خياره السياسي المتسرع، ولكن ترى ماذا سيكتب مؤرخوا المستقبل عن حكام اليوم، الذين تعنتوا وتمادوا بارتكاب أخطائهم فلا هم اعتذروا عنها …. ولا هم قبلوا حتى بالتراجع عنها …. لأنهم للأسف لا يعتبرون أفعالهم المشينة بحق أوطانهم وشعوبهم أخطاء
هذا الكلام هو لشخص يدعي الديمقراطية ومعارضة بشار الأسد.
هل كاتب هذا الكلام يؤمن بالفعل بالديمقراطية؟ أم أنه مجرد متعصب؟ أنا سأفترض أنه لا يفهم ما الذي يقوله.
الإنسان يجب أن يكون واعيا ويجب ألا يقبل كل ما يقال له وكأنه مجرد غنمة. إذا تعصب كل إنسان لما وجد عليه آباءه فهذا يعني أن الصراعات ستستمر إلى الأبد ولن تكون هناك ديمقراطية.
أنا لست موهوما بمعارضي بشار الأسد. أنا أعلم أن معظمهم لا علاقة له بالديمقراطية.
الديمقراطية في سورية مسألة صعبة.
في المستقبل سوف تكون هناك الكثير من الصراعات والانقسامات.
إذا استمرت الصراعات فإن الشعب السوري لن يتقدم أبدا إلى الأمام وسيظل يدور في الحلقة المفرغة نفسها.
لاحظوا أن معظم الدول التي كانت متخلفة عن سورية باتت اليوم متقدمة على سورية. السوريون يدورون منذ حوالي ثمانين عاما في حلقة مفرغة. هم لا يتقدمون إلى الأمام ولكنهم يتراجعون إلى الخلف.