الشعوب البربرية من وجهة نظر الصينيين القدماء
القرن الثالث قبل الميلاد في الصين يعتبر نهاية عصر الحديد وبداية العصر الإمبراطوري Imperial period.
الفترة الأخيرة من عصر الحديد تسمى “فترة الدول المتحاربة” Warring States period. هذه الفترة هي عبارة عن حرب أهلية صينية انتهت في 221 قبل الميلاد بتوحيد مساحة كبيرة من الصين تحت حكم سلالة (عائلة) 秦 Qín (اللفظ العربي التقريبي “تْشْهِن”).
(ملاحظة على الهامش: هناك اعتقاد بأن اسم سلالة Qín هو مصدر كلمة “چین” الفارسية التي أنتجت كلا من كلمة “صين” العربية وكلمة China الأوروبية).

حكم سلالة Qín انتهى بسرعة وحل محله في عام 206 قبل الميلاد حكم سلالة 汉 Hàn (اللفظ العربي التقريبي “خان”) الذي دام لأربعة قرون ويعتبر العصر الأهم في تاريخ الحضارة الصينية.
أقدم الكتابات باللغة الصينية تعود إلى 1200 قبل الميلاد أثناء حكم سلالة 商 Shāng (“شانغ”). هذه السلالة هي حسب المؤرخين الصينيين ثاني سلالة إمبراطورية حكمت الصين بعد سلالة Xià. الكتابات التي تعود لهذه السلالة هي منقوشة على عظام تسمى “عظام النبوة” oracle bones (لأنها كانت تستخدم في العرافة أو التبصير divination). السلالة التالية لسلالة Shāng هي سلالة 周 Zhōu (اللفظ التقريبي “تْشُو”). حكم هذه السلالة استمر نظريا إلى زمن سلالة Qín. كثير من الكتابات التي تعود إلى زمن سلالة Zhōu هي منقوشة على أدوات مصنوعة من البرونز كانت تستخدم في طقوس دينية، ولكن في القرون الأربعة الأخيرة من زمن سلالة Zhōu بدأ الصينيون يدونون على عصي الخيزران والأخشاب (وبدرجة أقل على القماش) كتابات الفلاسفة من أمثال كونفوشيوس Confucius وأيضا بعض الكتابات التأريخية. في عصر سلالة Hàn ازدادت كثيرا الكتابة على الخيزران والأخشاب، وفي نفس هذا العصر اخترع الصينيون الورق وصاروا يكتبون عليه.

معظم الكتابات الصينية المتعلقة بالشعوب المحيطة بالصين تعود إلى العصر الإمبراطوري (الذي بدأ مع حكم سلالة Qín). قبل العصر الإمبراطوري لم يدون الكتاب الصينيون الكثير من المعلومات حول الشعوب التي لا تجاور الصين بشكل مباشر. هم مثلا لم يدونوا الكثير من المعلومات حول الشعوب الساكنة للقسم الشمالي من منغوليا (الذي يسمى “منغوليا الخارجية” Outer Mongolia). هم ربما كانوا مشغولين بالحروب الصينية الداخلية ولهذا السبب لم يركزوا كثيرا على الشعوب المحيطة بالصين.
الكتاب الصينيون الباكرون ركزوا على الشعوب التي تجاور الصينيين بشكل مباشر. هم أطلقوا على هذه الشعوب مسمى 四夷 Sì Yí. هذه الكلمة تعني حرفيا “البرابرة الأربعة” four barbarians. البرابرة الأربعة كانوا كما يلي:
- في جهة الشرق كان يوجد شعب 夷 Yí (يسمى东夷 Dōng Yí . كلمة 东 dōng تعني “الشرق”)
- في جهة الجنوب كان يوجد شعب 蛮 Mán (يسمى 南蛮 Nán Mán. كلمة 南 nán تعني “الجنوب”)
- في جهة الغرب كان يوجد شعب 戎 Róng (يسمى西戎 Xī Róng . كلمة西 xī تعني “الغرب”)
- في جهة الشمال كان يوجد شعب 狄 Dí (يسمى 北狄 Běi Dí. كلمة 北 běi تعني “الشمال”)

في الوسط كان يوجد 華夏 Huá xià، التي هي التسمية التي كان الصينيون القدماء يطلقونها على أنفسهم (معناها الحرفي هو “الذوق واللباس”، لأن الصينيين القدماء كانوا يعيبون على البرابرة سوء طباعهم وسوء لباسهم).
بالنسبة للشعب الشرقي المسمى Yí فالباحث E. G. Pulleyblank اقترح قبل حوالي عشرين سنة أن لغته كانت تنتمي للعائلة المسماة Austroasiatic.
قبل بضعة سنوات اقترح الباحث L. Sagart أن أصحاب ثقافة Dawenkou الزراعية على الساحل الشمالي الشرقي للصين كانوا يتحدثون لغة تنتمي للعائلة المسماة Austronesian.
هذه الطروحات توصلنا إلى أن متحدثي اللغة الصينية الباكرين كانوا يسكنون في المناطق الداخلية وكانوا بعيدين عن ساحل بحر الصين الشرقي. هذا هو ربما السبب الذي منع انتشار اللغة الصينية عبر البحر. حاليا اللغات المسماة Austronesian تطغى على جزر جنوب شرق آسيا. الباحثون يعتقدون أن أصحاب هذه اللغات هم الذين نشروا زراعة الأرز في جنوب شرق آسيا عبر البحر.

بالنسبة للشعب الجنوبي المسمى Mán فلغته كانت ربما تنتمي للعائلة المسماة Austroasiatic. اللغات التي كانت محكية في الصين الجنوبية تنتمي لهذه العائلة ولعائلة أخرى هي Hmong–Mien. العائلة الثانية كانت تسكن حوض نهر Yangtze والباحثون يعتقدون أن متحدثي هذه العائلة هم الذين اكتشفوا زراعة الأرز.
الشعب الغربي المسمى Róng كان على الأغلب يتحدث لغات تنتمي للعائلة الصينية-التيبتية Sino-Tibetan. بعض الباحثين يعتقدون أن جميع متحدثي لغات هذه العائلة نزلوا إلى الصين من هضبة التيبت (بما في ذلك حتى أجداد الصينيين أنفسهم في حدود 3000 قبل الميلاد).

الشعب الشمالي المسمى Dí كان ربما يتحدث لغة ألطائية (منغولية).
ماذا عن القبائل الإيرانية التي افترضنا أنها سكنت منطقة Ordos؟ هل ذكر الصينيون شيئا عنها؟
على ما يبدو فإن الصينيين الباكرين كانوا يطلقون على القبائل الإيرانية تسمية 胡 Hú (“خُو”). هذه الكلمة تعني حرفيا “ذقن” أو “شارب”، ولكن الصينيين كانوا يطلقونها على شعوب تسكن إلى الشمال منهم. ما يلي كلام للباحث John Hill حول هذه الكلمة:
The term hu 胡 was used to denote non-Han Chinese populations. It is, rather unsatisfactorily, commonly translated as ‘barbarian’. While sometimes it was used in this general way to describe people of non-Han descent, and carried the same negative overtones of the English term, this was not always the case. Most frequently, it was used to denote people, usually of Caucasoid or partial Caucasoid appearance, living to the north and west of China.
John Hill (2009), Through the Jade Gate to Rome: A Study of the Silk Routes during the Later Han Dynasty, First to Second Centuries CE.
حسب كلام هذا الباحث فإن كلمة Húكانت تطلق في الغالب على شعوب ذات مظهر قوقازاني Caucasoid تسكن إلى الشمال والغرب من الصينيين. هذا الوصف يعني الإيرانيين (وربما أيضا متحدثي اللغة التخارية).
كلمة Hú الصينية تطلق بشكل خاص على القبائل الإيرانية، ولكن من الواضح في الكتابات الصينية أن هذه الكلمة كانت تطلق أيضا على قبائل منغولانية ألطائية. على ما يبدو فإن معنى هذه الكلمة تعمم بحيث صارت تطلق على كل القبائل البدوية دون تمييز.
البدو الشرقيون
هناك مصطلح صيني لافت هو 东胡 Dōng Hú (“تُنْغ خُو”). كلمة 东 dōng تعني “الشرق”، وبالتالي معنى 东胡 Dōng Hú هو “البدو الشرقيون”.
الـ Dōng Hú هي تسمية كان الصينيون الباكرون يطلقونها على قبائل تسكن في السهل المنشوري والقسم الجنوبي الشرقي من منغوليا. بعض الباحثين يرون أن المقصود بهذه التسمية هو قبائل متحدرة من ثقافة Xiajiadian العليا التي أشرنا إليها سابقا وافترضنا أنها ثقافة المنغوليين البدائيين Proto-Mongols.
الـ Dōng Hú كان تحالفا قبليا يضم قبيلتين أساسيتين هما 鲜卑 Xiān bēi (“شْيَن بي”) و 乌桓 Wū huán (“وُو خوان”). حسب الكتاب الصيني القديم المسمى 後漢書 Hòu Hàn Shū فإن لغة وثقافة هاتين القبيلتين كانت واحدة.
بعض الباحثين يرون أن لغة الـ Dōng Hú كانت اللغة المنغولية البدائية Proto-Mongolic. بالنسبة لي هذا الطرح يبدو منطقيا. أنا افترضت سابقا أن ثقافة Slab Grave كانت تتحدث اللغة التركية البدائية Proto-Turkic. هذه الثقافة كانت معاصرة لثقافة Xiajiadian العليا التي أنتجت الـ Dōng Hú. هاتان الثقافتان كانتا متجاورتين جغرافيا وهما سلكتا نفس المسار التطوري. هما بدأتا كثقافتين زراعيتين برونزيتين على أطراف السهل المنغولي-المنشوري. في البداية هما كانتا تعتمدان على الرعي في السهل، ولكنهما لاحقا صارتا تعتمدان على الخيول للتنقل داخل السهل ومن ثم السكن فيه. هذا التحول نحو البداوة الرعوية حصل أولا في ثقافة Glazkov التي افترضنا أنها أنتجت ثقافة Slab Grave (في شمال شرق منغوليا ومنطقة بحيرة بيكال). بعد بضعة قرون نفس التطور حصل في ثقافة Xiajiadian العليا التي أنتجت الـ Dōng Hú.