التخاريون
الباحث الذي اكتشف المخطوطات التخارية في حوض تاريم (اسمه Friedrich Müller) أطلق عليها مسمى اللغة التخارية Tocharian. هو عثر على مخطوطة تركية قديمة في حوض تاريم تذكر لغة محلية اسمها twγry (توغري). هو ربط بين هذه الكلمة وبين كلمة Tókharoi التي ذكرها كتاب يونانيون كاسم لقبيلة كانت تسكن في آسيا الوسطى في القرن الثاني قبل الميلاد. بناء على هذا الربط هو أطلق مسمى Tocharian على اللغة التي اكتشفها.
ولكن هذه التسمية هي حاليا مثار جدل بين الباحثين.
الـ Tókharoi الذين ذكرهم الكتاب اليونانيون هم جزء من القبائل التي غزت مملكة باختريا اليونانية في القرن الثاني قبل الميلاد.
مملكة باختريا اليونانية Greco-Bactrian Kingdom هي إحدى الممالك التي نشأت من تفكك إمبراطورية الإسكندر المقدوني بعد وفاته. مركز هذه المملكة كان منطقة باختريا التي تقع في جنوب آسيا الوسطى (حاليا بين أفغانستان وطاجيكستان).
ما يلي خريطة من ويكيبيديا توضح موقع باختريا:

ما يلي خريطة للإمبراطورية الفارسية الأخيمنية Achaemenid تظهر فيها منطقة باختريا:

ما يلي خريطة توضح مجرى نهر Syr Darya (عند العرب “سيحون”، وعند اليونانيين Iaxartes). المنطقة التي ينبع منها هذا النهر هي منطقة سغديانا Sogdiana:
ما يلي خريطة توضح مملكة باختريا اليونانية في أقصى اتساع لها في حدود عام 180 قبل الميلاد:
في حدود عام 160 قبل الميلاد بدأت مجموعة من القبائل البدوية باقتحام أراضي مملكة باختريا اليونانية من جهة الشمال. هذه القبائل استمرت في التقدم حتى قضت نهائيا على مملكة باختريا في حدود عام 120 قبل الميلاد. هذه القبائل استمرت في التقدم بعد ذلك جنوبا نحو الهند. القبائل التي وصلت إلى الهند تسمى Indo-Scythians.
الشكل التالي يوضح امتداد القبائل الإسقوثية جنوبا نحو الهند:
هذا الشكل فيه عدة مغالطات تاريخية، ولكن المفيد فيه هو أنه يبين تمدد القبائل الإيرانية نحو شمال غرب الهند. هذه القبائل أسست لاحقا مملكة تسمى Kushan. ما يلي خريطة هذه المملكة:
حسب الكاتب اليوناني إسطرابون فإن أهم القبائل التي شاركت في غزو باختريا هي Ásioi و Pasianoì و Tókharoi و Sakárauloi.
الشكل التالي يوضح تمدد هذه القبائل في المملكة الباخترية. هذه القبائل تمددت أيضا في المملكة الفارثية Parthian Empire (الدولة الفارثية هي دولة إيرانية نشأت بعد انهيار الدولة الأخيمنية الفارسية بسبب غزو الإسكندر. مركز هذه الدولة كان منطقة Parthia في شمال شرق إيران. هذه الدولة تعرف أيضا باسم الدولة الأرشكية Arsacid نسبة إلى مؤسسها).
في شمال أفغانستان حاليا توجد ولاية اسمها “تَخار”. ما يلي موقعها:
كلمة “تخار” لها علاقة بكلمة “تخارستان” التي كانت تطلق في السابق على منطقة باختريا. هناك اعتقاد بأن هذه الكلمة لها علاقة باسم قبيلة Tókharoi التي ذكرها اليونانيون.
قصة تمدد القبائل الإيرانية إلى مملكة باختريا ومن ثم إلى الهند هي في رأيي نموذج يساعدنا على تخيل كيفية تمدد الهندو-الآريين Indo-Aryans إلى الهند في الألفية الثانية قبل الميلاد.
حضارة BMAC (التي تسمى أيضا “حضارة نهر سيحون” Oxus civilization) كانت موجودة في نفس موقع مملكة باختريا اليونانية. هذه الحضارة انهارت في حدود 1800 قبل الميلاد، وبعد ذلك ببضعة قرون انهارت أيضا حضارة وادي السند Indus Valley Civilization (حضارة برونزية مهمة كانت موجودة في شمال غرب الهند قبل وصول الهندو-آريين). ما هو سبب انهيار هذه الحضارات؟ السبب على ما يبدو هو اقتحام القبائل البدوية الهندو-إيرانية القادمة من جهة آسيا الوسطى. هذا الاقتحام كان تدريجيا. في البداية القبائل الهندو-إيرانية استقرت في BMAC (وفي هذه الحضارة نشأت ربما اللغة الهندو-آرية البدائية Proto-Indo-Aryan). بعد ذلك تمددت هذه القبائل مجددا نحو وادي السند. هذا النموذج التدريجي هو شبيه بالنموذج الذي حصل لاحقا في القرون الأخيرة قبل الميلاد والذي دونه اليونانيون والصينيون. هذا النموذج التدريجي فيه رد على طروحات المشككين الذين يقولون أن الأدلة الأثرية لا تظهر حصول اقتحام للهند من جهة آسيا الوسطى. اقتحام الهندو-آريين للهند لم يكن مباشرة من آسيا الوسطى. هم في البداية استقروا في شرق الهضبة الإيرانية، وبعد ذلك بعدة قرون نزلوا إلى الهند.
هل كان التخاريون يتحدثون التخارية؟
في الأعلى ذكرنا باختصار قصة التخاريين كما وردت في المصادر التاريخية. التخاريون كانوا جزءا من القبائل التي غزت الهضبة الإيرانية والهند قادمة من آسيا الوسطى في القرن الثاني قبل الميلاد.
الأدلة الكتابية التي خلفتها هذه القبائل في المناطق التي غزتها تظهر أنها كانت تتحدث لغات إيرانية (خاصة اللغة المسماة بالباخترية Bactrian). لهذا السبب بعض الباحثين يرفضون إطلاق تسمية “اللغة التخارية” على مخطوطات اللغة الهندو-أوروبية المجهولة التي عثر عليها في حوض تاريم. هم يقولون أن التخاريين كانوا يتحدثون لغة إيرانية.
إذا كانت لغة التخاريين إيرانية فمن هم إذن أصحاب اللغة غير الإيرانية التي كانت محكية في حوض تاريم؟
ما يلي هو الجواب الذي طرحه البعض:
http://www.utexas.edu/cola/centers/lrc/eieol/tokol-0-X.html
What is clear is that toxrï is the name of Tocharian from the point of view of the Turkic people. This term, however, does not appear in the Tocharian languages themselves. In Tocharian A we find ārśi as a term likely denoting the Tocharians themselves. In Tocharian B we find the adjective kuśiññe, derived from kuśi (also kuci), the name of a dynasty and state also known from Chinese documents. The Turkic people also mention a language küšän (also küsän) from the Tarim Basin. One bilingual document listing first Sanskrit and then Tocharian B has the pair tokʰarikaḥ : kucaññe iṣṭʰake, but this is not as helpful as one would hope, since tokʰarika (Gk. To’kʰaroi ?) is not the name of any known people.
حسب هذا الكلام فإن المخطوطات التخارية تُبين أن أصحابها كانوا يسمون أنفسهم باسمين، الاسم الأول هو Ārśi ، والاسم الثاني هو Kusi أو Kusan أو Kušan. الاسم الثاني ورد في الكتابات الصينية (Gūshī) كتسمية لشعب يعيش في حوض تاريم ويعمل في الزراعة والرعي.
ولكن رغم ذلك فإن الأتراك كانوا يسمون أصحاب اللغة التخارية باسم toxrï. أنا لا أدري ما هو تفسير ذلك، ولكن من الممكن أن التخاريين (الذين هم إيرانيون) كانوا يهيمنون على منطقة حوض تاريم، ولهذا السبب أطلق الأتراك تسمية toxrï على جميع سكان هذه المنطقة، بما في ذلك متحدثي اللغة المسماة بالتخارية.
مصادر
- J. P. Mallory, D. Q. Adams (2006), The Oxford Introduction to Proto-Indo-European and the Proto-Indo-European World
- Colin P. Masica (1991), The Indo-aryan Languages
- The Cambridge Ancient History
- Microsoft Encarta 2009
- Wikipedia, The Free Encyclopedia