عن الأتارب والخريين

كانت لدي نية في السابق لكي أكتب سلسلة مقالات عن تاريخ سوريا الكبرى والعراق، وأنا كتبت بالفعل بعض المقالات ولكنني أجلت نشرها.

من الأمور التي وددت أن أتحدث عنها في هذه المقالات أصل أسماء بعض البلدات في شمال سوريا.

أنا أخشى أن تمضي السنون دون أن يتاح لي الوقت لنشر الأمور التي كتبتها. لهذا السبب سوف أتحدث الآن بشكل وجيز عن أصل كلمة “الأتارب”.

المستشرق الأميركي M. C. Astour (الذي توفي قبل عدة سنوات) هو من أكثر من بحثوا في أصول أسماء بلدات شمال سوريا. حسب كلام هذا الباحث فإن أصل كلمة “الأتارب” يعود إلى اللغة الخرّية Hurrian.

الخرّيون (اسمهم باللغة الأكدية هو Ḫurriyū > Ḫurrû*) هم أحد الشعوب الكبرى التي كانت تسكن قديما في الشرق الأوسط.

في رأيي أن الخرّيين يمكن أن يوصفوا بعبارة “أكراد عصر البرونز”، لأنهم كانوا يسكنون في نفس المناطق التي يسكنها الأكراد حاليا، وكثير من خصائصهم وصفاتهم تشبه خصائص وصفات الأكراد.

عندما كنت أقرأ قصص الخرّيين كنت أشعر بوجود شبه بينهم وبين الأكراد المعاصرين. هذا يعود ربما إلى كونهم يسكنون في نفس المنطقة ونفس البيئة.

الخرّيون انقرضوا في نهاية عصر البرونز (تقريبا في 1000 قبل الميلاد) وبعد ذلك ظهر مكانهم الأكراد المعروفون حاليا.

الخريون خلفوا وراءهم العديد من الآثار، وأهم ما خلفوه هو الألواح المسمارية المكتوبة بلغتهم (لغتهم وردت أيضا في كتابات أبجدية عثر عليها في أجاريت).

لغتهم ليس لها علاقة بأية لغة موجودة حاليا. هي لغة قديمة كانت محكية في الشرق الأوسط في عصور سحيقة.

رغم أن الخريين انقرضوا تماما قبل حوالي 3000 عام إلا أن لغتهم ما زالت موجودة في يومنا هذا في أسماء بعض القرى والبلدات.

هذا من الأمور التي لطالما أثارت في نفسي شعورا غريبا.

في الحقيقة هناك أسماء بلدات تعود إلى شعوب أقدم حتى من الخريين. أتمنى أن تتاح لي الفرصة للحديث عنها مستقبلا.

بالنسبة للأتارب فاسمها ورد في الألواح الآشورية على هذه الصورة Ellitarbi.

هذا الاسم كتب لاحقا بالأحرف اليونانية هكذا Litarba.

في اللغة السريانية هذا الاسم كان يلفظ هكذا Līṯāriḇ (لِيثارِڤ) (التاء كانت تلفظ ثاء، والباء كانت تلفظ بصوت قريب من v، وذلك وفق قاعدة التضعيف أو spirantization التي كانت معتادة في لغات سوريا الكبرى خلال القرون الميلادية الباكرة).

المرحوم Astour تساءل عما إذا كانت هناك علاقة بين كلمة Ellitarbi وكلمة Intarue التي ظهرت في ألواح مدينة Alalaḫ. من المحتمل أن أصل هذه الكلمة هو Intar، و ue- هي لاحقة خرّية.

الخريون كان لهم تواجد مهم في شمال سوريا منذ عصر البرونز الأوسط (الذي بدأ تقريبا في 2000 قبل الميلاد). هم كانوا يسكنون تقريبا في نفس المناطق التي يسكنها الأكراد حاليا.

هناك أدلة على أن الخريين هم الذين دمروا مملكة Ebla الأمورية، وذلك قبل الغزو الحتي لشمال سوريا.

قوة الخريين الموجودين في سوريا والجزيرة ازدادت كثيرا في عصر البرونز المتأخر. في ذلك الزمن كانت توجد لهم مملكة كبيرة تسمى Mitanni.

مركز مملكة Mitanni كان منطقة نهر الخابور (محافظة الحسكة حاليا). هذه المملكة كانت خرية، ولكن السلالة الحاكمة فيها كانت من أصل أجنبي (على الأغلب أنها أتت من شمال شرق إيران).

هذه الحضارة الكبيرة اختفت تماما ولم يبق لها أثر سوى في بعض أسماء المواضع. اسم بلدة “الأتارب” هو أحد هذه الآثار التي خلفها الخريون القدماء.

إضافة: الخرّيون هم الحوريون

الكتاب العرب يطلقون في الغالب مسمى “الحوريين” على الخريين الذين تحدثت عنهم في الأعلى.

كلمة Ḥôrî (حوري) هي تسمية وردت في الكتاب اليهودي، وكثيرون يعتقدون أن المقصود بها هم الخريون.

الكتاب اليهودي يعود إلى عصر الحديد (الألفية الأخيرة قبل الميلاد). في هذا الزمن كانت كثير من اللغات المحكية في سوريا الكبرى قد فقدت التمييز بين حرفي الخاء والحاء. الكتابة العبرية ليس فيها تمييز بين هذين الحرفين (كلاهما يكتبان حاء).

الكتابات الأقدم (التي تعود لعصر البرونز) كانت تميز بين حرفي الخاء والحاء. في هذه الكتابات يتبين أن اسم الخريين يبدأ بالخاء وليس بالحاء. على سبيل المثال، في كتابات أجاريت ورد اسمهم هكذا Ḫry (خري). لو كان اسم الخريين يبدأ بالحاء لكان بالإمكان تبيان ذلك في الكتابة الأجاريتية، لأن الأبجدية الأجاريتية تميز بين الخاء والحاء.

أيضا الكتابات الأكدية المسمارية تدل على أن اسم الخريين كان يبدأ بالخاء وليس بالحاء.

نفس الأمر ينطبق على تسمية الحتيين في الأناضول. الكتابات الأكدية والأجاريتية تدل على أن اسمهم كان يبدأ بالخاء وليس بالحاء (في الكتابة الأجاريتية Ḫt). الكتابة الصحيحة لاسم الحتيين يجب أن تكون “الختيين”.

أنا أنوي في المستقبل أن أكتب مقالا أبين فيه أن اسم مدينة حلب كان في الأصل يلفظ بالخاء وليس بالحاء. لفظ حلب بالحاء هو لفظ متأخر يعود إلى عصر الحديد.

بالنسبة لمد صوت العلة في المقطع الأول من كلمة Ḥôrî العبرية فهو مجرد تعويض عن إزالة الشدة عن الراء Ḫurr > Ḥōr*. هذه الظاهرة تحدث بانتظام في اللغة العبرية المتأخرة في المقاطع التي تنتهي بالراء أو بحرف حلقي.

الخلاصة هي أن كلمة “حوريين” هي مجرد لفظ عبري متأخر لكلمة “خرّيين” (بضم الخاء وتشديد الراء).

هذا المقال يفتقد لذكر المصادر، وبالتالي هو ليس مقالا علميا. أعتذر عن ذلك ولكنني أكتب على عجل. في المستقبل سوف أكتب مقالات أوضح فيها مصادر معلوماتي بشكل أفضل.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s