ما هو أصل كلمة “محافظ”؟

من الأمور التي حيرتني هي كلمة “محافظ” التي يطلقها بعض العرب على مسؤول إداري وظيفته إدارة منطقة ما تحت إشراف الحكومة المركزية.

أنا نظرت في أكثر من مكان ولم أجد ما يبين أصل هذه الكلمة. كل المصادر تكتفي بالقول بأنها مشتقة من الجذر العربي “حفظ”.

هي على الأغلب كلمة حديثة. أنا لا أظن أنها كانت مستخدمة قبل القرن 19.

معظم الكلمات العربية الجديدة التي ظهرت في القرنين 19-20 هي مجرد ترجمات لكلمات أوروبية.

لهذا السبب أنا لطالما اعتقدت أن كلمة “محافظ” هي مجرد ترجمة لكلمة أوروبية.

المشكلة هي أنه لا توجد كلمة أوروبية تحمل المعنى الحرفي لكلمة “محافظ”.

أنا لدي نظرية وهي أن كلمة “محافظ” ربما تكون نتجت من ترجمة خاطئة لكلمة préfet الفرنسية.

كلمة préfet كانت قديما تكتب هكذا præfect في كل من اللغتين الفرنسية والإنكليزية. لاحقا هذه الكلمة صارت تكتب بالفرنسية هكذا préfet وبالإنكليزية هكذا prefect.

أصل هذه الكلمة يعود للكلمة اللاتينية praefectus. في روما القديمة هذه الكلمة كانت تعني “موظف حكومي”. الـ praefectus كانت مرتبة أدنى من الـ magistratus. مرتبة الـ magistratus هي شبيهة نوعا ما بمرتبة الوزير في الحكومات المعاصرة، رغم أن الـ magistratus كان يؤدي أيضا دور القاضي في مجال اختصاصه.

حسب ويكيبيديا الفرنسية فإن وظيفة الـ préfet بشكلها المعاصر ظهرت لأول مرة في عهد نابوليون بونابرت في بداية القرن 19. الـ préfet في فرنسا المعاصرة هي وظيفة شبيهة جدا بوظيفة المحافظ في الكيان السوري. الـ préfet هو عبارة عن موظف تابع لوزارة الداخلية يتم تعيينه أو عزله بناء على مرسوم صادر عن رئيس الجمهورية الفرنسية. الوظائف التي يؤديها الـ préfet هي شبيهة بوظائف المحافظ في الكيان السوري.

المنطقة الجغرافية الواقعة تحت سلطة préfet معين تسمى préfecture. مفهوم الـ préfecture هو شبيه بمفهوم “المحافظة” في الكيان السوري.

كلمة préfecture تطلق أيضا على المقر الذي يقيم فيه الـ préfet. نفس هذا الأمر هو موجود في الكيان السوري حيث أن مقر المحافظ يسمى “محافظة”.

هناك أوجه شبه عديدة بين الـ préfet وبين “المحافظ”. لهذا السبب أنا لدي شعور بأن المحافظ هو مجرد تعريب للـ préfet.

السؤال هو لماذا ترجمت كلمة préfet إلى “محافظ”؟

كلمة praefectus اللاتينية هي اسم مفعول passive participle مأخوذ من الفعل praeficere. هذا الفعل هو مركب من الظرف prae الذي يعني “أمام” والفعل facere الذي يعني “العمل”. إذن معنى الفعل praeficere هو “التقدم للعمل”. كلمة praefectus تعني “من قُدِّم للعمل”.

ما هي العلاقة بين هذا المعنى وبين معنى كلمة “محافظ”؟

لا توجد علاقة. لهذا السبب أنا أظن أن كلمة “محافظ” ربما تكون ترجمة خاطئة لكلمة préfet سببها التشابه بين هذه الكلمة وبين كلمة parfait التي تعني “كامل”.

نفس هذا التشابه هو موجود في اللغة الإنكليزية بين كلمة prefect وبين كلمة perfect. الكلمة الأولى لها نفس أصل كلمة préfet الفرنسية، والكلمة الثانية تعني “كامل”.

ما يبدو لي هو أن أحد المتعلمين العرب في القرن 19 توهم وجود علاقة لغوية بين كلمتي préfet/prefect و parfait/perfect، وبناء على هذا الوهم هو ترجم الكلمة الأولى إلى “محافظ”. هناك علاقة في المعنى بين الجذر العربي “حفظ” وبين كلمة parfait/perfect الأوروبية.

مثل هذه الترجمة الخاطئة هي ليست أمرا نادرا في اللغة العربية المعاصرة. هناك العديد من الكلمات العربية المعاصرة التي نشأت بسبب ترجمة خاطئة لكلمات أوروبية.

كلمة “محافظ” ليس لها أصل في الثقافة العربية سواء من الناحية اللغوية أو حتى من الناحية الإدارية والحكومية. العرب قديما كان لديهم ولاة. صلاحيات الولاة كانت أوسع من صلاحيات “المحافظين” الموجودين حاليا في الكيان السوري.

من العجيب أن الأتراك ما زالوا حتى يومنا هذا يستخدمون كلمة والي vali العربية، وأما الكيان السوري فهو أنف من استخدام هذه الكلمة وفضل بدلا من ذلك أن يستخدم ترجمة خاطئة لكلمة أوروبية.

هناك الكثير من الأمور الأخرى التي اقتبسها حكام الكيان السوري من فرنسا. مثلا من الأمور التي حرصوا على اقتباسها مسألة تركيز الدولة في العاصمة.

منطقة باريس (التي تسمى “جزيرة فرنسا” Île-de-France) تتمتع بهيمنة كبيرة على الدولة الفرنسية من كل النواحي. هذه المنطقة هي المركز السياسي والاقتصادي والثقافي لفرنسا.

حكام الكيان السوري أرادوا أن يستنسخوا تجربة باريس (وغيرها من عواصم العالم الكبرى) وأن يطبقوها على مدينة دمشق. مثلا هم تحدثوا عما أسموه بـ “منطقة دمشق الكبرى”. هذه المنطقة من وجهة نظرهم هي منطقة ذات وضع خاص في سورية.

طبعا من الناحية التاريخية “منطقة دمشق الكبرى” ليس لها أصل على الإطلاق. مدينة دمشق تاريخيا لم تكن تتمتع بهيمنة إدارية أو اقتصادية أو ثقافية على سورية كما هو حال باريس في فرنسا أو لندن في بريطانيا أو القاهرة في مصر أو بغداد في العراق. مدينة دمشق هي ليست مدينة “كبرى” إذا كان المقصود بكلمة “كبرى” هو وضع شبيه بوضع العواصم المذكورة. مدينة دمشق كانت في معظم عصور التاريخ أقل أهمية من مدينة حلب. في معظم فترات العصر العثماني كانت مدينة حلب هي المدينة الأكبر والأهم في سورية. لهذا السبب كانت القنصليات والشركات الأوروبية موجودة في حلب وليس في دمشق. دمشق لم تكتسب أهمية كبيرة في سورية إلا في القرن 19 بعد المصائب الكبيرة التي ألمت بحلب في ذلك القرن (ولكن طبعا كل تلك المصائب لا تساوي شيئا أمام المصائب التي حصلت في عصر الكيان السوري).

حتى في عصر الكيان السوري فإن مدينة دمشق لم تنجح في أن تكون أكبر من حلب. من المفاجآت التي اكتشفتها في السنوات السابقة للثورة السورية أن مدينة حلب هي الأكبر في سورية من حيث عدد السكان.

فكرة “دمشق الكبرى” هي مجرد خرافة. حكام الكيان السوري كانوا يعملون منذ إنشاء الكيان على تحويل هذه الخرافة إلى حقيقة. هم كانوا يسعون بكل الطرق الممكنة لتكبير وتعظيم دمشق بحيث تتحول إلى “عاصمة تاريخية” على غرار باريس ولندن والقاهرة وبغداد. هم اعتقدوا أن التاريخ يمكن صنعه بالمال المسروق والصلاحيات المنهوبة والدعايات الكاذبة. ولكن رغم كل محاولاتهم فإن دمشق لم تنجح في التحول إلى “دمشق الكبرى” على النحو الذي توهموه في رؤوسهم، بدليل أن مدينة حلب كانت أكبر من دمشق قبل التدمير الذي أصاب حلب مؤخرا.

الكيان السوري هو أحد أسوأ الكيانات السياسية التي قرأت عنها في حياتي. هذا الكيان هو قائم من أساسه على الأكاذيب والخرافات، وكل كلامه وشعاراته هي مجرد أكاذيب وخرافات، وكل سياساته وتصرفاته هي مبنية على أكاذيب وخرافات.

بعض الناس (ذوي المعرفة السطحية) ربما يستغربون الدمار الشامل الذي أصاب هذا الكيان في السنوات الأخيرة. أنا أحاول أن أوضح أسباب هذا الدمار. الأسباب هي عميقة ولا تنحصر في الخلاف حول رئاسة الجمهورية. هناك الكثير من الدول التي شهدت خلافات حول رئاسة الجمهورية، ولكن تلك الدول لم تنهر وتتحلل كما حصل للكيان السوري.

الكيان السوري هو من أساسه كيان مصطنع مبني على الخرافات والأكاذيب. هو أسوأ من الكيان الصهيوني. الكيان الصهيوني هو أيضا مبني على الأكاذيب، ولكن بين الأكاذيب الصهيونية يمكن أن نجد بعض الحقيقة. بالنسبة للكيان السوري فلا توجد تقريبا أية حقيقة. كل شيء يتعلق بهذا الكيان هو كذب.

هو يوصف بأنه جمهورية، ولكنه لم يكن يوما جمهورية.

هو يوصف بأنه قومي عربي، ولكنه المسؤول الأول عن تدمير القومية العربية.

هو ادعى السعي لتحرير فلسطين، ولكنه أول من باع فلسطين.

هو ادعى الاستقلالية، ولكنه في أغلب فترات عمره كان تابعا للغرب.

هو ادعى بأنه كيان قديم، ولكنه نشأ لأول مرة في عام 1925 بناء على مرسوم صادر عن ضابط فرنسي.

عاصمته وصفت بأنها عاصمة تاريخية، ولكنها أصبحت عاصمة لأول مرة في عام 1925 بناء على مرسوم صادر عن ضابط فرنسي.

عاصمته وصفت بأنها “منطقة كبرى”، ولكنها كانت حتى بداية عام 2011 أصغر من مدينة مهمشة تقع قرب الحدود التركية هي حلب.

عاصمته وصفت بأنها أقدم مدينة في التاريخ، ولكن الدلائل الأثرية تبين أن الكثير من المدن السورية الأخرى (خاصة حلب) هي أقدم منها.

لا أدري ما هو الشيء الحقيقي فيما يتعلق بهذا الكيان. كل شيء في هذا الكيان هو كاذب وتافه.

انهيار هذا الكيان لا يسبب لي الأسى، ولكن ما يسبب لي الأسى هو المعاناة التي تعرض لها سكان هذا الكيان أثناء حياته وأثناء موته أيضا.

رأي واحد حول “ما هو أصل كلمة “محافظ”؟

  1. بسم الله الرحمن الرحيم.. رغم أنني أوافقكك بشكل شبه تام على التحليل العميق لما وقع وكيف وقع، لكني أختلف معك حتى النخاع في التفسير والتبرير للغايات وفي التقييم للواقع السوري الذي عرفناه بعد سايكس بيكو فكل دولنا هي سايكسبيكيات في المعنى القُطري لكنها أقاليم مرتبطة جذريا بالتاريخ وفي الجغرافيا وفي السيرورة السياسية لتاريخ الأمة العربية الحضاري والسياسي والديني، فما وقع من مقاربات آل الأسد كما تطرحه أنت صحيح ولكنهم قوم رفعوا راية أو شعار حق يراد به باطل ولهذا فشلوا عندما توسلوا الظلم والقهر لترسيخ أنفسهم كحكام بالمطلق، ولو أنهم صدقوا مع الشعب وحافظوا على سورية من تشويه هويتها العربية المسلمة من الرجس الصفوي الإيراني وغير الإيراني وليس الإكتفاء بالتحذير ومحاربة الفكر الوهابي الذي تتبناه الدولة السعودية الذي نتحفظ كثيرا عليه بشكل عام ونفهم كيف تتوسله الدولة السعودية ولعله فكرا فقهيا يناسب المناطقية النجدية وليس بالضرورة مناسبا لأقاليم أخرى من أقاليم الأمة، ولو أنهم أيضا حافظوا على سورية من التغول الباطني والإستقواء بالأجنبي ممثلا بالدرجة الأولى بتل طهران لما حدث ما حدث ولكانت دمشق بالفعل كبرى وهي عاصمة التاريخ بلا ريب وهي مسرح الأحداث الكبرى التي تضطرب الآن والآتية بالفعل!.. أفلم يكفي أن المسيح عليه السلام سينزل من السماء إلى دمشق على المنارة الشرقية في الغوطة!..

    يا أستاذ هاني لا شك عندي بأن لديك فكرا يستحق أن يقرأ وفيه الكثير من وجهات النظر المفيدة لكنك من وجهة نظري لسبب ما أغفلت عناصر أخرى تصنع الحقيقة والتاريخ بل هي الأخطر وهي المحركة لوجدان وعواطف الأمم وصانعة للحماسة القومية والوطنية التي كونت الحركات السياسية عبر التاريخ!..

    إقرأ معي ما يلي:

    “قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة وإلى جانب مدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الشام) صحيح الإمام أحمد. … وفي رواية ثانية سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول (يوم الملحمة الكبرى، فسطاط المسلمين بأرض يقال لها: الغوطة، فيها مدينة يقال لها: دمشق خير منازل المسلمين يومئذ) صحيح (أبو داود وأحمد والحاكم).
    …الفسطاط: المدينة التي فيها مجتمع من الناس – وكل مدينة فسطاط.

    10- قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق) صحيح (رواه مسلم وأبو داود والترمذي وأحمد).

    11- قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (ينزل عيسى بن مريم عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق عليه ممصرتان، كأن رأسه يقطر منه الجُماه) صحيح أحمد ومعنى الممصرة من الثياب التي فيها صُفرة خفيفة.

    عن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” ينزل عيسى
    بن مريم عليهما السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ” . قلت : حديث صحيح ، وأخرجه الطبراني (
    المعجم الكبير رقم590 ج1 ص186 ورقم440 ج19 ص196).

    أو بعد ما قرأناه آنفا وما تعيشه حاضرا يبقى لدى المرء شك في المستقبل وفي حقيقة الكينونة السورية/الشامية!؟..

    استمتعت كثيرا بأفكارك فهي تحرض على التفكير بالفعل لكني أحزن كثيرا لأنك لم ترى في هذا “الكيان” إن كنت تقصد سورية الدولة إلا القبح في خاتمة مقالك وأحزن كثيرا معك ومع الملايين ويعلم الله لما وقع وما سوف قد يقع ولا حول ولا قوة إلا بالله.. احترامي.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s