في المقال الأخير من هذه السلسلة تحدثت عن أنواع الحركة الانتقالية locomotion لدى الحيوانات، وبينت أن نوع الحركة الانتقالية الذي كان سائدا لدى الفقاريات البدائية هو الحركة التموجية undulatory locomotion. عندما ظهرت الفقاريات رباعية الأرجل tetrapods ظهر نوع جديد من الحركة الانتقالية يعتمد على الأطراف المُمَفْصلة jointed limbs. الحركة الانتقالية بواسطة الأطراف الممفصلة تشمل مثلا حركات المشي والركض والقفز والخفق بالأجنحة.
تنفيذ الحركة الانتقالية التموجية يعتمد على العضلات الباسطة المحوريةaxial extensor muscles التي يؤدي تقليصها إلى بسط الجسم. في مقالات سابقة بينت أن هناك أنوية في التشكل الشبكي reticular formation في الدماغ الخلفي (hindbrain) rhombencephalon يؤدي تنشيطها إلى تقليص أو إرخاء العضلات الباسطة المحورية. هذه الأنوية هي ما يلي:
- النواة الشبكية عملاقة الخلايا gigantocellular reticular nucleus (في النخاع المستطيل)
- النواة الشبكية الجسرية الذيلية caudal pontine reticular nucleus (في الجسر الذيلي)
- النواة الشبكية الجسرية الفموية oral pontine reticular nucleus (في الجسر المنقاري)
هذه الأنوية ترسل أليافا نازلة نحو القرنين البطنيين للحبل الشوكي عبر الطريق الشبكي-الشوكي reticulospinal tract. من خلال هذه الألياف يمكن لهذه الأنوية أن تثير أو تثبط الخلايا المحركة الجسمانية somatic motor المسؤولة عن تقليص العضلات الباسطة المحورية.
في المقال الأخير تحدثت عن النواة الحمراء كبيرة الخلايا magnocellular red nucleus الموجودة في القسم المنقاري من الدماغ الأوسط rostral midbrain. هذه النواة ترسل أليافا نازلة نحو القرنين البطنيين للحبل الشوكي عبر الطريق الأحمر-الشوكي rubrospinal tract. هذه الألياف تصل لدى القطط (وغيرها من الثدييات) نحو القسم القَطَني lumbar من الحبل الشوكي حيث توجد الخلايا المحركة الجسمانية المسؤولة عن تقليص عضلات الطرفين الخلفيين (الرجلين)، ولكنها لدى البشر لا تنزل أبعد من القسم الرَقَبيcervical من الحبل الشوكي حيث توجد الخلايا المحركة الجسمانية المسؤولة عن تقليص عضلات الطرفين الأماميين أو العلويين (الذراعين). بعض الباحثين يعتقدون أن النواة الحمراء كبيرة الخلايا هي مسؤولة عن الحركة الانتقالية بواسطة الأطراف الممفصلة. الضمور الذي أصاب هذه النواة وأليافَها لدى البشر ربما يعود إلى تغير طريقة الحركة الانتقالية بواسطة الأطراف الممفصلة لدى البشر: البشر يعتمدون على المشية ثنائية القدم bipedal وليس المشية رباعية القدمquadrupedal كبقية الفقاريات رباعية الأرجل (للمزيد من المعلومات حول النواة الحمراء راجع المقال السابق).
إيقاع الحركة الانتقالية
أحد العناصر المهمة للحركة الانتقالية لدى الفقاريات هو الإيقاع rhythm. من يراقب الحركة الانتقالية التموجية أو الحركة الانتقالية بواسطة الأطراف الممفصلة سوف يلاحظ أن هذه الحركات هي حركات إيقاعية rhythmic، بمعنى أنها تتكون من حركات تتكرر باستمرار.
الحركة التموجية هي عبارة عن تكرار لحركة شبيهة بالموجة الجيبية sine wave (ومن هنا جاءت تسميتها بالحركة التموجية).

تردد الموجة الجيبية frequency يساوي حاصل قسمة السرعة التي تنتقل بها الموجة (سرعة الطور phase velocity) على طول الموجة wavelength.
حركة المشي هي عبارة عن تكرار لحركة تسمى الخطوة step. الباحثون يقسمون “حلقة الخطو” step cycle إلى طورين:
- طور الوقوف stance phase أو طور البسط extension phase (عندما تكون القدم ملامسة للأرض)
- طور التأرجح swing phase أو طور الثني flexion phase (عندما تكون القدم غير ملامسة للأرض)
هذه الصورة المتحركة تبين حركة المشي لدى الفيل:
الباحثون يقيسون حركة المشي في العادة بناء على حركة الطرف الخلفي الأيسر. عندما يكمل الطرف الخلفي الأيسر حلقة الخطو (طور الوقوف + طور التأرجح) فإن هذه تعتبر مشية كاملة. إذن لو أردنا أن نقيس تردد المشي لدى كائن ما فيجب علينا أن نقيس الزمن الذي تستغرقه حلقة الخطو للطرف الخلفي الأيسر.
الباحثون لاحظوا أن تردد أو سرعة المشي يعتمد في الأساس على الفترة الزمنية التي يستغرقها طور الوقوف. طور التأرجح هو عموما ثابت ولا يتغير كثيرا سواء كانت المشية سريعة أم بطيئة. ما يتغير في الأساس هو طور الوقوف. المشي السريع أو الركض يتم عبر تقليص الفترة الزمنية التي يستغرقها طور الوقوف.
الحركة الانتقالية الشوكية
الباحثون لاحظوا منذ القرن 19 أن الحبل الشوكي هو قادر بمفرده على إنتاج حركة المشي، دون تدخل من الدماغ.
هذا الاكتشاف ظهر من التجارب على الحيوانات “المُشَوَّكة” spinalized. المقصود بكلمة “التشويك” spinalization هو فصل الدماغ عن الحبل الشوكي. الحيوان الذي تم قطع دماغه بالكامل بحيث لم يبق من جهازه العصبي المركزي سوى الحبل الشوكي يسمى حيوانا مُشَوَّكًا spinalized.
الباحثون لاحظوا أن الحيوانات المشوكة تستطيع أن تمشي. هم حفزوا الأطراف الخلفية لحيوانات مشوكة وهذا أدى لتحركها على نحو شبيه بالمشي. لهذا السبب الباحثون رأوا أن حركة المشي هي منعكس شوكي.
الكلام التالي مأخوذ من كتاب نشر في عام 1879 للمؤلف Michael Foster:
. . . the [spinal] cord contains a number of more or less complicated mechanisms capable of producing, as reflex results, co-ordinated movements(?) altogether similar to those which are called forth by the will. Now it must be an economy to the body, that the will should make use of these mechanisms already present, by acting directly on their centers, rather than it should have recourse to a special apparatus of its own of a similar kind.
Cited in Wilfrid Jänig (2006), The Integrative Action of the Autonomic Nervous System
في القرن العشرين تبين أن الحركة التموجية للفقاريات البدائية (مثلا سمكة اللامبري lamprey) يمكن أيضا أن تنتج من الحبل الشوكي دون تدخل الدماغ. التجارب على سمكة اللامبري “المُشَوَّكة” أثبتت ذلك.
إذن حركتا التموج والمشي هما مزروعتان في الحبل الشوكي على نحو شبيه بالمنعكسات الشوكية، ولكن الباحثين حاليا (حسب علمي) لا يصنفون هاتين الحركتين ضمن المنعكسات الشوكية. السبب الأساسي لذلك هو أن هاتين الحركتين هما حركتان إيقاعيتان بخلاف المنعكسات الشوكية البسيطة.
المنعكس الشوكي البسيط هو عبارة عن دارة circuit. لكي يحدث رد الفعل لا بد من أن يكون هناك فعل. الفعل الواحد ينتج رد فعل واحدا. لكي يتكرر رد الفعل لا بد من تكرار الفعل.
منعكسا التموج والمشي لا يعملان بهذه الطريقة. لو قمنا بتنشيط هذين المنعكسين فإنهما سيظلان ناشطين بعد انقطاع المؤثر الحسي الذي أدى لتنشيطهما. هذا يدل على وجود إيقاع ذاتي أو أوتوماتيكي لهذين المنعكسين.
الباحثون حاليا يعتقدون أن هناك شبكات عصبية في الحبل الشوكي (مكونة من خلايا ربطية interneurons) تقوم بتوليد إيقاع التموج والمشي. هذه الشبكات لا تحتاج لمؤثر حسي لكي تستمر في العمل، أي أنها تولد الإيقاع بشكل ذاتي أو أوتوماتيكي.
بعض المؤلفين (Wilfrid Jänig) أطلقوا على هذه الشبكات مسمى “البرامج المحرّكة الشبكية” spinal motor programs، ولكن التسمية التي ترد في غالبية المصادر هي “مولدات النمط المركزية” central pattern generators.
المقصود بمولد النمط المركزي هو شبكة عصبية قادرة على توليد إيقاع تلقائي دون الحاجة لمؤثر حسي. أهم مولدات النمط المركزية لدى الفقاريات هي ما يلي:
- مولدات نمط الحركة الانتقالية locomotion pattern generators (في الحبل الشوكي)
- مولدات نمط التنفس respiration pattern generators (في النخاع المستطيل)
- مولدات نمط البلع swallowing pattern generators (في النخاع المستطيل)
مولدات نمط الحركة الانتقالية هي ممتدة على طول الحبل الشوكي لدى سمكة اللامبري، ولكنها لدى الحيوانات رباعية الأرجل تتركز في المنطقتين الرقبية cervical والقطنية lumbar. المنطقة الرقبية من الحبل الشوكي تحوي الخلايا المحركة المسؤولة عن قبض وبسط الطرفين الأماميين، والمنطقة القطنية تحوي الخلايا المحركة المسؤولة عن قبض وبسط الطرفين الخلفيين.
مولدات نمط الحركة الانتقالية الموجودة في المنطقة القطنية هي التي تحدد إيقاع المشي لدى الحيوانات ذات المشية رباعية القدمquadruped . هناك ألياف صادرة من مولدات النمط الموجودة في المنطقة القطنية نحو مولدات النمط الموجودة في المنطقة الرقبية، ولكن ليس العكس. هذا يعني أن مولدات النمط الرقبية تتبع في إيقاعها مولدات النمط القطنية.
الخلايا المكونة لمولدات نمط الحركة الانتقالية هي خلايا ربطية interneurons من نوعين:
- خلايا إثارية excitatory مفرزة للـ glutamate
- خلايا تثبيطية inhibitory مفرزة للـ glycine
هذه الخلايا تتلقى أليافا واردة من مصدرين:
- ألياف محيطية واردة من المستقبلات الحسية في الجلد والعضلات الهيكلية والمفاصل.
- ألياف مركزية واردة من الدماغ (عبر الطريق القشري-الشوكي corticospinal والطريق الشبكي-الشوكيreticulospinal والطريق الدهليزي-الشوكيvestibulospinal والطريق الأحمر-الشوكي rubrospinal).
الألياف المحيطية الحسية تلعب دورا هاما في تنظيم عمل مولدات نمط المشي. مثلا لو مشت الأقدام على أرض مغطاة بالحصى فهذا سينشط المستقبلات الحسية الموجودة في الجلد، والإشارات الواردة من هذه المستقبلات ستؤدي إلى تعديل المشية. أيضا إشارات الحس الذاتي proprioception الواردة من المستقبلات الحسية في العضلات الهيكلية والمفاصل تؤدي إلى تعديل سرعة وشدة تقلص عضلات الأطراف بهدف المحافظة على ثبات واتزان المشية.
المشي هو في الحقيقة منعكس مركب من مجموعة كبيرة من المنعكسات المتداخلة والمتراكبة (على غرار منعكسي التنفس والبلع وغيرهما من المنعكسات المركبة). من الأمور اللافتة أن خلايا مولدات نمط المشي تؤدي وظائف أخرى إلى جانب وظيفة توليد نمط المشي:
[The] spinal motor programs [=central pattern generators] are not static in the sense that one population of interneuron is involved in only one motor program (e.g., spinal locomotion), but rather is dynamic. Thus, individual groups of interneurons may be part of several spinal motor programs depending on the synaptic afferent inputs and on the behavioral state of the organism.
Wilfrid Jänig (2006), The Integrative Action of the Autonomic Nervous System p. 364
المقصود بهذا الكلام هو أن مجموعات معينة من الخلايا المولدة لنمط المشي يمكن أن تساهم في توليد أنماط أخرى من الحركة. هذا يدل على أن “نمط المشي” هو في الحقيقة مجموعة من الأنماط الحركية المتداخلة وليس نمطا واحدا.
بعض الباحثين حاليا يشطرون مولدات نمط المشي إلى مجموعة كبيرة من مولدات النمط الصغيرة. هم أولا يميزون بين مولدات نمط المشي الخاصة بكل طرف من الأطراف الأربعة. مثلا هم يعتبرون أن هناك مولدات نمط خاصة بالطرف الخلفي الأيمن وأخرى خاصة بالطرف الخلفي الأيسر وهكذا. هذا التمييز يفسر الطابع التناوبي alternating المشاهد في حركة الأطراف أثناء المشي. مثلا لو نظرنا إلى الأطراف الخلفية أثناء المشي فسنجد أن الطرف الأيمن يكون في طور الوقوف أو البسط عندما يكون الطرف الأيسر في طور التأرجح أو الثني، والعكس صحيح. هذا الأمر يمكن تفسيره لو أننا افترضنا أن هناك مولدات نمط منفصلة لكل من الطرفين.
الباحثون وجدوا أن بعض الخلايا الربطية التثبيطية في النصف الأيمن من الحبل الشوكي تصدر أليافا نحو النصف الأيسر من الحبل الشوكي، والعكس صحيح. بناء على ذلك هم يفترضون أن تنشيط مولدات نمط المشي الخاصة بالطرف الأيمن يؤدي إلى تثبيط مولدات نمط المشي الخاصة بالطرف الأيسر، والعكس صحيح. هذه النظرية تفسر الحركة التناوبية للأطراف أثناء المشي.
بعض الباحثين يشطرون مولدات النمط الخاصة بكل طرف من الأطراف إلى مجموعات حسب المفاصل أو الكتل العضلية المختلفة في الطرف. مثلا هم يميزون بين مولد النمط المسؤول عن ثني مفصل الورك، ومولد النمط المسؤول عن بسط مفصل الورك، ومولد النمط المسؤول عن ثني مفصل الركبة، ومولد النمط المسؤول عن بسط مفصل الركبة، إلخ.
وفق هذه الرؤية فإن حركة المشي هي عبارة عن شبكة من المنعكسات الإيقاعية التي تعمل بتناغم فيما بينها، ونفس الأمر ينطبق طبعا على حركة التموج والحركات الإيقاعية الأخرى التي تتولد من الحبل الشوكي والجهاز العصبي المركزي بشكل عام.
الرسم التالي يعبر عن آلية التحكم بالحركة التموجية لدى سمك اللامبري (مصدر الرسم):
الخلايا الموجودة داخل المستطيلين الأسودين تعبر عن مولدات نمط حركة التموج. الخلايا التي تحمل الرمز E هي خلايا ربطية إثارية excitatory interneurons. الخلايا التي تحمل الرمز I هي خلايا ربطية تثبيطية inhibitory interneurons. الخلايا التي تحمل الرمز M هي الخلايا المحركة motor neurons. الخلايا الربطية الإثارية تثير كل أنواع الخلايا الموجودة على نفس جهتها، والخلايا الربطية التثبيطية تثبط كل أنواع الخلايا الموجودة في الجهة المقابلة. الرمز SR-E يعني المستقبلات الحسية الإثارية، والرمز SR-I يعني المستقبلات الحسية التثبيطية. المستقبلات الحسية الإثارية تثير الخلايا الموجودة على نفس جهتها، والمستقبلات الحسية التثبيطية تثبط الخلايا الموجودة على الجهة المقابلة. مولدات النمط تخضع لتأثير ألياف دماغية مفرزة للـ serotonin (اختصاره 5-HT) وألياف دماغية مفرزة للـ GABA وألياف دماغية مفرزة للـ norepinephrine نازلة من الموضع الأزرق locus coeruleus (الألياف الأخيرة غير مبينة على الرسم). الرمز RS يعني خلايا التشكل الشبكي التي تصدر الألياف الشبكية-الشوكية reticulospinal (خلايا إثارية مفرزة للـ glutamate). تنشيط هذه الخلايا يؤدي إلى تنشيط خلايا مولدات النمط في الحبل الشوكي. هذه الخلايا هي واقعة تحت تأثير مركز الحركة الانتقالية في الدماغ الأوسط mesencephalic locomotor region (يحمل الرمز MLR على الرسم) ومركز الحركة الانتقالية في الدماغ البيني diencephalic locomotor region (يحمل الرمز DLR على الرسم). هذان المركزان هما بدورهما خاضعان لتأثير تثبيطي أو كابح من العقد القاعدية basal ganglia.
هذا الرسم التخطيطي يلخص الآلية العصبية المسؤولة عن الحركة الانتقالية لدى سمك اللامبري، الذي هو أحد أكثر الفقاريات بدائية. قشرة المخ المحركة motor cortex لا تظهر في هذا الرسم. السبب هو أن هذه القشرة هي تطور حديث ظهر لأول مرة مع ظهور الثدييات المشيمية placental mammals قبل حوالي 150 مليون عام.
تحكم الدماغ بالحركات العضلية
مما سبق يتبين أمر هام وهو أن الدماغ ليس مسؤولا عن توليد حركة المشي (والركض والقفز والطيران إلخ)، ولكن الدماغ يتحكم بهذه الحركات.
حركة المشي تنتج من تآزر مجموعة من المنعكسات الشوكية. في الحقيقة كل حركات الجسم الفقاري تنتج من تآزر منعكسات شوكية أو بصلية. تنسيق منعكسات المشي وغيرها من المنعكسات يتم أساسا بشكل محلي في القطع العصبية التي تنتج هذه المنعكسات. ما تقوم به المراكز الدماغية العليا هو مؤازرة القطع العصبية الشوكية والبصلية في إنتاج وتنسيق منعكساتها، ولكن المراكز الدماغية العليا لا تتولى بنفسها إنتاج أو تنسيق المنعكسات الشوكية والبصلية.
الآلية المركزية التي تنص على أن تتولى جهة إدارية عليا الإنتاج وتنسيقه هي غير موجودة في عالم الحيوان ولا في الطبيعة بشكل عام. هذه الآلية هي موجودة فقط في بعض المجتمعات البشرية. هذه الآلية لا يمكن أبدا أن تصلح لإدارة أنظمة معقدة كالأنظمة الموجودة في الطبيعة، ولكن كثيرا من البشر لا يفهمون ذلك، لأن القدرات العقلية للبشر محدودة. بعض البشر (الأذكياء) يفهمون حدود وقدرات عقلهم وتفكيرهم، ولكن هناك بشر (أغبياء) لا يفهمون حدود وقدرات عقلهم وتفكيرهم. هؤلاء الأغبياء يميلون دائما إلى إقامة الأنظمة المركزية الصارمة القائمة على منطق تحكم الإدارة العليا بكل صغيرة وكبيرة.
أنا تحدثت عن هذه القضية سابقا وأشرت إلى الحضارة السومرية القديمة التي انهارت بسبب إفراطها في المركزية الإدارية والاقتصادية. الاتحاد السوفييتي هو مثال آخر على فشل الأنظمة المركزية الصارمة. كثير من الناس في زماننا باتوا يفهمون أن الأنظمة الإدارية القائمة على المركزية الصارمة هي أنظمة مناقضة للطبيعة ولا يمكنها أن تنجح، ولكن هناك بعض الناس الذين ما زالوا حتى يومنا هذا يؤمنون بالأنظمة المركزية الصارمة. من هؤلاء مثلا النظام السوري الذي دمر سورية عدة مرات (وليس مرة واحدة) خلال العقود الخمسة الماضية، ولكنه ما زال رغم ذلك يصر على البقاء في السلطة، والمصيبة الأكبر هي أنه يصر على الاستمرار في نفس النهج المركزي التسلطي الفاشل. هذا النظام ما زال يريد أن يتحكم بكل كلمة يتفوه بها كل إنسان في سورية. رئيس هذا النظام (بشار الأسد) ما زال يريد أن يفكر بنفسه عوضا عن الـ 23 مليون إنسان في سورية.
أعتذر عن خلط السياسة بموضوع بعيد عن السياسة.
العلاقة بين الدماغ والحركة الانتقالية هي موضوع إشكالي.
الحركة الانتقالية بواسطة الأطراف الممفصلة تتم عبر تقليص عدد هائل من الألياف العضلية بواسطة عدد هائل من الألياف العصبية المحركة. مثلا لو نظرنا إلى الرِجلين فسنجد أنهما تحويان عددا هائلا من الألياف العضلية، وهناك أيضا عظام متعددة ومفاصل متعددة في كل من الرجلين. التحكم بالأطراف يبدو أمرا معقدا للغاية. وهناك مشكلة إضافية أشار إليها في النصف الأول من القرن العشرين باحث روسي اسمه Nikolai Bernstein. هذه المشكلة هي مشكلة درجات الحرية degrees of freedom problem في التحكم العضلي.
المقصود بمشكلة درجات الحرية هو ما يلي باختصار: الأطراف الأربعة تحوي عددا هائلا من الألياف العضلية والأوتار والعظام والمفاصل، وهذا العدد الهائل هو زائد عن الحاجة وليس ضروريا لتحريك الأطراف.
لنفرض أنني أريد أن أرسل شخصا إلى المتجر لكي يشتري لي علبة من العصير، ولنفرض أنني لا أستطيع أن أرسل شخصا واحدا فقط ولكنني مضطر لإرسال ألف شخص في آن واحد لكي ينفذوا هذه المهمة. عندما أريد أن أرسل هؤلاء الأشخاص الألف فإنني مضطر لإعطائهم تعليمات. المشكلة هي أن المهمة المطلوبة منهم هي مهمة تافهة ولا تستحق إعطاء تعليمات لألف شخص. لو أنني أعطيت التعليمات لشخص واحد فقط (أحضر لي العصير من المتجر) فإن هذا سيفي بالغرض، ولكنني مضطر لإرسالهم جميعا، وبالتالي لا بد أن يحصلوا جميعا على تعليمات.
التعليمات التي سأعطيها لهم هي مجرد مضيعة للوقت والجهد وليس لها فائدة عملية. يكفي أن أقول لشخص واحد منهم “أحضر لي العصير من المتجر” حتى أضمن تنفيذ المهمة، وأما الكلام الذي سأقوله للأشخاص الـ 999 الآخرين فهو مجرد كلام زائد.
هذا المثال يشبه مشكلة “درجات الحرية” التي طرحها Nikolai Bernstein. من الناحية النظرية الإنسان يمكنه أن يحرك أطرافه بواسطة عدد قليل من الإشارات العصبية، ولكننا نعلم أن هناك في الأطراف عددا هائلا من الألياف العضلية التي تستقبل عددا هائلا من الألياف العصبية. كيف يمكن للدماغ البشري أن يتعامل مع هذا العدد الزائد من الألياف العضلية والألياف العصبية؟
هناك نظريات عديدة طرحت للإجابة على مشكلة “درجات الحرية”. Bernstein نفسه طرح نظرية “تآزر العمل العضلي” muscle synergies. حسب هذه النظرية فإن كل إشارة عصبية تخرج من الدماغ تذهب إلى عدد كبير من الألياف العضلية وليس إلى ليف واحد، وهذا يوفر الجهد على الدماغ ويقلل من “درجات الحرية” الفائضة.
نظرية “تآزر العمل العضلي” لم تتوافق مع بعض التجارب العملية. في الآونة الأخيرة طرحت نظرية جديدة تبدو أفضل. النظرية الجديدة تنص على أن الدماغ لا يرسل إشارات عصبية نحو كل الألياف العضلية ولكنه يرسل إشارات عصبية نحو بعض الألياف العضلية. مثلا لنفرض أنني أقف أمام باب وأنني أريد أن أمد يدي نحو مقبض الباب. عندما أبدأ في مد يدي نحو مقبض الباب فإن دماغي يرسل إشارات عصبية نحو بعض الألياف العضلية في ذراعي وليس كل الألياف. الألياف التي يرسل دماغي الإشارات إليها هي الألياف المهمة التي من شأن التأثير فيها أن يحسن من كفاءة الحركة الإجمالية.
لنعد مجددا إلى مثال العصير. Bernstein افترض أنني يجب أن أعطي التعليمات لكل شخص من الأشخاص الألف الذين أرسلتهم لشراء العصير، ولكن في الحقيقة أنا لست مضطرا لإعطائهم التعليمات جميعا. لو أنني كنت أحكم دولة مركزية صارمة (على غرار الاتحاد السوفييتي الذي عاش فيه Bernstein) فإنني كنت سأضطر لإعطاء التعليمات لكل شخص من الأشخاص الألف، ولكنني لا أحكم دولة مركزية صارمة، وبالتالي أنا لست مضطرا لأن أعطي التعليمات للأشخاص الألف. ما سأفعله هو ما يلي: أنا سأستدعي شخصا واحدا أعلم (من تجاربي السابقة) أنه الأقدر على إحضار العصير، وسأطلب من هذا الشخص أن يحضر لي العصير، وبالنسبة للأشخاص الـ 999 الآخرين فأنا لن أقول لهم شيئا وسأتركهم يتصرفون على سجيتهم، لأن تصرفاتهم لن تؤثر على نجاح المهمة. هذا المثال يعبر ربما عن الطريقة التي يتعامل بها الدماغ مع الحركات العضلية.
تنسيق حركة الأطراف لا يحتاج لأوامر من الدماغ، لأن الحبل الشوكي يحوي منعكسات قادرة على تنسيق حركة الأطراف محليا ودون تدخل من المراكز العليا. ما يقوم به الدماغ هو أنه يتحكم ببعض عضلات الأطراف بهدف زيادة تنسيق الحركة أو تحسينها. الدماغ لا يولد الحركة ولا ينسقها ولكنه يحسنها، وهو لا يتدخل في عمل جميع الألياف العضلية ولكنه يتدخل في عمل جزء منها.
كل ليف عضلي هو مهم بالنسبة لحركة معينة. الدماغ يحفظ الألياف العضلية المهمة بالنسبة لكل حركة من الحركات، وعندما يقرر الدماغ تنفيذ حركة معينة فإنه يرسل إشارات عصبية نحو الألياف المهمة بالنسبة لتلك الحركة.
1500 مقاتل دخلوا عبر إسرائيل إلى سوريا .. لتأمين الحدود السورية الإسرائيلية
رأي اليوم | 13.02.2014 | تمكن نحو 1500 مقاتل مدرب جيدا على أسلحة متطورة من البعور فعلا إلى الأراضي السورية من نقطة القنيطرة المحاذية للحدود مع إسرائيل في عملية أمنية عسكرية تم تأمينها الأسبوع الماضي وإنتهت بدخول القوة الجديدة عبر إسرائيل إلى سوريا. لم تعرف بعد مهام هذه القوة بصورة محددة لكنها خضعت لتدريب رفيع المستوى في مركز متخصص تابع لوزارة الدفاع الأمريكية في الأردن وحملت أسحلة متطورة ونقلت إلى إسرائيل عبر نقاط الحدود الشمالية الثلاثية بين الأردن وسوريا وإسرائيل.
تقارير متعددة كانت قد أشارت سابقا إلى أن الأجهزة الأمريكية تدرب بعض المجموعات على تأمين الحدود السورية الإسرائيلية خوفا من إقتراب مجموعات أصولية إسلامية مسلحة من حدود إسرائيل. اللافت أن القوة الجديدة التي نقلت سرا إلى عمق الأراضي السورية مشكلة من خارج صفوف القوات المعارضة المألوفة ومن عسكريين سابقين وبعض اللاجئين الذين فروا قبل أكثر من عامين من الأحداث في سوريا .
رائعة
استمر
رائع جدا و تقبل تحياتي