في كل مرة تندلع فيها أزمة في العراق نواجه نفس المشكلة وهي أننا لا نستطيع أن نعرف من هو الصادق ومن هو غير الصادق.
الحكومة تقول أنها تشن عمليات عسكرية ضد “داعش”، والمعارضون يقولون أن ما يحصل هو استهداف لأهل السنة.
بالتحليل السياسي أنا أشك في أن تكون الحكومة العراقية تستهدف أهل السنة بالفعل، لأن هذا الأمر يجلب لها الضرر ولا يحقق لها أية مصلحة.
لو فرضنا أن الحكومة العراقية تعبر عن الشيعة فهذا يعني أن الشيعة يمسكون بزمام الحكم والسلطة في العراق. إذن مصلحة الشيعة هي تحقيق الاستقرار وليس تخريبه. مصلحة أية جهة حاكمة هي أن تحافظ على استقرار حكمها. من يحاولون زعزعة الاستقرار عادة هم الجهات المعادية للسلطة الحاكمة.
أميركا دعمت العملية العسكرية العراقية الأخيرة وأرسلت أسلحة للجيش العراقي. موقع دبكا الإسرائيلي يقول أن العملية هي موجهة ضد تنظيم داعش. هذه شهادات تدل على أن العملية هي بالفعل موجهة ضد داعش وليست موجهة ضد أهل السنة.
هناك مسألة أخرى نأخذها بالاعتبار عند التحليل السياسي، وهي أننا يجب أن نقارن الوضع العراقي مع الأوضاع الأخرى المشابهة في المنطقة.
عبارة “استهداف أهل السنة” هي عبارة رائجة في لبنان وهي من شعارات فريق “14 آذار” الممول من آل سعود، ولكن نحن نعلم أن هذا الشعار يستخدم في لبنان بهدف تخريب الاستقرار وليس بهدف الحفاظ على حقوق أهل السنة. عبارة “الاعتداء على أهل السنة” يرفعها فريق 14 آذار في وجه القوى الأمنية اللبنانية عندما تحاول أن تعتقل أفرادا ينتمون للقاعدة ونحوها من الجماعات الوهابية التكفيرية.
إذا قارنا الوضع اللبناني مع الوضع العراقي فيمكننا أن نتخيل أن ما يحصل في العراق هو نفس ما يحصل في لبنان، لأن الجهات التي تسعى لتخريب استقرار العراق هي نفس الجهات التي تسعى لتخريب استقرار لبنان. من الوارد جدا أن هذه الجهات تستعمل نفس الأساليب في كلا البلدين.
الدليل الأقوى الذي يجعلني أشعر بأن هناك حملة تهويل حول ما يحصل في العراق هو مواقف السياسيين السنة في العراق. في الأيام الأولى للعملية العسكرية العراقية لم تكن هناك اعتراضات تذكر من السياسيين السنة، بل كان هناك ربما تأييد ضمني. حتى بعد حادثة اعتقال العلواني لم تكن هناك اعتراضات كبيرة. أسامة النجيفي اكتفى بتشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في ظروف اعتقال العلواني. هذا رد فعل عادي وهو لا يدل على وجود شيء خطير يحدث ضد “أهل السنة”.
ولكنني شاهدت بأم عيني في الأيام الماضية حملة تهويل وضغط عبر الشاشات الخليجية ضد السياسيين السنة. قناة الجزيرة هاجمت أسامة النجيفي بشكل علني واتهمته بأنه متخاذل وبأنه يداهن الشيعة. إذا كانت هذه الضغوط هي ما نراه في العلن فما بالك بالضغوط السرية؟
من الواضح أن السياسيين السنة في العراق تعرضوا لضغط كبير من شيوخ الخليج حتى انقلبت مواقفهم بهذا الشكل الدراماتيكي خلال أيام قليلة.
أنا لا أدري ما هي قصة اعتصام الرمادي، ولكن هل تفريق اعتصام هو مسألة تستحق الاستقالة من العملية السياسية؟
تفريق الاعتصامات هو مسألة تحدث في كل دول العالم. اعتصام الرمادي ليس ظاهرة حديثة بل هو قائم منذ عام. أنا لا أقول أن المالكي أصاب عندما استخدم القوة لتفريق الاعتصام، ولكنني أتساءل: هل قضية تفريق الاعتصام هي قضية تستحق قرارا بحجم الاستقالة من العملية السياسية؟
أنا أشك في أن تكون ردود أفعال السياسيين السنة هي ردود أفعال طبيعية عفوية. في رأيي أن ردود الأفعال هذه مبالغ بها جدا ولا تتناسب مع حجم الجريمة التي ارتكبتها الحكومة (لو فرضنا أنها ارتكبت جريمة).
اعتقال شخص وتفريق اعتصام هي ليست كارثة. هذه تجاوزات تحصل في الكثير من الدول. في العراق الآن هناك حالة حرب ضد تنظيم داعش. هل نسي السنة في العراق أن الشيعة يتعرضون للقتل بشكل منهجي على يد هذا التنظيم؟
السنة في العراق يجب أن يكونوا أكثر حساسية تجاه المأساة التي يتعرض لها المدنيون الشيعة بسبب تنظيم داعش. عدم المبالاة بهذه المسألة هو ليس سلوكا وطنيا.
أنا لدي شعور بأن المواقف الأخيرة للسياسيين السنة هي مواقف غير عفوية سببها الضغوطات الكبيرة التي يتعرضون لها من شيوخ الدم الخليجيين.
قناة الجزيرة تشن منذ أعوام حربا شرسة ضد العراق. الرأي العام العربي لا يعير بالا لهذه المسألة رغم أنها في رأيي أمر خطير للغاية. صحيح أن قناة الجزيرة تشن حربا ضد مصر وسورية، ولكن الحرب التي تشنها القناة ضد العراق هي أخطر.
منذ بداية الاحتلال الأميركي للعراق كانت قناة الجزيرة تتبع نهجا واحدا ثابتا وهو تحريض السنة على رفض التعامل مع الشيعة. هي كانت تهاجم باستمرار العملية السياسية في العراق وتدعو السنة لمقاطعتها.
مقاطعة السنة للعملية السياسية تعني تقسيم العراق. هل هناك معنى آخر لهذه المقاطعة؟
الحرب التي تشنها قناة الجزيرة لم تتوقف بعد الانسحاب الأميركي من العراق بل ازدادت وأصبحت أكثر خطورة وسمية.
قناة الجزيرة عندما تتحدث عن سورية لا تستخدم المصطلحات الطائفية والتقسيمية بشكل فج، ولكنها عندما تتحدث عن العراق لا تتورع عن الحديث بمنطق “الشيعة ضد السنة” و”السنة ضد الشيعة” وضرورة “المقاطعة السنية” و”الانسحاب السني” ونحو ذلك من العبارات التي ليس لها أي معنى سوى تقسيم العراق.
مقاربة قناة الجزيرة للشأن العراقي هي مقاربة قاتلة تستحق أن يعلن العراق الحرب ضد قطر. قناة الجزيرة لا تدعو بشكل علني لتقسيم أي بلد سوى العراق.
نفس الأمر ينطبق أيضا على إعلام آل سعود، ولكن موقف قناة الجزيرة هو ذو دلالة أكبر لأنه في رأيي يعبر عن سياسة المخابرات الأميركية.
تقسيم العراق هو هدف واضح للمخابرات الأميركية والإسرائيلية. هم يريدون تقسيم العراق كما قسموا السودان.
من أفضل ما قرأت من تحليلات عن الوضع العراقي.. شكراً هاني..
للأسف يا شقيقي ان ما يحدث حاليا هو جزء من الحملة الانتخابية والتي تجير بدماء شعبنا..
الشيعة لا يمسكون الحكم، دولة القانون هي من تمسك بزمام الأمور، دولة القانون بدأت تفقد الأمل في تحقيق نجاح كبير في الانتخابات القادمة لانها فقدت الكثير من التأييد الشيعي لها بسبب فشلها التام في الادارة خلال الدورة الحكومية السابقة اضافة الى ان هناك تيار قوي قد تشكل حاليا من التيار الصدري وجماعة الحكيم وبعض الأحزاب الشيعية الاخرى والتي تهدد بالإطاحة بدولة القانون في الانتخابات النيابية/الحكومية المزمع القيام بها بعد أربعة اشهر من الان (نيسان ٢٠١٤) و خصوصا اذا اخذنا بعين الاعتبار الهزيمة الكبرى لدولة القانون امام القائمة العراقية وقائمة تحالف الحكيم-الصدر في الانتخابات البلدية قبل بضعة اشهر..
خلال الأسابيع الماضية شن المالكي حملة عسكرية ضد داعش في صحراء الأنبار (وادي حوران تحديداً) وقد لقت الحملة تأييد منقطع النضير خصوصا في المحافظات السنية (الستة) كما ورد على لسان المالكي نفسه و رأينا انتشار صور رجال القبائل الأنبايين -نفسهم هم من شكلو الصحوات سابقا- رايناهم يلتقطون الصور مع الجيش وهم يحملون أسلحتهم ويعدون بدعم الجيش ضد داعش، ثم فجأة جاء اعتقال العلواني ولم يسبب شيئا يذكر حتى بعد نشر الحكومة لصور الجنود وهم يدعسون باقدامهم راس القتيل شقيق العلواني..
ثم ظهر وزير الدفاع في مؤتمر صحفي وقال بانه قد تم التوصل لاتفاق بين الحكومة والمعتصمين وسيتم فض الاعتصامات نهائياً مقابل تحقيق بعض مطالب المعتصمين وبالفعل انسحب اكثر المعتصمين وشعرنا بالارتياح لانتهاء الأزمة..
المفاجأة هو ما حدث قي اليوم التالي…حيث ادعى المالكي ان هناك ١٠ (عشرة) إرهابيين يختبئون بين المعتصمين الذين يقدرون بالمئات (الآلاف في ايام العطل الرسمية) وانه سيحرق الخيام على رؤوسهم وانه استدعى قوات الشرطة من المحافظات الجنوبية وهو ما فعله في محاولة لان يبدو كفارس المذهب (مختار العصر) كما يحلو لأنصاره ان يسموه لكي يستعيد الشعبية بين الأوساط الشيعية ويسحب البساط من تحت تحالف الصدر-الحكيم..
طبعاً الأنبار محافظة قبيلة جداً واعتبرت القبائل هذا إبادة لأبنائهم فطلبوا انسحاب قوات سوات فورا من المحافظة فكان الرد بقطع الماء والكهرباء واتصالات الهاتف والإنترنت عن المحافظة اضافة الى منع دخول المواد الغذائية ثم القيام بحملة عسكرة لمدن المحافظة مما أدى الى مواجهات بين الأهالي والقوات الأمنية..
طبعاً نواب العراقية أرادو ركوب الموجة الانتخابية فقدمو استقالاتهم لكي يبدو كمدافعين عن المذهب!!!
وهذا اثار سخرية السنة لان الانتخابات لم يبقى لها سوى اقل من ٤ اشهر ولا معنى للاستقالة حاليا..
نسيت ان اذكر ان بعض الوحدات العسكرية رفضت القتال ضد احد عدى عن داعش في المحافظة وقد انسحبت فعلاً بالاتفاق على إعطائهم الأمان للانسحاب من قبل الأهالي وسمعنا عن تغييرات حكومية في بعض القيادات العسكرية بسبب ذلك..
عموما الأنبار كانت تحت حماية الشرطة المحلية فقط منذ الاتفاق بين المقاومين في الفلوجة والجيش الامريكي بعد هدم الفلوجة تماماً في معركة الفلوجة الاخيرة حيث انسحب الأمريكان من مدن المحافظة تماماً وهذا ما يطالب به الأهالي حاليا هو تسليم الملف الأمني داخل المدن للشرطة المحلية وإبقاء الجيش والشرطة الاتحادية في معسكرات المحافظة لكن خارج المدن وعلى الطرق السريعة الرابطة بين اجزاء المحافظة ولا يدخل الجيش او الشرطة الاتحادية الى المدن الا عند الحاجة للقبض على شخص لا تستطيع الشرطة المحلية الوصول له ويكون الدخول بأمر قضائي..
احتراماتي