هذا المقال سيكون جافا نوعا ما لأنني سأتحدث فيه عن التكوين التشريحي للجسر pons ولن أتطرق كثيرا إلى الوظائف والآليات الفيزيولجية. سوف أؤجل الحديث عن الآليات والوظائف والمنعكسات إلى أن أنهي الحديث عن التكوين التشريحي لجذع الدماغ.
في الجزء السادس من هذه السلسلة تحدثت عن مقاطع النخاع المستطيل المنقاري rostral medulla oblongata. أهم ما يميز هذه المقاطع هو انتفاخ القناة المركزية central canal وتحولها إلى البطين الرابع fourth ventricle الذي يفصل بين جذع الدماغ والمخيخ cerebellum.


الآن سنتحدث عن مقطع الجسر pons. أهم ما يميز الجسر هو وجود المخيخ على ظهره. المخيخ من حيث الأصل الجنيني هو مشتق من الصفيحتين الجناحيتينalar plates للأنبوب العصبي neural tube.
ذكرنا في السابق أن الجهاز العصبي المركزي في بداية تكوينه (لدى الجنين) يكون له شكل أنبوب يسمى “الأنبوب العصبي” neural tube. لو أخذنا مقطعا عرضيا في الأنبوب العصبي فسنجد أنه يحوي في مركزه تجويفا أو قناة (ولهذا السبب سمي أنبوبا). هذه القناة تتحول إلى “القناة المركزية” central canal التي نراها لدى الإنسان البالغ في وسط الحبل الشوكي. حول القناة المركزية توجد كتل من المادة الرمادية (أجسام الخلايا العصبية). عند الجنين هذه المادة الرمادية تقسم إلى صفائح قاعدية basal plates وصفائح جناحية alar plates.

الصفيحتان القاعديتان basal plates توجدان في الناحية البطنية ventral من الأنبوب العصبي، والصفيحتان الجناحيتان alar plates توجدان في الناحية الظهرية dorsal من الأنبوب العصبي. الصفيحتان القاعديتان تتحولان في الحبل الشوكي إلى القرنين البطنيين ventral horns (الذين يحويان خلايا تأثيرية effector)، والصفيحتان الجناحيتان تتحولان إلى القرنين الظهريين dorsal horns (الذين يحويان خلايا حسية أو استقبالية).
القناة المركزية تقترب بشكل تدريجي من الجدار الظهري للنخاع المستطيل كلما اتجهنا من الجهة الذيلية caudal نحو الجهة المنقارية rostral (أي كلما اتجهنا من الأسفل إلى الأعلى)، ونفس الأمر ينطبق أيضا على كتل المادة الرمادية (سواء كانت تأثيرية أم حسية). عندما تحدثنا عن مقاطع النخاع المستطيل بينا أن المادة الرمادية في هذه المقاطع تتكتل في الناحية الظهرية، وأما الناحية البطنية فهي مكونة بمعظمها من مادة بيضاء (طرق عصبية أو ألياف عصبية).
القناة المركزية تتسع بشكل تدريجي في النخاع المستطيل كلما اتجهنا نحو الجهة المنقارية، إلى أن تتحول في النهاية إلى البطين الرابع. الاتساع في القناة المركزية يترافق مع تغير في التوزع “الطوبوغرافي” لأنوية المادة الرمادية، بمعنى أن الأنوية التأثيرية تصبح على الجهة الإنسية medial بعدما كانت تقع على الجهة البطنية ventral في مقطع الحبل الشوكي، والأنوية الحسية تصبح على الجهة الطرفية أو الوحشية lateral بعدما كانت تقع على الجهة الظهرية dorsal في مقطع الحبل الشوكي.
في المقالات الأخيرة بينا الفرق بين الحس العام general والحس الخاص special، وذكرنا أن الحس الخاص هو موجود حصرا في الدماغ. من أمثلة الحس الخاص حسا الاتزان والسمع اللذين تحدثنا عنهما في المقال الأخير. أنوية هذين الحسين تقع في منطقة الاتصال بين النخاع المستطيل المنقاري والجسر. هذه الأنوية توجد في أقصى الجهة الطرفية أو الوحشية lateral للمادة الرمادية (أنوية حس السمع توجد على الجهة الوحشية لأنوية حس الاتزان). هذا يعني أن هذه الأنوية هي مشتقة جنينيا من القسم الظهري من الصفيحتين الجناحيتين alar plates.
الجسر والمخيخ هما مشتقان جنينيا من الدماغ التالي metencephalon.
الدماغ الخلفي rhombencephalon ينقسم إلى:
- الدماغ النخاعيmyelencephalon (يتحول إلى النخاع المستطيل)
- الدماغ التالي metencephalon (يتحول إلى الجسر والمخيخ)
المخيخ هو مشتق من الصفيحتين الجناحيتين للدماغ التالي، وهو يقع على الجهة الظهرية للبطين الرابع.

بما أن المخيخ مشتق من الناحية الظهرية للصفيحتين الجناحيتين فهذا يوحي بأن المخيخ هو عضو حسي خاص، ولكن الكتب والمراجع التقليدية تصنف المخيخ على أنه عضو تحريكي motor.
الجسر يقع على الجهة البطنية للبطين الرابع. تكوين الجسر يشبه تكوين النخاع المستطيل (الجسر هو في الحقيقة مجرد امتداد وظيفي للنخاع المستطيل). ما يلي مقطع في الجسر الذيلي:
هذا المقطع يشمل كلا من الجسر والمخيخ. المناطق التي تقع فوق الخطين الأحمرين هي في المخيخ وليست في الجسر. مقطع الجسر الذيلي الذي سنتحدث عنه هو فقط المناطق الواقعة تحت الخطين الأحمرين.
تكوين مقطع الجسر يشبه تكوين مقطع النخاع المستطيل. المنطقة البطنية (السفلية) من المقطع تحوي كمية أكبر من المادة البيضاء، والمنطقة الظهرية (العلوية) من المقطع (التي تقع مباشرة تحت قعر البطين الرابع) تحوي كمية أكبر من المادة الرمادية.
الجسر القاعدي
على الوجه البطني للجسر توجد كتلتان بارزتان تشبهان الهرمين pyramids الموجودين على الوجه البطني للنخاع المستطيل ولكنهما ذواتا امتداد أعرض. هاتان الكتلتان تسميان “الجسر القاعدي” basilar pons.
الجسر القاعدي يحوي طرقا نازلة من قشرة المخ:
- الطريق القشري الشوكي corticospinal tract (نحو قرون الحبل الشوكي)
- الطريق القشري البصلي corticobulbar tract (نحو أنوية الأعصاب القحفية)
هذه الطرق تسمى “الطرق الهرمية” pyramidal tracts أو “الجهاز الهرمي” pyramidal system، لأنها عندما تصل إلى النخاع المستطيل تكون الهرمين pyramids. هذه الطرق هي مسؤولة عن التحكم الواعي أو الإرادي بالأعصاب الشوكية والقحفية.
إلى جانب الطرق الهرمية هناك في الجسر القاعدي ألياف نازلة أخرى تسمى الألياف القشرية الجسرية corticopontine fibers. هذه الألياف لا تصل إلى الهرمين ولكنها تتشابك مع أنوية ربطية موجودة في الجسر القاعدي تسمى الأنوية الجسرية pontine nuclei.

أصل الأنوية الجسرية pontine nuclei يشبه أصل الأنوية الزيتونية السفلية inferior olivary nuclei الموجودة داخل الزيتونتين olives الظاهرتين على جانبي الهرمين في النخاع المستطيل—الأنوية الجسرية هي مشتقة من الصفيحتين الجناحيتين alar plates للدماغ التالي metencephalon، والأنوية الزيتونية السفلية هي مشتقة من الصفيحتين الجناحيتين للدماغ النخاعي myelencephalon.

الأنوية الزيتونية السفلية والأنوية الجسرية هي مشتقة من الصفيحتين الجناحيتين رغم كونها تقع في الجهة البطنية من جذع الدماغ. الملفت هو أن الألياف الصادرة من الأنوية الزيتونية السفلية والأنوية الجسرية تذهب نحو المخيخ. الألياف الصادرة من الأنوية الزيتونية السفلية تسمى الألياف الزيتونية المخيخية olivocerebellar fibers وهي تذهب إلى المخيخ عبر السُّوَيقة المخيخية السفلية inferior cerebellar peduncle (التي تصدر من النخاع المستطيل المنقاري). الألياف الصادرة من الأنوية الجسرية تسمى الألياف الجسرية المخيخية pontocerebellar fibers وهي تذهب إلى المخيخ عبر السُّوَيقة المخيخية الوسطى middle cerebellar peduncle (التي تصدر من الجسر). الألياف الجسرية المخيخية تظهر بشكل معترض في مقطع الجسر. وجود هذه الألياف هو سبب الشكل العريض للجسر القاعدي مقارنة مع هرمي النخاع المستطيل.


خلاصة ما سبق هي أن الجسر القاعدي basilar pons يتكون من ألياف طولانية نازلة هي الألياف القشرية الشوكيةcorticospinal والقشرية البصلية corticobulbar والقشرية الجسرية corticopontine. الألياف القشرية الشوكية وبعض الألياف القشرية البصلية تنزل نحو النخاع المستطيل وتكون الهرمين. الألياف القشرية الجسرية تتشابك مع الأنوية الجسرية الموجود في الجسر القاعدي (أظن أنها تسمى أيضا “الأنوية الجسرية العميقة” deep pontine nuclei). الأنوية الجسرية (العميقة) تصدر أليافا معترضة تسمى الألياف الجسرية المخيخية pontocerebellar (تسمى أيضا “الألياف الجسرية المعترضة” transverse pontine fibers). هذه الألياف المعترضة تذهب نحو المخيخ عبر السُّوَيقة المخيخية الوسطى.
الغطاء
كلمة tegmentum هي تسمية تطلق على مناطق الجسر التي تقع خلف الجسر القاعدي (على جهته الظهرية)، أي أنها تشمل كل ما يقع بين الجسر القاعدي وقعر البطين الرابع.
في القاموس الطبي السوري كلمة tegmentum ترجمت إلى “السَّقِيْفَة”. أنا رجعت إلى أربعة أو خمسة قواميس لاتينية ولم أتمكن من إيجاد الأصل الذي ترجمه مخترعو اللغة الطبية السورية إلى “السقيفة”. على ما يبدو فإن هذه الترجمة لا أصل لها وهي مجرد اختراع من العدم (وهذا ليس شيئا نادرا في اللغة الطبية السورية).
كلمة tegumentum أوtegmentum أو tegimentum هي مأخوذة من الفعل tegere الذي يعني “التغطية” to cover. الجذر *teg- أو *steg- هو هندو-أوروبي الأصل وهو مصدر الكلمة اليونانية القديمة τέγος التي تعني “سقف”. هذا الرابط فيه إحصاء للمواضع التي وردت فيها كلمة tegumentum في الكتب اللاتينية القديمة. في معظم الأحيان هذه الكلمة وردت بمعنى “غطاء” a covering, cover، ولكنها وردت أيضا بمعنى “درع” armor أو “حماية” protection.
في علم البيولوجيا (المعاصر) كلمة tegument تستخدم كمرادف لكلمة integument. معنى هاتين الكلمتين هو “طبقة خارجية تغطي جزءا من الحيوان أو النبات”. ما يلي هو تعريف الكلمة في قاموس Oxford:
tegument
Pronunciation: /ˈtɛgjʊm(ə)nt/
noun
chiefly Zoology
the integument of an organism, especially a parasitic flatworm.
Origin:
late Middle English (in the general sense ‘a covering or coating’): from Latin tegumentum, from tegere ‘to cover’
ما يلي هو تعريف كلمة integument:
integument
Pronunciation: /ɪnˈtɛgjʊm(ə)nt/
noun
a tough outer protective layer, especially that of an animal or plant:
this chemical compound is found in the integument of the seed
Origin:
early 17th century (denoting a covering or coating): from Latin integumentum, from the verb integere, from in- ‘in’ + tegere ‘to cover’
نفس التعاريف موجودة في قاموس Encarta:
tegument
teg·u·ment [téggyəmənt]
(plural teg·u·ments)
noun
integument: the protective outer covering of an organism
[15th century. < Latin tegumentum “covering” < tegere “to cover”]
________________________________________________________________________
integument
in·teg·u·ment [in téggyəmənt]
(plural in·teg·u·ments)
noun
protective layer: an outer protective layer or part of an animal or plant, e.g. a shell, rind, husk, or skin
[Early 17th century. < Latin integumentum < integere “cover up” < tegere “to cover”]
الخلاصة هي أن كلمةtegumentum في اللغة اللاتينية الكلاسيكية (القديمة) تعني “غطاء” أو “درع” أو “حماية”، وفي اللغة اللاتينية العلمية (المعاصرة) تعني “طبقة خارجية تغطي جزءا من الحيوان أو النبات” (مثلا كالقشرة التي تغطي الديدان أو بذور النبات، أو كالصدفة التي تغطي بعض الحيوانات إلخ).
السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هو من أين أتى القاموس الطبي السوري بكلمة “السقيفة” كترجمة لـ tegmentum؟ هذه الترجمة ليس لها أساس في اللغة اللاتينية القديمة ولا في اللغة اللاتينية المعاصرة. هي مجرد ترجمة خاطئة. هذا مجرد مثال على الترجمات الخاطئة التي ترد في قاموس اللغة الطبية السورية.
في هذا المقال سوف أترجم كلمة tegmentum إلى “غطاء”. هذه الترجمة هي بسيطة وفي نفس الوقت صحيحة. طبعا القارئ (الجاد) يجب أن يضع في رأسه كلمة tegmentum لأن هذه الكلمة هي المصطلح العلمي الحقيقي، وأما الترجمات العربية فهي ليست مصطلحات علمية وليست قريبة من أن تكون مصطلحات علمية (إلا لدى الأشخاص الذين لا يفهمون أصلا ما هو معنى كلمة مصطلح علمي).
الغطاء tegmentum هو كما قلنا جميع مناطق الجسر التي تقع بين الجسر القاعدي وقعر البطين الرابع. القسم البطني من الغطاء يحوي عددا من الطرق العصبية الصاعدة. من هذه الطرق ما يلي:
- الشريط الإنسي medial lemniscus الذي ينقل إشارات حس الاهتزاز والحس الذاتي من النواة النحيلة nucleus gracilis والنواة الوتدية nucleus cuneatus (في النخاع المستطيل الذيلي)، واللتان بدورهما استقبلتا هذه الأحاسيس من العمودين الظهرين dorsal columns (القادمين من الحبل الشوكي).
- الطريق الشوكي الثلميspinothalamic tract (أو الشريط الشوكي spinal lemniscus) الذي ينقل إشارات حس الألم والحرارة من الحبل الشوكي.
- الطريق السمعي الذي يبدأ من النواتين القوقعيتين cochlear nuclei (تمتدان بين النخاع المستطيل المنقاري والجسر الذيلي) وتتشابك بعض أليافه في الجسر الذيلي مع الجسم شبه المنحرف trapezoid body والأنوية الزيتونية العلوية superior olivary nuclei، ثم تصعد هذه الألياف عبر الشريط الوحشي lateral lemniscus نحو التليلة السفليةinferior colliculus في سقف الدماغ الأوسط midbrain tectum.

الأنوية الزيتونية العلوية superior olivary nuclei هي غير ظاهرة في مقطعي الجسر الذيلي الذين أوردناهما في الأعلى. هذه الأنوية هي امتداد منقاري للأنوية الزيتونية السفلية، ولكنها على ما أظن ليست موجودة ضمن الزيتونتين olives لأن الزيتونتين تنتهيان عند الحدود المنقارية للنخاع المستطيل. حسب ما يرد في المصادر فإن الأصل الجنيني للأنوية الزيتونية العلوية هو من الصفيحة القاعدية basal plate (ولكن أحد المصادر القديمة نسبيا طرح احتمال أن يكون أصلها من الصفيحة الجناحية). الأنوية الزيتونية العلوية ترسل أليافا صاعدة نحو التليلة السفليةinferior colliculus في سقف الدماغ الأوسط. إذن الأنوية الزيتونية العلوية -بخلاف الأنوية الزيتونية السفلية- هي ليست مرتبطة بشكل مباشر بالمخيخ، لا من حيث الأصل الجنيني ولا من حيث التشابك العصبي.
الغطاء tegmentum يحوي أيضا طرقا عصبية تضم أليافا صاعدة ونازلة. من هذه الطرق:
- الطريق الغطائي المركزي central tegmental tract
- الحزمة الطولانية الإنسية medial longitudinal fasciculus (اختصارا MLF)
هذان الطريقان يمتدان على طول جذع الدماغ (من الدماغ الأوسط midbrain وحتى النخاع المستطيل). أنا تحدثت في مقالات سابقة عن بعض الألياف التي تمر عبر هذين الطريقين. مثلا “الطريق الغطائي المركزي” يحوي ألياف “الطريق المفرد الثلمي” solitariothalamic tract الذي ينقل حس الذوق نحو الثلم thalamus من القسم المنقاري لنواة الطريق المفرد nucleus of the solitary tract. سوف أؤجل الحديث عن بقية الألياف المارة في هذين الطريقين إلى مقال لاحق.
بالنسبة للمادة الرمادية في الغطاء tegmentum فهي تنقسم عموما إلى ثلاثة أقسام (كما في النخاع المستطيل):
- أنوية قحفية (أنوية الأعصاب القحفية رقم 8 و7 و6 و5)
- أنوية شبكية (في التشكل الشبكي reticular formation)
- أنوية ربطية (مثلا الجسم شبه المنحرف والأنوية الزيتونية العلوية)
الأنوية القحفية

الأنوية القحفية تتوزع من الجهة الجانبية أو الوحشية lateral إلى الجهة الإنسية medial على النحو التالي:
- في أقصى الجهة الوحشية توجد أنوية الحس الجسماني الخاصspecial somatic ، أي الأنوية القوقعية والدهليزية التي تستقبل حسي السمع والاتزان عبر العصب القحفي رقم 8. هذه الأنوية توجد في الجسر الذيلي (ولها امتداد أيضا في النخاع المستطيل المنقاري).
- بعد ذلك توجد نواة الحس الجسماني العام general somatic، التي هي النواة الحسية للعصب القحفي رقم 5 trigeminal sensory nucleus. هذه النواة تستقبل الحس الجسماني العام القادم من الوجه عبر العصب القحفي رقم 5 (العصب ثلاثي التوائم trigeminal nerve). هذه النواة تمتد على طول جذع الدماغ من النخاع المستطيل وحتى الدماغ الأوسط.
- ثم تأتي نواة الحس الحشويvisceral ، التي هي نواة الطريق المفرد nucleus of the solitary tract. القسم المنقاري من هذه النواة (موجود في الجسر الذيلي والنخاع المستطيل المنقاري) يستقبل حس الذوق (حس حشوي خاصspecial visceral ) عبر العصب القحفي رقم 7 (في الجسر الذيلي) والعصب القحفي رقم 9 (في النخاع المستطيل المنقاري).
- على الجهة الإنسية medial للنواة السابقة توجد النواة التأثيرية الحشوية visceral effector (جانب المتعاطفة parasympathetic)، التي هي في الجسر الذيلي النواة اللعابية العلوية superior salivatory nucleus. هذه النواة هي مسؤولة عن إفراز اللعاب والدمع عبر العصب القحفي رقم 7 (العصب الوجهي facial nerve). هذه النواة يمكن اعتبارها امتدادا منقاريا للنواة اللعابية السفلية inferior salivatory nucleus الموجودة في النخاع المستطيل المنقاري والمسؤولة عن إفراز اللعاب عبر العصب القحفي رقم 9. النواة اللعابية السفلية بدورها يمكن اعتبارها امتدادا منقاريا للنواة الظهرية للعصب المبهم dorsal nucleus of the vagus nerve المسؤولة عن التعصيب جانب المتعاطف parasympathetic لكل أحشاء الجسم ما عدا القلب والأحشاء الحوضية.
- في الجهة الإنسية توجد نواة محركة جسمانية somatic motor هي نواة العصب القحفي رقم 6 المسؤولة عن تحريك العين نحو الاتجاه الوحشي lateral. هذه النواة توجد في الجسر الذيلي.
- النواة المحركة للعصب القحفي رقم 7 (التي تسمى “النواة المحركة الوجهية” facial motor nucleus) هي مسؤولة عن تحريك عضلات الوجه (التعابير الوجهية). هذه النواة هي “حشوية جسمانية” somatovisceral أو “تأثيرية حشوية خاصة” special visceral efferent ويمكن اعتبارها امتدادا نحو الجسر الذيلي للنواة المبهمة nucleus ambiguus الموجودة في النخاع المستطيل والمسؤولة عن تحريك عضلات الحنجرة والبلعوم عبر العصبين القحفيين رقم 9 و10. نواة العصب القحفي رقم 7 لها امتداد منقاري بعيد هو النواة المحركة للعصب القحفي رقم 5 (التي تسمى “النواة المحركة ثلاثية التوائم” trigeminal motor nucleus) الموجودة في وسط الجسر. هذه النواة هي مسؤولة عن تحريك عضلات المضغ muscles of mastication.
من يقارن توزع الأنوية القحفية في الجسر مع توزع الأنوية القحفية في النخاع المستطيل سوف يرى أن هذه الأنوية تشكل ما يشبه الأعمدة الوظيفية المتقطعة. مثلا النواة المبهمة nucleus ambiguus (في النخاع المستطيل) والنواة المحركة الوجهية facial motor nucleus (في أسفل الجسر) والنواة المحركة ثلاثية التوائم trigeminal motor nucleus (في وسط الجسر) تشكل عمودا محركا “حشويا جسمانيا” somatovisceral motor. هذا العمود هو متقطع إلى أنوية ولكن الأنوية تؤدي وظائف متشابهة. نفس الأمر ينطبق على الأنوية التأثيرية الحشوية visceral effector (جانب المتعاطفة parasympathetic)، ونفس الأمر ينطبق ربما على الأنوية المحركة الجسمانية somatic motor التي تشمل نواة العصب رقم 12 (في النخاع المستطيل) ونواة العصب القحفي رقم 6 (في الجسر) ونواتي العصبين القحفيين رقم 4 و3 (في الدماغ الأوسط).
بالنسبة للأعمدة الحسية فهي أقل تقطعا وأكثر وضوحا. نواة الطريق المفرد nucleus of the solitary tract تعبر عن عمود حسي حشوي visceral sensory يمتد من النخاع المستطيل إلى الجسر الذيلي، والنواة الحسية للعصب القحفي رقم 5 هي عمود حسي جسماني somatic sensory يمتد على طول جذع الدماغ ويتمادى في الأسفل مع القرن الظهري للحبل الشوكي.
النواة الحسية للعصب القحفي رقم 5 هي متقطعة إلى ثلاث أنوية:
- النواة الشوكية spinal nucleus (في النخاع المستطيل) تستقبل من الوجه حس الألم والحرارة واللمس غير الدقيق crude touch.
- النواة الحسية الرئيسية principal sensory nucleus (في الجسر) تستقبل من الوجه حس اللمس الدقيق fine touch والاهتزاز والحس الذاتي الواعي conscious proprioception.
- نواة الدماغ الأوسط mesencephalic nucleus (في الدماغ الأوسط) تستقبل من الوجه ربما الحس الذاتي غير الواعي unconscious proprioception.
الجدول التالي يبين جميع الأنوية القحفية الموجودة في جذع الدماغ مصنفة حسب وظائفها وحسب الأعصاب القحفية المتصلة معها. العصبان القحفيان الأول والثاني هما مستثنيان لأنهما لا يصدران من جذع الدماغ.
Effector | Receptor | ||||||
somatic | somatovisceral | visceral | visceral | general somatic | special somatic | ||
CN III | oculomotor nucleus | Edinger–Westphal nucleus | |||||
CN IV | trochlear nucleus | ||||||
CN V | trigeminal motor nucleus | trigeminal sensory nucleus | |||||
CN VI | abducens nucleus | ||||||
CN VII | facial motor nucleus | superior salivatory nucleus | solitary nucleus | trigeminal sensory nucleus | |||
CN VIII | vestibular nuclei | cochlear nuclei | |||||
CN IX | nucleus ambiguus | inferior salivatory nucleus | solitary nucleus | trigeminal sensory nucleus | |||
CN X | nucleus ambiguus | dorsal nucleus of the vagus | solitary nucleus | trigeminal sensory nucleus | |||
CN XII | hypoglossal nucleus |
الأنوية الشبكية
توزع الأنوية الشبكية في الجسر يشبه التوزع الذي بيناه سابقا في النخاع المستطيل. الأنوية التأثيرية (كبيرة الخلاياmagnocellular ) توجد في الجهة الإنسية، والأنوية الاستقبالية (صغيرة الخلايا parvocellular) توجد في الجهة الوحشية.


الأنوية الشبكية الاستقبالية أو الإيرادية afferent في النخاع المستطيل والجسر تشمل ما يلي (من الأسفل إلى الأعلى):
- النواة الشبكية الجانبية lateral reticular nucleus (في النخاع المستطيل)
- المنطقة الشبكية صغيرة الخلايا parvocellular reticular area (في النخاع المستطيل المنقاري والجسر الذيلي)
- المنطقة جانب الذراعية parabrachial area (في الجسر المنقاري)
- النواة السويقية الجسرية pedunculopontine nucleus والنواة الغطائية الجانبية الظهرية laterodorsal tegmental nucleus
النواتان الأخيرتان تعتبران أحيانا نواة واحدة اسمها “النواة السويقية الجسرية” pedunculopontine nucleus. اسم هذه النواة يدل على أنها تقع في الجسر، ولكن الرسومات تظهرها في الدماغ الأوسط.
الأنوية الشبكية التأثيرية أو الإصدارية efferent في النخاع المستطيل والجسر تشمل ما يلي (من الأسفل إلى الأعلى):
- النواة الشبكية عملاقة الخلايا gigantocellular reticular nucleus (في النخاع المستطيل)
- النواة الشبكية جانب المحورية paramedian reticular nucleus (في النخاع المستطيل)
- النواة الشبكية الجسرية الذيلية caudal pontine reticular nucleus (في الجسر الذيلي)
- النواة الشبكية الجسرية الفموية oral pontine reticular nucleus (في الجسر المنقاري)
- النواة الشبكية الغطائية الجسرية pontine reticulotegmental nucleus (في الجسر المنقاري)
- الموضع الأزرق locus caeruleus (في الجسر المنقاري)
بعض الأنوية الشبكية سالفة الذكر تسمى “قبل مخيخية” precerebellar لأنها تصدر أليافا عصبية نحو المخيخ. هناك ثلاثة أنوية شبكية “قبل مخيخية” هي:
- النواة الشبكية الجانبية lateral reticular nucleus (في النخاع المستطيل)
- النواة الشبكية جانب المحورية paramedian reticular nucleus (في النخاع المستطيل)
- النواة الشبكية الغطائية الجسرية pontine reticulotegmental nucleus (في الجسر المنقاري)
النواة الشبكية الجانبية lateral reticular nucleus تشبه النواة الزيتونية السفلية inferior olivary nucleus من حيث كونها نواة استقبالية تستقبل أليافا من مصدرين:
- ألياف صاعدة من الحبل الشوكي
- وألياف نازلة من النواة الحمراء red nucleus في الدماغ الأوسط
النواة الشبكية الجانبية تشبه أيضا النواة الزيتونية السفلية من حيث موقعها في مقطع النخاع المستطيل، ومن حيث كونها تصدر أليافا نحو المخيخ. الفرق الأساسي بين النواتين (حسب ما يبدو لي) هو في نوعية الألياف الشوكية الصاعدة التي تستقبلها كل منهما. النواة الزيتونية السفلية تستقبل ألياف الطريق الشوكي الزيتوني spinoolivary tract التي تنقل الحس الذاتي، والنواة الشبكية الجانبية تستقبل ألياف الطريق الشوكي الشبكي spinoreticular tract التي تنقل حس الألم والحرارة. بناء على ما سبق يمكننا أن نتخيل أن النواة الشبكية الجانبية تؤدي وظيفة مناظرة لوظيفة النواة الزيتونية السفلية (أنا لم أتحدث بعد عن وظيفة النواة الزيتونية السفلية ولكن ما يبدو من بعض الدراسات الحديثة هو أن وظيفة هذه النواة هي تصحيح أو تحديث المعلومات المخزنة في المخيخ بناء على المعطيات الحسية الواصلة إليها).
حسب ما يرد في بعض المصادر فإن النواة الشبكية الجانبية ترسل أيضا أليافا نحو الأنوية الشبكية التأثيرية الموجودة في القسم الإنسي medial من التشكل الشبكي. أنا في مقال سابق قارنت بين هذه الوظيفة وبين وظيفة الأنوية الدهليزية التي تستقبل البيانات الحسية الميكانيكية من الحبل الشوكي والأذن الداخلية وتستخدم هذه البيانات للتدخل في منعكسات التوتر العضلي muscle tone التي تديرها الأنوية الشبكية التأثيرية.
بما أن النواة الشبكية الجانبية ترسل أليافها نحو جهتين (نحو المخيخ ونحو الأنوية الشبكية التأثيرية) فهذا يوحي (مع خط تحت كلمة يوحي) بأنها تؤدي وظيفتين: الوظيفة الأولى تشبه وظيفة النواة الزيتونية السفلية (تحديث معلومات المخيخ)، والوظيفة الثانية تشبه وظيفة الأنوية الدهليزية (تعديل التوتر العضلي).
بالنسبة للنواة الشبكية جانب المحورية paramedian reticular nucleus والنواة الشبكية الغطائية الجسرية pontine reticulotegmental nucleus فهاتان النواتان لهما قصة مختلفة عن قصة النواة الشبكية الجانبية. هاتان النواتان هما على ما يبدو نواتان تأثيريتان وليستا استقباليتين، بدليل موقعهما في مقاطع جذع الدماغ: هما تقعان على الجهة الإنسية للأنوية الشبكية التأثيرية. هاتان النواتان لا تستقبلان إشارات حسية على ما يبدو ولكنهما تستقبلان إشارات قادمة (عبر الحزمة الطولانية الإنسية MLF) من سقف الدماغ الأوسط ومن الأنوية الدهليزية وتستخدمانها لتنسيق المنعكسات المركبة المتعلقة بعملية الرؤية (وربما السمع أيضا لدى بعض الحيوانات) والتي سأتحدث عن بعضها لاحقا. وظيفة هاتين النواتين إذن هي التنسيق الحركي motor coordination. هذه الوظيفة تشبه وظيفة “القشرة قبل المحركة” premotor cortex في المخ. الألياف التي تصدر من هاتين النواتين وتتجه نحو المخيخ هي ربما شبيهة بالألياف التي تنزل من القشرة قبل المحركة نحو المخيخ عبر الأنوية الجسرية pontine nuclei.
وظيفة الألياف التي تنزل نحو المخيخ من القشرة “قبل المحركة” premotor (والقشرة المحركة motor) هي ليست واضحة، ولكنني أظن (بناء على فهمي لبعض النظريات والطروحات) أن وظيفة هذه الألياف هي تحفيز المخيخ لإرسال نسخة معدلة من الإشارات التحريكية التي أرسلت إليه. المخيخ حسب بعض الطروحات الحديثة هو في الأساس عضو ذاكرة، بمعنى أنه يقوم بتخزين الإشارات العصبية الواصلة إليه في القشرة المخيخية cerebellar cortex. القشرة المخيخية تحوي على ما يبدو “خريطة تحريكية” لعضلات الجسم ضمن ما يسمى بطبقة خلايا بوركينيي Purkinje cell layer. هذه “الخريطة التحريكية” هي مرتبطة مع “خريطة حسية” موجودة ضمن الطبقات الأخرى للقشرة المخيخية. الهدف من الربط بين الخريطة التحريكية والخريطة الحسية هو زيادة دقة الخريطة التحريكية. الخلايا الدماغية التي تولد إشارات تحريكية ترسل نسخة من هذه الإشارات إلى المخيخ بهدف تعديلها بناء على الخريطة التحريكية الموجودة فيه.
الوظائف التحريكية للأنوية الشبكية
الأنوية الشبكية هي مسؤولة عن وظائف أو منعكسات عديدة. في مقال سابق تحدثنا عن إحدى الوظائف التحريكية البدائية لهذه الأنوية وهي وظيفة تقليص وإرخاء العضلات الباسطة المحورية axial extensor muscles (العضلات المضادة للجاذبية anti-gravity muscles). هذه الوظيفة كانت في الأصل تهدف (على ما أظن) لتحريك الجسم، ولكنها لاحقا أصبحت تهدف للحفاظ على انتصاب وتوازن الجسم (ما يسمى posture) بالاعتماد على ما يسمى بالتوتر العضلي muscle tone. حسب كثير من المصادر فإن الأنوية الشبكية المسؤولة عن هذه الوظيفة هي أساسا الأنوية الموجودة في النخاع المستطيل (تثبيطية) وفي الجسر (إثارية).
الوظيفة التحريكية الثانية للأنوية الشبكية التي تحدثنا عنها هي وظيفة التحكم بحركة العينين بهدف تحسين جودة الاستقبال الحسي عبرهما. سوف أذكر المزيد عن هذه الوظيفة في مقال لاحق (بعد أن أتحدث عن تكوين الدماغ الأوسط).
هناك وظيفة تحريكية ثالثة تحدثنا عنها (في هذا المقال) هي وظيفة تنظيم التنفس وإيقاعه. الأنوية الشبكية المحفزة للشهيق والزفير توجد في النخاع المستطيل، والأنوية المنظمة لإيقاع التنفس respiratory rhythm توجد ربما في الجسر.
أحد المراكز الذي يعتقد أنه مسؤول عن تنظيم إيقاع التنفس هو المركز المسمى “المركز المنظم للتنفس” pneumotaxic center (كلمة (táxis) τάξις في اليونانية تعني “تنظيم”) أو “المجموعة التنفسية الجسرية” pontine respiratory group. هذا المركز هو موجود ضمن الأنوية الشبكية التي تسمى “المجمّع جانب الذراعي” parabrachial complex. هذا المجمع هو موجود في الجسر المنقاري بجانب السويقة المخيخية العلوية (السويقة المخيخية العلوية تسمى أيضا “الذراع الضامة” brachium conjunctivum، ومن هنا جاءت تسمية المجمّع جانب الذراعي). أنوية المجمع جانب الذراعي هي متصلة مع نواة الطريق المفرد nucleus of the solitary tract عبر العديد من الألياف العصبية، وهذا يفسر دور المجمع في تنظيم إيقاع التنفس. المجمع يستقبل أيضا ألياف حس الذوق من القسم المنقاري لنواة الطريق المفرد ويوصل هذا الحس إلى الثلم thalamus عبر ألياف صاعدة.
الخلاصة هي أن “المجمّع جانب الذراعي” parabrachial complex هو على ما يبدو مسؤول عن تنظيم عدد من المنعكسات أو الوظائف المتعلقة بالحس الحشوي visceral الوارد إلى نواة الطريق المفرد.
النواة الاستقبالية المسماة “النواة الشبكية صغيرة الخلايا” parvocellular reticular nucleus تلعب أيضا دورا في التنفس. تحفيز القسم الذيلي من هذه النواة يحفز الزفير، وهناك اتصالات بين قسمها المنقاري وبين المجمع جانب الذراعي. هناك أيضا اتصالات بين هذه النواة وبين النواة ثلاثية التوائم في الدماغ الأوسط mesencephalic trigeminal nucleus التي تستقبل الحس الذاتي (غير الواعي؟) من العصب القحفي الخامس. النواة الشبكية صغيرة الخلايا هي متصلة أيضا مع نواة العصب القحفي السابع (العصب الوجهي facial) المسؤول عن تحريك عضلات الوجه، ومع نواة العصب القحفي الثاني عشر (العصب تحت اللساني hypoglossal) المسؤول عن تحريك اللسان. هذه الاتصالات توحي بأن النواة الشبكية صغيرة الخلايا تستقبل حسا جسمانيا وتساهم في تنظيم منعكسات جسمانية أو “جسمانية حشوية”.
بالنسبة للموضع الأزرق locus caeruleus والنواة السويقية الجسرية pedunculopontine nucleus والأنوية الشبكية الموجودة في الدماغ الأوسط فهذه كلها تلعب دورا في تنظيم اليقظة arousal أو التنشيط activation. هناك اعتقاد لدى بعض الباحثين بأن هذه الأنوية هي مسؤولة أيضا عن توليد بعض المنعكسات الحركية الإيقاعية (كالمشي والركض)، ولكن هذا الاعتقاد هو محل جدل.
في المقال القادم سوف أتحدث عن تكوين الدماغ الأوسط، وسوف أتحدث عن بعض المنعكسات والآليات التي ينظمها هذا الدماغ.
لقد قمت بتعديل الفقرة المتعلقة بوظيفة المخيخ. هذا المقال هو ليس مخصصا للمخيخ ولكنني عندما تطرقت لوظيفة المخيخ وصفتها بشكل غير مناسب للسياق الذي كنت أتحدث فيه، ولذلك قمت الآن بتصحيح الفقرة، فمعذرة عن ذلك.
شكرا أخي الدرس … مفيد جداا