الدستور السوري يحوي المواد التالية المتعلقة بحرية الاعتقاد والتعبير:
المادة الثانية والأربعون
1- حرية الاعتقاد مصونة وفقاً للقانون.
2- لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول أوالكتابة أو بوسائل التعبير كافة.
المادة الثالثة والأربعون
تكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام واستقلاليتها وفقاً للقانون.
طبعا الفقرة الثانية من المادة رقم 42 هي مجرد حبر على ورق. النظام السوري يخرق هذه الفقرة بشكل يومي.
النظام السوري يعتدي على الكثير من المواطنين لمجرد تعبيرهم عن رأيهم. هذه سياسة منهجية يتبعها النظام السوري وليست مجرد خروقات فردية.
هي ليست مجرد سياسة منهجية ولكنها ثقافة ونمط فكري. جماعة النظام السوري يحملون ثقافة وعقيدة تقوم على انتهاك حقوق المواطنين.
بعيدا عن هذه المسألة، أنا أريد أن أتحدث عن صياغة المادتين اللتين نقلتهما في الأعلى.
هاتان المادتان في رأيي لا تصونان حرية الاعتقاد وحرية التعبير. الفقرة المتعلقة بحرية الاعتقاد تقول ما يلي:
حرية الاعتقاد مصونة وفقاً للقانون
والفقرة المتعلقة بحرية التعبير تقول ما يلي:
تكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام واستقلاليتها وفقاً للقانون
هل لاحظتم عبارة “وفقا للقانون”. هذه العبارة أفرغت المادتين من مضمونهما، لأنها جعلت حرية الاعتقاد والتعبير أمرا مشروطا بالقانون، أي أنها ليست حقا مطلقا وأكيدا.
قارنوا بين صياغة هاتين الفقرتين وبين صياغة التعديل الأول للدستور الأميركي (الذي أقر في عام 1791):
Amendment I
Congress shall make no law respecting an establishment of religion, or prohibiting the free exercise thereof; or abridging the freedom of speech, or of the press; or the right of the people peaceably to assemble, and to petition the government for a redress of grievances.
التعديل الأول
الكونغرس يجب ألا يصنع قوانين تنص على إنشاء دين [رسمي للدولة]، أو تمنع الممارسة الحرة لأي دين، أو تقيد حرية التعبير، أو الصحافة، أو حق الناس في التجمع السلمي والطلب بشكل سلمي من الحكومة بأن تنظر في مظالمهم.
هل لاحظتم الفرق في الصياغة بين مادة الدستور الأميركي (التي كتبت في عام 1791) وبين مواد الدستور السوري (التي كتبت في عام 2012)؟
مواد الدستور السوري تنص على الشيء الذي تحرمه مادة الدستور الأميركي: مواد الدستور السوري تجعل حريات المواطنين الأساسية مقيدة بالقوانين، وهذا هو ما تمنعه مادة الدستور الأميركي.
هل مواد الدستور السوري تنص فعلا على حرية الاعتقاد وحرية التعبير؟ أنا لا أظن ذلك. الدستور السوري لا ينص على حرية الاعتقاد وحرية التعبير ولكنه ينص على تقييد هذه الحريات بقوانين. إذن في الحقيقة هذا الدستور لا يمنح الحريات ولكنه يقيدها.
أنا أعلم أن كثيرا من السوريين لن يفهموا ما أقوله أو أنهم سيستهجنون كلامي (كما استهجنوا كلامي حول الاقتصاد والإدارة والتعليم)، ولكنني رغم ذلك سأقول ما أراه صحيحا.
المشكلة في سورية هي أن عقلية الناس لا تؤمن بالحريات من حيث الأساس. غالبية السوريين (سواء كانوا مع النظام أو ضده) مهووسون بمنطق التقييد. هذا المنطق ليس خاصا بالبعثيين ولكنه موجود أيضا في فكر الاشتراكيين والشيوعيين والإسلاميين.
لو طلبت من شخص شيوعي أو اشتراكي أو إسلامي أن يكتب دستورا فهو سيكتب دستورا شبيه بدستور النظام السوري. الدستور سيحتوي على كم هائل من المواد التي تقيد وتحدد إلخ.
في المنطق الليبرالي الدولة يجب ألا تتدخل في حياة الأفراد إلا بالحد الأدنى، ولكن الاشتراكيين والإسلاميين يرفضون هذا المنطق بضراوة ويعتبرون دعاته استعماريين غربيين مدسوسين من صندوق النقد الدولي والمخابرات الأميركية.
الاشتراكيون والإسلاميون مهووسون بالتحكم. في اللغة الأميركية هم يسمون control freaks. هم لا يستطيعون أن يتركوا الآخرين وشأنهم. الاشتراكي والإسلامي لديه نزعة داخلية قوية تجبره على التدخل في حياة الآخرين ومحاولة التحكم بهم والسيطرة عليهم. هذه النزعة هي أساس ظاهرة الاستبداد والفساد الحكومي الموجودة في سورية.
إذا طالبناهم بالتخلي عن هوس التحكم والسيطرة فإنهم يتهموننا بأننا عملاء للغرب وطبقيون وكفار نريد القضاء على الإسلام.
هناك مشكلة أخرى في مواد الدستور السوري وهي أنها تبدأ بعبارة “تكفل الدولة”. المراد من هذه العبارة هو الإيحاء بأن الحريات والحقوق هي منح من الدولة وليست حقوقا طبيعية للأفراد. هذا المنطق هو منطق الاشتراكيين والإسلاميين الذين يعتقدون بمركزية الدولة وبأن كل شيء يجب أن يكون صادرا من الدولة، حتى ولو كنا نتحدث عن أبسط حقوق الإنسان. بالنسبة لهم حتى الحريات والحقوق الأساسية هي “قطاع عام” وليست “قطاع خاص”.
أنا أدعو المعارضة السورية الليبرالية (إن وجدت) لأن تسعى إلى وضع مواد في الدستور السوري الجديد تشبه المواد الموجودة في الدستور الأميركي، بمعنى أن تكون هذه المواد ذات صياغة قاطعة وصارمة في احترامها للحريات والحقوق الأساسية. هذه الحريات والحقوق هي ملكيات خاصة للأفراد وليست منحا من الحكومة وليست من مؤسسات القطاع العام.
أنا أطالب بإدراج النص التالي في الدستور السوري الجديد:
الدولة يجب ألا تحجب أية صفحة على شبكة الإنترنت إلا بموجب حكم قضائي
هذا الموضوع مهم لأن الإنترنت في زماننا هو شيء أساسي، وحجب الإنترنت هو هواية مفضلة لدى جلاوزة النظام السوري. لهذا السبب أنا أطالب بإدراج مادة في الدستور تمنع حجب صفحات الإنترنت دون حكم قضائي.
مأثر عليك كتير سليمان :).
أهلا بك…
هل تغيرت آرائي بعد كلام سليمان؟ أنا كنت منذ زمن طويل أقول أن النظام السوري لا يحترم القوانين والحقوق. في مدونتي توجد عشرات التدوينات المتعلقة بهذا الموضوع.
تحياتي لك…