عندما تحدثنا عن أحاسيس الحبل الشوكي ذكرنا أن بعض هذه الأحاسيس هو واع وبعضها الآخر غير واع. ما يحدد الوعي من عدمه هو الاتصال مع قشرة المخ. أهم الطرق الصاعدة التي تربط أحاسيس الحبل الشوكي مع قشرة المخ هما طريقان:
- الطريق الشوكي الثلمي spinothalamic tract (ينقل إشارات حس الألم والحرارة)
- طريق العمودين الظهريين dorsal columns والشريط الإنسي medial lemniscus (ينقل إشارات حس الاهتزاز والحس الذاتي)
هناك أيضا طرق صاعدة “غير واعية” ذكرت بعضها في مقال سابق.
من الطرق الصاعدة غير الواعية التي تنقل حس الاهتزاز والحس الذاتي ما يلي:
- الطريق الشوكي المخيخي spinocerebellar tract
- الطريق الشوكي الزيتوني spinoolivary tract
- الطريق الشوكي الدهليزي spinovestibular tract (يصل إلى النواة الدهليزية الوحشية lateral vestibular nucleus)
من الطرق غير الواعية التي تنقل حس الألم وحس الحرارة ما يلي:
- الطريق الشوكي الشبكي spinoreticular tract (يصل إلى التشكل الشبكي reticular formation)
- الطريق الشوكي السقفي spinotectal tract (يصل إلى سقف الدماغ الأوسط midbrain tectum)
- الطريق الشوكي ما تحت الثلمي spinohypothalamic tract (يصل إلى ما تحت الثلم hypothalamus)
كل الطرق سالفة الذكر تنقل “أحاسيس عامة” general senses.
“الأحاسيس الخاصة” special senses تنقسم أيضا إلى أحاسيس واعية وأحاسيس غير واعية. المبدأ هو نفس مبدأ الأحاسيس العامة: الأحاسيس الخاصة التي تصل إشاراتها إلى قشرة المخ هي أحاسيس واعية.
الإبصار غير الواعي
في مقال سابق أشرت إلى الطريق البصري optic tract (الذي هو استمرار للعصب البصري optic nerve بعد التصالب البصري optic chiasma). الطريق البصري يتفرع إلى عدة فروع:
- فرع أساسي يتشابك مع أنوية تقع في مؤخرة الثلم thalamus (في الجسم الركبي الوحشي lateral geniculate body والوسادة pulvinar)
- فرع يذهب إلى ما تحت الثلم hypothalamus
- فرع يذهب إلى “ما أمام سقف”pretectum الدماغ الأوسط
- فرع يذهب إلى التليلة العلوية superior colliculus في سقف tectum الدماغ الأوسط
الجسم الركبي الوحشي والوسادة يتصلان بواسطة “الإشعاع البصري” optic radiation مع القشرة البصرية الأولية primary visual cortex (تسمى أيضا “القشرة ذات الأخاديد” striate cortex). لهذا السبب الطريق البصري الذي يتصل مع الجسم الركبي الوحشي والوسادة هو طريق واع.
الطرق البصرية الأخرى التي تذهب إلى ما تحت الثلم والدماغ الأوسط هي طرق غير واعية. الطريق الذي يذهب إلى ما تحت الثلم hypothalamus هو مسؤول عما يسمى بالإيقاع اليومي circadian rhythm (أو “الساعة البيولوجية” حسب التسمية الإعلامية). الإيقاع اليومي يدير مجموعة من المنعكسات الإفرازية التي تنظم الـ homeostasis، أي أنه مسألة غير واعية. الطريق الذي يذهب إلى “ما أمام سقف” pretectum الدماغ الأوسط هو مسؤول عن عدد من المنعكسات غير الواعية. الطريق الذي يذهب إلى التليلة العلوية superior colliculus هو مسؤول عن ظاهرة “الرؤية العمياء” blindsight التي تحدثت عنها في مقال سابق.
الخلاصة هي أن حس البصر له فرع واع وفروع أخرى غير واعية.
الشم والذوق غير الواعي
هناك دراسات تزعم وجود تأثير غير واع لبعض الروائح (تحديدا لما يسمى بالفرمونات pheromones) على سلوك البشر. الفرمونات هي شيء مهم لدى الحيوانات، ولو صح وجود تأثير للفرمونات على سلوك البشر فهذا يعني أن هناك اتصالا غير واع بين البصلة الشمية olfactory bulb وبين ما تحت الثلم hypothalamus.
بالنسبة لحس الذوق فهو يصل إلى القسم المنقاري (العلوي) من نواة الطريق المفرد nucleus of the solitary tract عن طريق الأعصاب القحفية رقم 7 و 9 و 10، ومن هناك تنتقل إشارات الحس عبر “الطريق المفرد الثلمي” solitariothalamic tract نحو الثلم thalamus، ومن هناك إلى القشرة الذوقية gustatory cortex.
حسب ما أعلم فإن هناك منعكسا غريزيا أو فطريا لدى البشر يجعلهم يتقيؤون بشكل لا إرادي إذا أكلوا مادة ذات طعم مر. الوظيفة الأصلية لهذا المنعكس هي ربما الحماية من التسمم، لأن كثيرا من المواد السامة هي ذات طعم مر.
هذا المنعكس هو موجود لدى الأطفال حديثي الولادة، ما يوحي بأنه منعكس غير واع.
من الممكن أن هذا المنعكس يحدث بسبب دارة عصبية في جذع الدماغ دون تدخل من المناطق الدماغية العليا. مثلا من الممكن أن الإشارات العصبية تنتقل من القسم المنقاري من نواة الطريق المفرد إلى الأنوية المحركة للعصب القحفي العاشر لتحفيز الإقياء بشكل انعكاسي.
لو صح هذا التصور فهو يعني أن حس الذوق له فرع غير واع. المشكلة هي أنني لم أقرأ هذا الكلام في أي مكان ولكنني فقط أستنتج بنفسي.
الاتزان غير الواعي
الحسان الميكانيكيان “الخاصان” (حس الاتزان وحس السمع) ينتقلان في الدماغ عبر ألياف عصبية واعية وألياف أخرى غير واعية.
الألياف الواعية لحس الاتزان تنقل الإشارات العصبية من الأنوية الدهليزية vestibular nuclei إلى الثلم thalamus ومنه إلى القشرة المخية. هذه الألياف لا تشكل سوى قسم ضئيل من ألياف حس الاتزان. هناك الكثير من الطرق غير الواعية لحس الاتزان في الجهاز العصبي المركزي.
إحدى أهم وظائف الجهاز الدهليزي غير الواعية هي تعديل “التوتر العضلي” muscle tone بما يحافظ على توازن الجسم ويمنع سقوطه على الأرض.
الجسم يستند على الهيكل العظمي المكون من 206 عظام. التحكم بكل هذه العظام وإبقاء الجسم في حالة توازن دائم هو ليس أمرا سهلا.
لو حاولت أن تبني بيتا من 206 ورقة لعب فربما تنجح في ذلك، ولكن هل يا ترى تستطيع أن تحرك هذا البيت دون أن يتداعى؟
هيكل الجسم البشري مكون من 206 عظام، ولكن هذا الهيكل هو مستقر دائما ولا يتداعى.
السبب الأساسي لذلك هو ما يسمى “التوتر العضلي” muscle tone.
العضلات المغطية للهيكل العظمي (العضلات الهيكلية) هي متقلصة بشكل دائم لكي تبقى الهيكل العظمي مشدودا ومنتصبا. هذا التقلص الدائم للعضلات الهيكلية يسمى “التوتر العضلي” muscle tone، وهو نابع من الخلايا المحركة الجسمانية في القرنين الأماميين للحبل الشوكي.
فكرة التوتر العضلي تشبه فكرة الحبال المشدودة التي تنصب عمود الخيمة.
في هذه الصورة يظهر عمود منتصب بسبب الحبال التي تشده إلى الأوتاد. العضلات الهيكلية في الجسم الحيواني والبشري تلعب دورا شبيها بدور هذه الحبال.
العضلات الهيكلية المسؤولة عن انتصاب الجسم هي تحديدا العضلات الباسطة المحورية axial extensor muscles (تغطي الجذع trunk ومناطق الأطراف القريبة من الجذع proximal limb muscles). هذه العضلات تسمى “العضلات المضادة للجاذبية” anti-gravity muscles لأن تقلصها يؤدي لانتصاب الجسم أو الوقوف. العضلات التي تقع في نهايات الأطراف distal limb muscles هي ليست مهمة لموضوع انتصاب الجسم (مثلا تقليص عضلات اليدين والأصابع لا يؤثر على انتصاب الجسم: أنت ستظل واقفا سواء كانت أصابع يديك مبسوطة أم مضمومة).
قوة الشد في الحبال التي تنصب العمود تعادل “التوتر العضلي” في عضلات الجسم المضادة للجاذبية.
التوتر العضلي يمكن أن يزداد أو ينقص بناء على منعكسات يديرها التشكل الشبكي reticular formation في جذع الدماغ.
أنوية التشكل الشبكي التي تتحكم بالتوتر العضلي تقع في المنطقة الإنسية medial من التشكل الشبكي.
التوزع الوظيفي لأنوية التشكل الشبكي يشبه التوزع الوظيفي لأنوية الأعصاب القحفية الذي ذكرناه سابقا:
- المنطقة الجانبية أو الوحشية lateral من التشكل الشبكي تحوي أنوية استقبالية ذات خلايا صغيرة الحجم تسمى “الأنوية صغيرة الخلايا” parvocellular nuclei.
- المنطقة الإنسية medial من التشكل الشبكي تحوي أنوية تأثيرية ذات خلايا كبيرة الحجم تسمى “الأنوية كبيرة الخلايا” magnocellular nuclei.

الطريق الحسي الصاعد من الحبل الشوكي نحو التشكل الشبكي (الطريق الشوكي الشبكي spinoreticular tract) يتشابك مع “النواة الشبكية الجانبية” lateral reticular nucleus. هذه النواة ترسل أليافا أفقية نحو الأنوية كبيرة الخلايا المحاذية لها:
- في النخاع المستطيل نحو “النواة الشبكية عملاقة الخلايا” gigantocellular reticular nucleus
- في الجسر الذيلي نحو “النواة الشبكية الجسرية الذيلية” caudal pontine reticular nucleus
- في الجسر المنقاري نحو “النواة الشبكية الجسرية الفموية” oral pontine reticular nucleus
هذه الأنوية الثلاث ترسل أليافا محركة جسمانية نازلة نحو خلايا القرنين الأماميين للحبل الشوكي. هذه الألياف تسير في “الطريق الشبكي الشوكي” reticulospinal tract (هذا الطريق يضم أيضا أليافا تأثيرية حشوية نازلة من “المركز القلبي الوعائي” في “النخاع المستطيل البطني الوحشي” ventrolateral medulla oblongata إلى القرنين الجانبيين للحبل الشوكي، ويضم أيضا الألياف المحركة الجسمانية النازلة من “مركز التنفس” في النخاخ المستطيل إلى القرنين الأماميين للحبل الشوكي).
هذه الأنوية الشبكية الثلاث هي المسؤولة عن المنعكسات الشبكية المتعلقة بالتوتر العضلي muscle tone.
آلية تحكم هذه الأنوية بالتوتر العضلي هي غير واضحة. كثير من المصادر تقول أن النواتين الموجودتين في الجسر (“النواة الشبكية الجسرية الذيلية” و”النواة الشبكية الجسرية الفموية”) تقومان بزيادة التوتر العضلي في العضلات المضادة للجاذبية عبر إرسال إشارات إثارية إلى خلايا القرنين الأماميين للحبل الشوكي، وأن النواة الموجودة في النخاع المستطيل (“النواة الشبكية عملاقة الخلايا”) تقوم بتثبيط النواتين الموجودتين في الجسر وبالتالي تثبيط التوتر العضلي. في المقابل هناك مصادر تزعم أن النواتين الموجودتين في الجسر لهما تأثير مثبط للتوتر العضلي.
في كل الأحوال المهم هو أن الأنوية كبيرة الخلايا في التشكل الشبكي الإنسي تتحكم بالتوتر العضلي.
طبيعة المنعكسات التي تشرف عليها هذه الأنوية هي غير معروفة جيدا بالنسبة لي. بما أن التشكل الشبكي الوحشي يستقبل إشارات حسية قادمة عبر الطريق الشوكي الشبكي spinoreticular tract (الذي ينقل إشارات حس الألم والحرارة) فمن الممكن أن الأنوية كبيرة الخلايا كانت في الأصل تقوم بتحريك الجسم وفق المعطيات الحسية القادمة عبر هذا الطريق (على سبيل المثال: تحريك الجسم بعيدا عن مصدر الألم). طبعا بالنسبة للبشر تنشيط هذه الأنوية هو ليس الوسيلة الأنسب لتحريك الجسم، لأن هذه الأنوية لا تتحكم سوى بالعضلات الباسطة المحورية axial extensor muscles (المضادة للجاذبية). تقليص وإرخاء هذه العضلات يؤدي لتحريك الإنسان على نحو شبيه بسمكة اللامبري lamprey، كما تظهر مثلا في المقطع التالي:
سمكة اللامبري تعيش في الماء ولا تملك الأطراف الأربعة (الذراعان والرجلان)، لهذا السبب تحريكها هو ممكن عبر تحريك العضلات المحورية، ولكن بالنسبة للإنسان هذا النمط من الحركة يعتبر نمطا بدائيا.
من الممكن أن التشكل الشبكي كان في الأصل مسؤولا عن تحريك جسم شبيه بجسم سمكة اللامبري، أي أنه كان مسؤولا عن تحريك جسم يعيش في الماء ويفتقد للأطراف الأربعة (كأجسام الفقاريات البدائية أو الأسماك). عندما ظهرت الكائنات التي تعيش خارج الماء وتملك أطرافا أربعة بدأت وظيفة التشكل الشبكي بالتغير إلى وظيفة جديدة هي المحافظة على انتصاب الجسم أو “مقاومة الجاذبية” عبر توفير “التوتر العضلي”.
هناك أنوية أخرى في جذع الدماغ مسؤولة عن نفس وظيفة التشكل الشبكي آنفة الذكر، هذه الأنوية هي الأنوية الدهليزية vestibular nuclei.

الأنوية الدهليزية تعدل التوتر العضلي للعضلات الباسطة المحورية (العضلات المضادة للجاذبية) بناء على بيانات حس الاتزان القادمة من دهليز الأذن الداخلية.
لتوضيح ما تقوم به الأنوية الدهليزية سوف نعود مجددا إلى صورة العمود المشدود بالحبال.
لو أننا حاولنا إمالة العمود الظاهر في الصورة نحو اليمين فما الذي سيحصل؟
لو كانت الحبال مشدودة بقوة فإمالة العمود ستكون صعبة أو متعذرة، ولو أرخينا الحبال أو أحدها فسيتداعى العمود وسيقع على الأرض.
ولكن الهيكل العظمي البشري عندما يميل نحو اليمين أو اليسار فإنه لا يقع على الأرض.
السبب هو المنعكس الذي تنظمه الأنوية الدهليزية عبر الطريق الدهليزي الشوكي vestibulospinal tract. هذا المنعكس يعدل شدة التوتر العضلي في العضلات المضادة للجاذبية حسب اتجاه حركة الجسم في الفراغ. مثلا عندما يميل الجسم نحو اليمين فإن الجهاز الدهليزي في الأذنين يحس بذلك ويرسل إشارات إلى الأنوية الدهليزية؛ الأنوية الدهليزية ترسل عبر الطريق الدهليزي الشوكي إشارات إلى الخلايا المحركة الجسمانية في القرنين الأماميين للحبل الشوكي؛ هذه الإشارات تؤدي إلى زيادة التوتر العضلي في العضلات المضادة للجاذبية على الجهة اليسرى من الجسم وتقليله في عضلات الجهة اليمنى من الجسم. بهذه الطريقة يحافظ الجسم على توازنه ولا يسقط نحو الجهة اليمنى.
في الحقيقة الأنوية الدهليزية لا تتعامل فقط مع حس الاتزان القادم من دهليز الأذن الداخلية، ولكنها تستقبل أيضا الطريق الشوكي الدهليزي spinovestibular tract الذي يحمل إليها الحس الذاتي proprioception من الحبل الشوكي.
الحس الذاتي هو الإحساس بشدة وسرعة تقلص العضلات الهيكلية. هذا الحس هو نشط حتى عندما تكون العضلات ساكنة وغير متحركة. إذا كنت تعرف مدى تقلص عضلاتك الهيكلية فأنت تستطيع أن تعرف ما هو موقع أجزاء جسمك في الفراغ. مثلا إذا كنت تعرف ما هو مقدار تقلص عضلات ذراعك فأنت ستعرف إن كانت ذراعك ممدودة أم مضمومة، وستعرف بالضبط ما هو موقع ذراعك بالنسبة لبقية جسمك. إن كانت ذراعك تتحرك فإن معرفتك بالسرعة التي تتقلص أو تتمدد بها عضلات ذراعك ستسمح لك بأن تتنبأ بالموضع الذي ستصل إليه ذراعك بعد فترة زمنية معينة.
هذه الحسابات لا تتم في “العقل الواعي” ولكنها تتم في “العقل غير الواعي”. الأنوية الدهليزية هي إحدى المراكز الدماغية التي تجري مثل هذه الحسابات. ما تقوم به الأنوية الدهليزية هو أنها تربط بيانات الحس الذاتي مع بيانات حس الاتزان القادمة من دهليز الأذن الداخلية. ربط هذه البيانات مع بعضها يزيد من دقة معلومات الأنوية الدهليزية حول وضعية الجسم في الفراغ.
الجهة التي تعتمد على مصدرين مختلفين للحصول على معلوماتها حول شيء معين هي حتما في وضع أفضل من الجهة التي تعتمد على مصدر واحد فقط. اعتماد الأنوية الدهليزية على مصدرين مختلفين للبيانات الحسية الفراغية (حس الاتزان والحس الذاتي) يزيد من جودة المعلومات الموجودة لديها.
في الأعلى افترضنا أن التشكل الشبكي يعدل التوتر العضلي بناء على البيانات الواردة إلى النواة الشبكية الجانبية lateral reticular nucleus عبر الطريق الشوكي الشبكي spinoreticular tract. حسب ما أعلم فإن هذا الطريق ينقل في الأساس بيانات حس الحرارة وحس الألم. الأنوية الدهليزية تعدل التوتر العضلي بناء على بيانات دهليز الأذن الداخلية وبناء على بيانات الطريق الشوكي الدهليزي spinovestibular tract (الذي ينقل الحس الذاتي حسب ما ورد في بعض المصادر). إذن هناك تشابه في الوظيفة التي يؤديها التشكل الشبكي والأنوية الدهليزية. الفرق ربما هو في نوعية البيانات الحسية التي يعتمد عليها كل من هذين النظامين. بما أن حس الاتزان هو أحدث تطوريا من الحس الذاتي فأنا سوف أتخيل ما يلي: في الأصل الأنوية الدهليزية كانت تعدل التوتر العضلي بناء على الحس الذاتي، ولاحقا صارت تعتمد أيضا على حس الاتزان. هذه الفرضية توصلنا إلى ما يلي: في الأصل الأنوية الدهليزية كانت جزءا من منظومة التشكل الشبكي، ولكنها كانت متخصصة في استقبال الحس الذاتي وحس الاهتزاز ونحو ذلك من الأحاسيس الميكانيكية “العامة”، وأما النواة الشبكية الجانبية فكانت متخصصة في استقبال حس الحرارة وحس الألم، أي أن الفرق بين منظومة الأنوية الدهليزية ومنظومة التشكل الشبكي كان لا يختلف عن التخصص الوظيفي المشاهد في القرنين الخلفيين للحبل الشوكي.
الرأس هو الأهم
هناك أمر لافت في منظومة الأنوية الدهليزية وهو أن هذه المنظومة تسخر قسما كبيرا من طاقتها للحفاظ على توازن الرأس.
هناك نواتان دهليزيتان مسؤولتان عن التحكم بالتوتر العضلي للعضلات الباسطة المحورية (راجع الرسم التخطيطي في الأعلى):
- النواة الدهليزية الإنسية medial vestibular nucleus (مسؤولة عن توازن الرأس)
- النواة الدهليزية الوحشية lateral vestibular nucleus (مسؤولة عن توازن الجسم أسفل الرأس)
النواة الدهليزية الإنسية هي مسخّرة للتحكم بالعصب القحفي رقم 11 الذي يصدر من الحبل الشوكي الرقبي والمسؤول عن إدارة الرأس ورفع الكتفين. النواة الدهليزية الوحشية تتحكم بكل العضلات الباسطة المحورية الأخرى.
القسم الأكبر من ألياف الطريق الشوكي الدهليزي spinovestibular tract (الذي ينقل إشارات الحس الذاتي إلى الأنوية الدهليزية) هو صادر من الحبل الشوكي الرقبي.
ما سبق يعني أن قسما كبيرا من طاقة المنظومة الدهليزية هو مسخّر للحفاظ على توازن الرأس.
في الحقيقة المصادر تميز بين منعكسين مختلفين:
- المنعكس الدهليزي الرقبي vestibulocollic reflex (مسؤول عن الحفاظ على توازن الرأس)
- المنعكس الدهليزي الشوكي vestibulospinal reflex (مسؤول عن الحفاظ على توازن الجسم أسفل الرأس)
كلا المنعكسين لهما نفس الآلية على ما أظن، ولكن المنعكس الأول مسؤول عن توازن الرأس والمنعكس الثاني مسؤول عن توازن بقية الجسم أسفل الرأس.
ما هو سبب الأهمية الكبيرة لتوازن الرأس؟
السبب يتعلق بعمل أعضاء “الحس الخاص” special senses، خاصة حس البصر. تثبيت الرأس هو أمر ضروري للمحافظة على جودة الاستقبال الحسي عبر أعضاء الحس الخاص. على سبيل المثال، تثبيت الرأس هو أمر ضروري للرؤية الجيدة عبر العينين. لو كان الرأس يترنح ويتمايل فإن الرؤية عبر العينين ستصبح أصعب وذات جودة أقل.
منعكسات شبكية-دهليزية بدائية
المنعكسات التي وصفناها في الأعلى والتي يؤدي تنشيطها إلى تقلص أو إرخاء عضلات الجسم المحورية الباسطة هي بلا شك منعكسات بدائية. لا أدري ما هو تاريخ هذه المنعكسات (هل هي من زمن الفقاريات أم الحبليات أم ثنائيات الجانب؟) ولكن من الواضح أنها ذات أصل قديم للغاية. رغم ذلك فإن بعض هذه المنعكسات هو مفيد وضروري لحياة البشر.
في المقابل هناك منعكسات من هذا النوع لا يستفيد منها البشر بشيء، بل هي تتعارض مع حياة البشر، ولهذا السبب يتم تثبيطها بشكل نهائي خلال مرحلة الطفولة.
من هذه المنعكسات مثلا المنعكس المسمى “المنعكس التيهي التوتري” tonic labyrinthine reflex. هذا المنعكس يختفي من عند أطفال البشر قبل أن يبلغوا الرابعة من العمر. هذا المنعكس يتنشط بتحريك الرأس: إذا حُرّك الرأس نحو الخلف فإن الجسم يتقوس نحو الخلف، وإذا حُرّك الرأس نحو الأمام فإن الجسم يتقوس نحو الأمام.
هذا المنعكس قد يفيد سمكة اللامبري ونحوها، ولكنه لا يتناسب مع حياة البشر. لهذا السبب القشرة المخية تقوم بتثبيطه نهائيا قبل السنة الرابعة من العمر.
هناك منعكس شبيه يسمى “منعكس الرقبة التوتري غير التناظري” asymmetrical tonic neck reflex. في هذا المنعكس إذا أدرنا الرأس نحو اليمين فإن الطرف الأيمن من الجسم ينبسط (يتمدد)، والطرف الأيسر ينقبض (ينكمش)، ولو أدرنا الرأس نحو اليسار يحصل العكس.
فكرة هذا المنعكس تشبه فكرة المنعكس السابق، ولكن الفرق هو في الاتجاه. لو فرضنا أن البشر يسبحون في الماء كحيوان اللامبري فإن وظيفة المنعكس السابق هي تحريك الجسم نحو الأمام أو الخلف، ووظيفة هذا المنعكس هي تحريك الجسم نحو اليمين أو اليسار. هذه المنعكسات هي مفيدة لحيوان شبيه بحيوان اللامبري، ولكنها ليست مفيدة للبشر. هذا المنعكس يتثبط لدى أطفال البشر قبل نهاية السنة الأولى من العمر.
بعض الباحثين يعتقدون أن المنعكسين سابقي الذكر يحصلان بتآزر الأنوية الدهليزية وأنوية القسم الإنسي من التشكل الشبكي. مثلا في منعكس الرقبة التوتري غير التناظري ما يحصل هو أن الأنوية الدهليزية تثير العضلات الباسطة على أحد جانبي الجسم، والأنوية الشبكية تقوم بتثبيط العضلات الباسطة على الجانب الآخر.
هناك منعكس شهير في طب الأطفال يسمى “منعكس مورو” Moro reflex. هذا المنعكس يختفي قبل بلوغ الطفل البشري (الطبيعي) الشهر السادس من عمره. هذا المنعكس يتنشط مثلا عندما نرفع رأس الطفل ثم نفلته ونتركه يسقط. ما يحدث هو أن الطفل سوف يبسط القسم العلوي من جسمه (الرأس والصدر والذراعين) وبعد ذلك سوف يضمه مجددا.
المهم في هذا المنعكس هو حركة بسط القسم العلوي من الجسم. هذه الحركة تحدث بسبب تحفيز العضلات الباسطة. عندما نسقط رأس الطفل فإن هذا ينشط الجهاز الدهليزي والنتيجة تكون تنشيط العضلات الباسطة. حسب المعلومات الواردة في هذا المقال فإن منعكس مورو يظل موجودا حتى في غياب المناطق الدماغية التي تقع أعلى الجسر pons. هذا يعني أن آلية إنتاج هذا المنعكس هي آلية شبكية-دهليزية بحتة.
اللافت في معلومات المقال المذكور هو أن منعكس مورو يمكن أن يتنشط بمجرد وضع جسم ساخن أو بارد على صدر أو بطن الطفل. هذا يوحي لي بأن المنعكس يمكن أن يتنشط عبر الطريق الشوكي الشبكي spinoreticular tract الذي ينقل حس الحرارة إلى التشكل الشبكي. هذا الكلام يتوافق مع الفكرة التي ذكرتها في الأعلى وهي أن تنشيط أحاسيس الحرارة أو الألم يمكن أن يؤدي إلى تنشيط منعكس نصب الجسم عبر التشكل الشبكي. هذا المنعكس ليس له معنى واضح لدى البشر، ولكنه في رأيي ذو معنى لو أننا تخيلناه لدى حيوان اللامبري. لو أنك آذيت حيوان اللامبري في صدره فإن مصلحته هي أن يسبح نحو الخلف لكي يبتعد عنك. هذه في رأيي قد تكون الوظيفة الأصلية لمنعكس مورو (طبعا الباحثون حسب علمي لا يعلمون ما هي وظيفة منعكس مورو وبالتالي هذا الكلام هو رأيي الشخصي).
رأيي الشخصي هو أن كل المنعكسات التي سردناها حتى الآن تعود إلى زمن الفقاريات البدائية التي كانت تسبح في الماء وتفتقد للأطراف الأربعة. بدون هذه الفرضية فإن هذه المنعكسات لا يمكن فهمها. هذه المنعكسات كانت في الأصل تساعد حيوانا يسبح في الماء على تجنب الاصطدام وعلى تجنب مصادر الأذى.
المنعكس البدائي الأخير الذي سأذكره هو “منعكس التصحيح” righting reflex. هذا المنعكس يهدف إلى تصحيح وضعية الجسم في الفراغ. هذا المنعكس يظهر بوضوح لدى القطط. عندما تسقط القطة من مكان عال فإنها تقوم دوما بتصحيح وضعية جسمها لكي تسقط على أقدامها.
هذا المنعكس يعتمد بشكل كبير على حس الاتزان الدهليزي، ويعتمد أيضا على حس البصر. لهذه الأسباب أنا أظن أنه أحدث من المنعكسات سالفة الذكر.
المنعكس الدهليزي العيني
المنعكسات الدهليزية التي ذكرت في الأعلى ترتكز كلها على مبدأ واحد هو تقليص أو إرخاء العضلات المحورية الباسطة (العضلات المضادة للجاذبية). هذه الوظيفة البدائية هي أصلا وظيفة التشكل الشبكي. تدخل الجهاز الدهليزي في هذا الموضوع هو تطور لاحق.
الجهاز الدهليزي تدخل أيضا في منعكسات بدائية أخرى. أهم هذه المنعكسات هو ما يسمى “المنعكس الدهليزي العيني” vestibulo-ocular reflex (أو “المنعكس العيني الرأسي” oculocephalic reflex).
هذا المنعكس يتعلق بحركة مقلتي العينين.
مبدأ هذا المنعكس هو شبيه نوعا ما بمبدأ المنعكس الدهليزي الرقبي الذي ذكر في الأعلى. هذا المنعكس يحرك العينين في اتجاه معاكس لاتجاه حركة الرأس بهدف الحفاظ على ثبات الصورة التي تراها العينان. لو تحركت العينان بشكل حر مع اهتزازات وترنحات الرأس فهذا كان سيؤدي لاهتزاز وتشوش الصورة التي تراها العينان.
تحريك مقلة العين يتم عبر العصبين القحفيين رقم 3 و 4 (في الدماغ الأوسط) والعصب القحفي رقم 6 (في الجسر). العصب القحفي رقم 6 (الذي يسمى “العصب المبعد” abducens nerve) هو مسؤول عن تحريك مقلة العين نحو الخارج (نحو الجهة الوحشية lateral). العصبان القحفيان رقم 3 و 4 هما مسؤولان عن تحريك مقلة العين نحو كل الاتجاهات الأخرى. العصب رقم 4 (الذي يسمى “العصب البكري” trochlear nerve) له دور هامشي، والعصب رقم 3 (الذي يسمى “العصب المحرك العيني” oculomotor nerve) هو فعليا الذي يحرك العين في كل الاتجاهات ما عدا الاتجاه الخارجي أو الوحشي.

تحريك مقلتي العينين هو ليس مسألة سهلة لأنه يتطلب دقة وتنسيقا كبيرا بين الأنوية المحركة لكل من المقلتين. العينان يجب أن تنظرا إلى نفس النقطة لكي تكون الرؤية صحيحة.
أبسط حركات العينين هي الحركات الأساسية التالية:
- التحديق العمودي vertical gaze (تحريك مقلتي العينين إلى الأعلى أو الأسفل)
- التحديق الجانبي lateral gaze (تحريك مقلتي العينين إلى اليمين أو اليسار)
- المقاربة convergence (تحريك مقلتي العينين إلى الداخل)
تنسيق كل حركة من هذه الحركات يتم عبر أنوية خاصة في التشكل الشبكي.
حركتا التحديق العمودي vertical gaze والمقاربة convergence لا تحتاجان تحريك العين نحو الخارج (نحو الجهة الوحشية lateral). لهذا السبب هاتان الحركتان لا تتطلبان تدخل العصب القحفي رقم 6 وتنسيقهما يتم في الدماغ الأوسط.
تنسيق حركة التحديق العمودي يتم عبر نواتين هما rostral interstitial nucleus of medial longitudinal fasciculus (اختصارا riMLF) و interstitial nucleus of Cajal (اختصارا INC). تنسيق حركة المقاربة يتم عبر نواة تسمى supraoculomotor nucleus. جميع هذه الأنوية تقع في الدماغ الأوسط بجوار نواة العصب القحفي رقم 3 من الجهة المنقارية (العلوية).
حركة التحديق الجانبي lateral gaze تتطلب تحريك إحدى العينين نحو الجهة الوحشية، لهذا السبب هذه الحركة تتطلب تدخل نواة العصب القحفي رقم 6 الموجودة في الجسر pons. النواة الشبكية المسؤولة عن تنسيق حركة التحديق الجانبي توجد في الجسر بجوار نواة العصب رقم 6 (تحديدا في المنطقة المسماة paramedian pontine reticular formation).
تحريك العينين في الظروف الطبيعية يتطلب مشاركة كل الحركات سالفة الذكر بشكل متزامن ومتناسق. هذا الأمر يتطلب وجود اتصال بين الأنوية التي ذكرت. هذا الاتصال هو متوفر عبر الطريق العصبي المسمى “الحزمة الطولية الإنسية” medial longitudinal fasciculus (اختصارا MLF).
الأنوية الدهليزية تستفيد من طريق الحزمة الطولية الإنسية لتنسيق المنعكس الدهليزي العيني vestibulo-ocular reflex الذي ذكرناه آنفا. عندما تشعر الأنوية الدهليزية بأن الرأس يتحرك في اتجاه معين فإنها ترسل إشارات عبر الحزمة الطولية الإنسية إلى الأنوية التي ذكرناها بهدف تحريك العينين في اتجاه معاكس لاتجاه حركة الرأس.
داء الحركة
أحد المنعكسات الدهليزية المهمة هو المنعكس الذي يسمى “داء الحركة” motion sicknes (أو “داء السفر” travel sickness). هذا المنعكس يتنشط مثلا عندما يكون الإنسان راكبا في سفينة. تحرك السفينة صعودا ونزولا يؤثر في الجهاز الدهليزي في الأذن الداخلية، ولكن العينين لا تتأثران لأنهما لا تريان أية حركة. التضارب في البيانات الحسية بين الجهاز الدهليزي والعينين يؤدي إلى تنشيط منعكس الإقياء. الباحثون يرون أن تنشيط منعكس الإقياء في هذه الحالة يهدف لحماية الجسم من الطعام السام أو الفاسد. عندما يشعر الإنسان في دهليز أذنه بحركة لا تراها عيناه فهذا ربما يكون دوارا ناتجا عن تناول طعام سام أو فاسد.
طبعا هذا المنعكس هو ليس دهليزيا فقط ولكنه دهليزي-بصري. هو ناتج من الربط بين البيانات الدهليزية والبصرية في جذع الدماغ.
ما سبق هو تلخيص لبعض المنعكسات والاتصالات “غير الواعية” بين الأنوية الدهليزية ومناطق مختلفة في الجهاز العصبي المركزي. من هذا العرض يتبين أن الأنوية الدهليزية تلعب دورا مهما في الدماغ البشري والجسم البشري.
طبعا معظم المنعكسات الدهليزية التي تحدثنا عنها هي في الحقيقة “تحت واعية” subconscious وليست “غير واعية” unconscious (وفق التصنيف الذي اقترحته في مقال سابق)، لأن العقل الواعي يمكنه أن يتدخل في هذه المنعكسات ويمكنه أن يثبطها، كما يحدث مثلا عندما يُسقط الإنسان نفسه على الأرض، أو عندما يحرك الإنسان عينيه بعيدا عن شيء كان يحدق فيه.
قشرة المخ المحركة ترسل أليافا نازلة نحو كل الأنوية المحركة الجسمانية في جذع الدماغ، سواء كانت هذه الأنوية قحفية أم شبكية أم دهليزية أم غير ذلك. الألياف القشرية النازلة نحو الأنوية القحفية المحركة تسمى “الطريق القشري البصلي” corticobulbar tract (“البصلة الدماغية” cerebral bulb هي تسمية قديمة للنخاع المستطيل). الألياف القشرية النازلة نحو الأنوية المحركة (كبيرة الخلايا magnocellular) في التشكل الشبكي تسمى “الطريق القشري الشبكي” corticoreticular tract. هناك أيضا ألياف نازلة من قشرة المخ نحو الأنوية الدهليزية. عن طريق هذه الألياف النازلة يمكن لقشرة المخ (العقل الواعي) أن تتحكم بالأنوية المحركة الجسمانية في جذع الدماغ.
هناك منعكسات دهليزية حشوية لم أتطرق لها في الأعلى. هذه المنعكسات تربط الأنوية الدهليزية مع أنوية تأثيرية حشوية في النخاع المستطيل. مثلا هناك منعكسات دهليزية تقوم بتعديل ضغط الدم والتنفس بناء على وضعية الجسم في الفراغ. هذه المنعكسات هي “غير واعية” وليست “تحت واعية”، لأن قشرة المخ لا يمكن أن تتحكم بها (حسب علمي).
الجهاز السمعي
الجهاز السمعي (حسب ما أعلم) هو مسؤول عن عدد قليل نسبيا من المنعكسات تحت الواعية مقارنة مع الجهاز الدهليزي. السبب ربما هو أن الجهاز السمعي هو أحدث من الجهاز الدهليزي (كما بينا سابقا).
الطريق العصبي المسؤول عن نقل حس السمع نحو قشرة المخ هو طريق طويل ومعقد. هذا الطريق يبدأ من النواتين القوقعتين البطنية والظهرية ventral and dorsal cochlear nuclei. الألياف الصاعدة من النواة القوقعية الظهرية تصل مباشرة إلى “التليلة السفلية” inferior colliculus في سقف الدماغ الأوسط. الألياف الصاعدة من النواة القوقعية البطنية تتشابك في الجسر مع “الجسم شبه المنحرف” trapezoid body، ثم مع “الأنوية الزيتونية العلوية” superior olivary nuclei، ثم تصعد عبر “الشريط الوحشي” lateral lemniscus نحو التليلة السفلية في سقف الدماغ الأوسط. التليلة السفلية ترسل طريقا صاعدا نحو “الجسم الركبي الإنسي” medial geniculate body في مؤخرة الثلم thalamus، وهذا بدوره يرسل طريقا نحو قشرة المخ السمعية الأولية primary auditory cortex.
من هذا الطريق يتبين أن إشارات حس السمع تتوقف في محطات عديدة قبل أن تصل إلى قشرة المخ. هذه المحطات تلعب دورا في معالجة حس السمع (بشكل غير واعي).
الأنوية الزيتونية العلوية superior olivary nuclei تقارن بين الأصوات الواردة إلى الأذنين اليمنى واليسرى، وبناء على هذه المقارنة تقوم بتحديد اتجاه مصدر الصوت على المحاور الأفقية (ما يسمى سمت الصوت azimuth). المقصود هو أن هذه الأنوية تحدد ما إذا كان الصوت قادما من الأمام أو الخلف أو اليمين أو اليسار.
النواة الزيتونية العليا الإنسية medial superior olive تقيس الفارق الزمني بين وصول الصوت إلى الأذنين اليمنى اليسرى، وهذا يفيد في تحديد مصدر الصوت (مثلا إذا وصل الصوت إلى الأذن اليمنى قبل وصوله إلى الأذن اليسرى فهذا يعني أن مصدر الصوت يقع على جهة اليمين). النواة الزيتونية العليا الوحشية lateral superior olive تقيس الفارق في شدة الصوت الواصل إلى الأذنين اليمنى اليسرى، وهذا أيضا يفيد في تحديد مصدر الصوت (مثلا إذا كانت شدة الصوت أعلى في الأذن اليمنى فهذا يعني أن مصدر الصوت يقع على جهة اليمين).
بناء على النتائج التي تتوصل لها الأنوية الزيتونية العلوية يمكن تحديد اتجاه الصوت على المحاور الأفقية.
النواة القوقعية الظهرية dorsal cochlear nucleus تحدد اتجاه الصوت على المحور العمودي (أعلى أو أسفل).
كل هذه المعطيات تتجمع في “التليلتين السفليتين” inferior colliculi، وبناء على ذلك يمكن تحديد مصدر الصوت في الفراغ ثلاثي الأبعاد المحيط بالجسم.
التليلتان السفليتان تحويان “خريطة ثلاثية الأبعاد” تحدد مصادر الأصوات الواردة إلى الأذنين. هذه الخريطة تشبه الخريطة البصرية الموجودة في التليلتين العلويتين. جمع معلومات الخريطة الصوتية (التليلتين السفليتين) مع الخريطة البصرية (التليلتين العلويتين) يزيد معرفة الإنسان أو الحيوان بمواقع الأجسام المحيطة به.
الدماغ الأوسط يستخدم معلومات الخريطة المجمّعة الصوتية-البصرية (الواردة من التليلات colliculi الموجودة في السقفtectum ) لتنفيذ عدد كبير من المنعكسات الحركية. المعلومات الصوتية-البصرية ترسل أيضا من التليلات إلى المخيخ (عبر الأنوية الجسرية pontine nuclei والسُّوَيقة المخيخية الوسطى middle cerebellar peduncl) الذي يجمعها مع البيانات الحسية الواردة من الأنوية الدهليزية (عبر السُّوَيقة المخيخية السفلية inferior cerebellar peduncle) ومن الحبل الشوكي (عبر السُّوَيقتين المخيخيتين السفلية والعلوية) لتوليد خريطة حسية متكاملة تعتمد على بيانات المستقبلات الحسية الميكانيكية والبصرية. هذه الخريطة الحسية المتكاملة الموجودة في المخيخ لا تستخدم فقط في تحريك الجسم ولكنها تستخدم أيضا في بعض الوظائف المعرفية cognitive.