تحدثت عن أصل الزواج في موضوع بعنوان أصل ظاهرة الكبت الجنسي عند العرب (1). هذا الموضوع هو من المواضيع التي ندمت بعد كتابتها لأنني كتبته دون تحضير جيد ولهذا السبب كان فيه بعض الخلط والتشويش.
هناك قضيتان لم أميز بينهما جيدا في ذلك الموضوع، القضية الأولى هي الزواج (باليونانية (gámos) γάμος) والقضية الثانية هي البطريركية.
البطريركية patriarchy أو النظام الأبوي هي ظاهرة متأخرة ظهرت قبل بضعة آلاف من السنين. مفاهيم العذرية والتقييد الجنسي هي مرتبطة بظهور البطريركية. أنا تحدثت عن الأصل المحتمل للبطريركية في المقال المسمى أصل ظاهرة الكبت الجنسي عند العرب (2).
الزواج هو أقدم بكثير من البطريركية. في المقال المسمى تطور الإنسان (2) أنا أشرت إلى نظرية تفسر تطور الزواج لدى البشر، ولكن هذه النظرية هي ليست محل إجماع وهناك بعض الجدل حولها.
أصل الزواج لدى البشر هو مسألة غامضة وخلافية. هناك أولا جدل حول نوعية الزواج البشري الأصلي. هل هو الزواج الأحادي monogamy (زوجة واحدة لكل رجل) أم الزواج المتعدد polygamy (أكثر من زوجة للرجل الواحد)؟
تشارلز داروين رأى أن الزواج المتعدد هو الحالة الأقدم لدى البشر (من ويكيبيديا):
In his 1871 book The Descent of Man, Darwin stated that “Judging from the social habits of man as he now exists, and from most savages being polygamists, the most probable view is that primeval man aboriginally lived in small communities, each with as many wives as he could support and obtain, whom he would have jealously guarded against all other men.”
هناك باحثون معاصرون يدعمون هذا الرأي (من ويكيبيديا):
Scientists discuss the evolution of monogamy in humans as if it is the prevailing mating strategy among Homo sapiens, although only approximately 17.8% (100) of 563 societies sampled in Murdock’s Atlas of World Cultures has any form of monogamy […] Therefore, “genetic monogamy appears to be extremely rare in humans,” and “social monogamy is not common” […] This means that monogamy is not the predominant mating system among the hominid lineage and probably never was.
المقصود بـ social monogamy أو marital monogamy هو الزواج الأحادي بغض النظر عن التقييد الجنسي، والمقصود بـ sexual monogamy أو genetic monogamy هو التقييد الجنسي للمتزوجين بحيث لا يحق مثلا للزوجة أن تمارس العلاقة الجنسية مع شخص آخر غير زوجها (أو العكس).
الزواج الأحادي هو نادر لدى الحيوانات (من ويكيبيديا):
Socially monogamous species are scattered throughout the animal kingdom: A few insects, a few fish, about nine-tenths of birds, and a few mammals are socially monogamous.
…………………………
The amount of social monogamy in animals varies across taxa, with over 90% of birds engaging in social monogamy while only 3% of mammals are known to do the same.
الزواج الأحادي نادر لدى الحيوانات عموما ولدى الثدييات خصوصا، وهو نادر طبعا لدى الرئيسيات Primates (القرود).
الإنسان هو من الرئيسيات، وبالتالي المفترض نظريا هو أن يكون الزواج الأحادي نادرا لدى البشر. الإحصاءات تبين أن الزواج الأحادي هو النمط الأشيع لدى البشر وإن كانت غالبية الشعوب تقر الزواج المتعدد (من ويكيبيديا):
According to the Ethnographic Atlas, of 1,231 societies from around the world noted, 186 were monogamous; 453 had occasional polygyny; 588 had more frequent polygyny; and 4 had polyandry. However, this does not take into account the relative population of each of the societies studied, and the actual practice of polygamy in a tolerant society may actually be low, with the majority of aspirant polygamists practicing monogamous marriage.
صحيح أن عدد الشعوب التي تسمح بالزواج المتعدد هو كبير، ولكن غالبية البشر يمارسون الزواج الأحادي. نسبة الأشخاص الذي يتزوجون أحاديا هي أكبر حتى في المجتمعات التي تسمح بالزواج المتعدد.
بالنسبة للمستحاثات البشرية القديمة فهناك جدل حولها. بعض الدراسات تقول أن مستحاثات القرود الجنوبية تبدي قدرا كبيرا من ثنائية الشكل الجنسية sexual dimorphism، وهذه الظاهرة انخفضت بشكل ملحوظ لدى الإنسان المنتصب والإنسان العامل. هذا دليل على أن التنافس الذكوري على الإناث انخفض مع تطور البشر. في المقابل هناك باحثون ينكرون هذا الكلام ويقولون أن ثنائية الشكل الجنسية في مستحاثات القرود الجنوبية لا تزيد عما هو مشاهد لدى البشر المعاصرين.
هناك إذن جدل حول أصل الزواج عند البشر، ولكن في رأيي أن النظرية التي ذكرتها في مقال “تطور الإنسان (2)” هي النظرية الأرجح والأكثر منطقية.
تعدد الزوجات لم يكن في مصلحة البشر الباكرين لأكثر من اعتبار:
- الجنس البشري هو من الأصل جنس معتّر وفقير. البشر الأوائل كانوا يعملون في نبش القمامة. هذا الشعب الفقير لا يمكنه أن يمارس تعدد الزوجات، لأن إعالة المرأة البشرية هي أمر مكلف وشاق.
- البشر (خاصة منذ زمن الإنسان المنتصب/العامل) كانوا يميلون للتعاون والتشارك في الصيد. التقاتل والتنازع على الإناث هو ليس في مصلحتهم.
هذه الاعتبارات هي ربما التي جعلت البشر الأوائل يبتعدون عن تعدد الزوجات.
هذه الاعتبارات ما زالت قائمة حتى الآن. كثير من ذكور البشر المعاصرين يودون أن يمارسوا التعدد ولكنهم لا يفعلون ذلك بسبب الكلفة العالية وخوفا من العواقب الاجتماعية. هذه العوامل هي ربما نفس العوامل التي كانت موجودة عند ظهور الجنس البشري قبل 2,5 مليون عام.
تعدد الزوجات لا يناسب طبيعة حياة البشر لأن الزواج من الأنثى البشرية يختلف عن الزواج من إناث الكائنات الأخرى، ولأن طبيعة العلاقات الاجتماعية البشرية تختلف عن طبيعة العلاقات الاجتماعية لدى الكائنات الأخرى. الذكر البشري يحتاج دائما لمساعدة البشر الآخرين وهو لا يستطيع أن يخرب علاقاته مع بقية البشر فقط لكي يستولي على النساء.
طبعا أنا أتكلم عن النمط العام وليس عن الاستثناءات. هناك بعض الذكور الذين يستطعيون إعالة عدد كبير من النساء والذين لا يخشون من العواقب الاجتماعية في حال مارسوا التعدد. هذا الأمر هو استثناء وليس القاعدة.
ملاحظة: أنا عندما أقول أن “كلفة إعالة المرأة البشرية عالية” أقصد أن الكلفة عالية بالمقارنة مع عالم الحيوان، لأنني أتحدث في سياق نظرية التطور التي هي فرع من البيولوجيا. لو كنا نتحدث في سياق آخر غير هذا السياق فأنا ما كنت لأقول أن كلفة إعالة الزوج لزوجته هي عالية.
great info
like