تناغم أصوات العلة في اللغة التركية

في اللغة التركية هناك ظاهرة فونولوجية تسمى “تناغم أصوات العلة” vowel harmony.

لا يمكن للمرء أن يفهم هذه الظاهرة بشكل كامل دون أن يمتلك خلفية في علم الفونيطيقا phonetics. أنا كتبت مقالا فيه معلومات كافية.

ظاهرة تناغم أصوات العلة هي باختصار شكل من الإدغام assimilation يتعلق بحروف العلة vowels.

الإدغام هو ظاهرة شائعة في لغات العالم، ولكن في اللغة التركية الإدغام هو ظاهرة منتظمة وشاملة تلعب دورا جوهريا في النظام الفونولجي لهذه اللغة.

الإدغام الكلي والجزئي

الإدغام يعني أن يتغير صوت في الكلمة بحيث يصبح شبيها بصوت آخر قريب.

في الفونولوجيا هناك تمييز بين نوعين من الإدغام، الإدغام الكلي complete assimilation والإدغام الجزئي partial assimilation.

الإدغام الكلي يعني أن يتغير الصوت بحيث يصبح مطابقا للصوت المجاور، والإدغام الجزئي يعني أن يكتسب الصوت بعض خصائص الصوت المجاور.

في اللغة التركية الظاهرة المهمة هي الإدغام الجزئي.

حروف العلة في اللغة التركية

حروف العلة في اللغة التركية هي ما يلي:

Front Back
unrounded rounded unrounded rounded
High i ü ı u
Low e ö a o

ما يلي رسم تقريبي يوضح مواقع هذه الحروف على خريطة أصوات العلة (مع رموزها في الأبجدية الصوتية الدولية):

Turkish_vowel_chartطبعا كل حرف من هذه الحروف هو عبارة عن فونيم phoneme يمكن أن ينطق بأكثر من صوت. مثلا أنا تحدثت في مقال سابق عن نطق الفونيم /e/ وبينت أنه ينطق في التركية بثلاثة أصوات مختلفة هي [e] و [ɛ] و [æ].

عدد حروف العلة التركية هو ثمانية، وهي تنقسم إلى مجموعتين متناظرتين:

  • مجموعة أمامية أو حنكية ö, e, i, ü
  • مجموعة خلفية أو طبقية o, a, ı, u

كل مجموعة تتألف من أربعة أحرف:

  • حرف مرتفع غير مدوّر (i في المجموعة الأمامية و ı في المجموعة الخلفية)
  • حرف مرتفع مدوّر (ü في المجموعة الأمامية و u في المجموعة الخلفية)
  • حرف منخفض غير مدوّر (e في المجموعة الأمامية و a في المجموعة الخلفية)
  • حرف منخفض مدوّر (ö في المجموعة الأمامية و o في المجموعة الخلفية)

إذن كل حرف من حروف المجموعة الأمامية يناظره حرف من حروف المجموعة الخلفية.

مثلا الحرف i من المجموعة الأمامية يناظره الحرف ı من المجموعة الخلفية، وهكذا.

هذه البنية المتناظرة للنظام الڤۆكالي التركي هي جوهرية بالنسبة للنظام الفونولوجي التركي القائم على مبدأ تناغم أصوات العلة (ما أقصده بكلمة “ڤۆكال” هو الكلمة اللاتينية vocalis التي هي مصدر كلمة vowel، أي أن الڤۆكال = صوت العلة).

تناغم أصوات العلة

المقصود بمصطلح تناغم أصوات العلة vowel harmony هو أن حروف العلة تتوزع في الكلمات التركية وفق قواعد محددة تتعلق بخصائص أصوات العلة.

المبدأ الأساسي هو أن الكلمة التركية الواحدة تحوي أحرف علة من المجموعة الأمامية أو من المجموعة الخلفية، ولكن لا يجوز الجمع بين أحرف من المجموعتين في كلمة واحدة.

مثلا كلمة yakın «قريب» تحوي حرفي علة خلفيين هما a و ı.

كلمة çiçek «وردة» تحوي حرفي علة أماميين هما i و e.

قاعدة التناغم تتحكم في شكل الزوائد النحوية التي تضاف إلى الكلمات.

مثلا علامة الجمع في اللغة التركية هي ler−. إذا أردنا أن نضيف هذه العلامة إلى كلمة çocuk «طفل» فلا بد أن نغير حرف العلة في العلامة إلى النظير الأمامي، فيصير شكلها lar− وتصير الكلمة المجموعة çocuklar «أطفال».

أما إذا أضفنا العلامة ler− إلى كلمة çiçek فالنتيجة تكون çiçekler «ورود».

المحصلة هي أن علامة الجمع في اللغة التركية لها شكلان:

  • شكل أمامي ler− يستعمل مع الكلمات التي تحوي أصوات علة أمامية.
  • شكل خلفي lar− يستعمل مع الكلمات التي تحوي أصوات علة خلفية.

نفس الأمر ينطبق على بقية الزوائد واللواحق. مثلا اللاحقة de− التي تعني “في” أو “على” لها شكلان، شكل أمامي de− وشكل خلفي da−.

اللاحقة ci− (تلفظ /d͡ʒi/) هي معروفة لدى متحدثي اللغة العربية (تستخدم في أسماء أصحاب المهن). هذه اللاحقة في اللغة التركية تأخذ أكثر من شكل. مثلا في كلمة gazeteci «صحفي» الشكل هو ci− (أمامي)، ولكن في كلمة yazı «كاتب» الشكل هو cı− (خلفي).

خلاصة ما سبق هي أن الكلمة التركية يمكن أن تحوي أصوات علة من المجموعة الأمامية أو الخلفية، ولكن الجمع بين أصوات من المجموعتين هو غير جائز.

طبعا هذه القاعدة لها استثناءات. الاستثناءات تظهر خاصة في الكلمات الأجنبية. مثلا كلمة beyaz «أبيض» فيها خرق واضح لقاعدة التناغم (الحرف e أمامي والحرف a خلفي). السبب هو أن هذه الكلمة عربية الأصل.

عند إضافة الزوائد لمثل هذه الكلمات الشاذة فإن ما يحدد شكل الزائدة هو حرف العلة الأخير في الكلمة. مثلا جمع كلمة kitap «كتاب» هو kitaplar (الزائدة أخذت الشكل الخلفي lar− لأن حرف العلة الأخير في كلمة kitap هو خلفي).

تناغم التدوير

القاعدة التي وصفتها في الأعلى تسمى لدى بعض الباحثين “تناغم أصوات العلة الحنكي” palatal vowel harmony، لأنها تتعلق تحديدا بالتناغم بين الأصوات الأمامية والأصوات الخلفية.

بالنسبة لخاصية التدوير فهي تخضع لقانون التناغم بشكل جزئي.

لو كان هناك تناغم كامل في التدوير لكان المفترض أن الكلمة التركية الواحدة تحوي إما أصوات علة مدورة أو أصوات علة غير مدورة، ولكن في الواقع نحن نجد كلمات تحوي أصواتا مدورة وغير مدورة في آن واحد.

مثلا في كلمة güneş «شمس» حرف العلة الأول هو أمامي مدور ü، ولكن حرف العلة الثاني هو أمامي غير مدور e. لو كان هناك تناغم في التدوير لكان المفترض أن تكون الكلمة ✗günöş، لأن الحرف ö هو النسخة المدورة من e.

نفس الأمر ينطبق على كلمات مجموعة مثل günler «أيام» (المفرد هو gün «يوم»). لو كان هناك تناغم في التدوير لكان المفترض أن يكون الجمع ✗günlör.

في الحقيقة الحرف e لا يتناغم أبدا مع الأحرف المدورة. عندما تأتي اللاحقة ler− (أو أية لاحقة تحوي الحرف e) بعد حرف علة أمامي مدور فإن هذه اللاحقة تحافظ على شكلها غير المدور ler−. هذه قاعدة عامة.

نفس الأمر ينطبق على الحرف a. هذا الحرف لا يتناغم أبدا مع الأحرف المدورة. مثلا جمع كلمة çocuk هو çocuklar وليس ✗çocuklor (الحرف o هو النسخة المدورة من a).

في المقابل هناك أحرف علة تتناغم مع الأحرف المدورة، وهي تحديدا الأحرف العالية i, ı.

مثلا اللاحقة ci− تتحول إلى cu− إذا أتت بعد صوت علة خلفي مدور (كما في كلمة kuyumcu «صائغ»).

علامة النسبة في اللغة التركية هي li− (مثلا Suriyeli تعني «سوري»، و Mısır تعني «مصري»). هذه العلامة تتحول إلى lu− في كلمة sulu «مائي» وإلى lü− في كلمة köy «قروي».

الخلاصة هي أن أصوات العلة العالية (i, ı) تتناغم مع التدوير، وأما الأصوات المنخفضة (a, e) فهي لا تتناغم مع التدوير.

بالنسبة للأحرف المدورة العالية (ü, u) فهي تتناغم مع الأحرف غير المدورة، وأما الأحرف المدورة المنخفضة (ö, o) فهي لا تأتي في الزوائد النحوية ولا تأتي عموما سوى في المقاطع الأولى من الكلمات.

بناء على كل ما سبق فإن القاعدة العامة لتناغم حروف العلة في اللغة التركية هي كما يلي:

  • الحروف العالية (i, ü, ı, u) تتناغم مع حروف العلة السابقة لها من حيث الموقع (أمامي-خلفي) ومن حيث التدوير وعدم التدوير.
  • الحروف المنخفضة (a, e) تتناغم مع حروف العلة السابقة لها من حيث الموقع فقط.

تناغم أصوات العلة في اللغات الآسيوية

ظاهرة تناغم أصوات العلة ليست خاصة باللغة التركية بل هي تميز قسما كبيرا من اللغات المحكية في قارة آسيا. هي تحديدا تميز اللغات التي تسمى “الألطائية” Altaic و”الأورالية” Uralic.

خريطة تبين انتشار اللغات الألطائية والأورالية

هناك عدة خصائص تجمع بين اللغات الألطائية والأورالية. ظاهرة تناغم أصوات العلة هي إحدى هذه الخصائص. هناك أيضا خاصية اللصق agglutination في بناء الكلمات. أيضا هذه اللغات تتميز بأنها لا تميز مطلقا بين الجنسين المذكر والمؤنث (ولا حتى في الضمائر).

بسبب هذه التشابهات وغيرها كان كثير من اللغويين في السابق يعتبرون أن لهذه اللغات أصلا مشتركا، ولكن حاليا معظم اللغويين يرفضون هذا الطرح ولا يرون دليلا على علاقة تكوينية (جينية genetic) بين هذه اللغات.

ظاهرة تناغم أصوات العلة هي غير موجودة في اللغات السامية (التي يعتقد أن جذورها تعود إلى أفريقيا) وغير موجودة في اللغات الهندو-أوروبية (التي يعتقد أن أصلها هو من أوروبا الشرقية) وغير موجودة في اللغات الأفريقية. أيضا هذه الظاهرة لم تكن موجودة في اللغة السومرية ونحوها من اللغات التي كانت محكية قديما في غرب آسيا.

أصل هذه الظاهرة يعود إلى شرق آسيا وهي انتشرت مع انتشار الأتراك والأوراليين نحو الغرب بدءا من القرن الميلادي الأول تقريبا. الأتراك قبل أن ينتشروا نحو الغرب كانوا يسكنون على الأغلب في منغوليا.

5 آراء حول “تناغم أصوات العلة في اللغة التركية

  1. طيّب… و بعدين… و احنا مالنا بالاصوات التركية أو مخارج الحروف…احنا مشدودين على الضربة الامريكية

  2. أشكرك أستاذ هاني على هذا المقال ولكن أرجو لو تكرمت أن تقترح علي أحد المراجع التي يمكن السير على خطاها في دراسة الصوتيات التركية (أقصد Framework ) وكذلك أي مرجع تعتقد أني ربما أستفد منه لدى دراستي للصوتيات التركية .. شكراً لك

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s