عن مؤامرة المخابرات البريطانية لتوحيد سورية مع العراق

تقسيم سايكس-بيكو

نشرت مدونة Syria Comment مؤخرا مقالا نشر في صحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية في عام 2012. كاتب المقال هو باحث في جامعة بئر السبع اسمه Meir Zamir. المقال يتحدث عن سورية في أربعينات القرن العشرين بعد الانتداب الفرنسي وعن المؤامرات التي جرت حينذاك.

المقال مفيد من الناحية التاريخية ولكنه بصراحة يحوي أمورا مضحكة.

المقال يستند على “وثائق سرية” مصدرها ما يسمى بوزارة الخارجية السورية. ما يلي وصف لمشروع الوحدة السورية-العراقية بناء على ما ورد في الوثائق:

[… an] elaborate plan devised by British intelligence agents with the tacit agreement of Foreign Secretary Ernest Bevin. Its first step was implemented in November and December 1946 and entailed the removal of the anti-Hashemite and anti-Turkish Syrian prime minister, Sa’adallah al-Jabiri, and his replacement with Jamil Mardam, who was secretly collaborating with the British agents and Nuri al-Said. Its more ambitious goal was to solve the conflict between the Hashemite and Saudi royal families by forming two large monarchies – one under the Hashemites in the Fertile Crescent in the north, and a Saudi monarchy that would extend over most of the Arabian Peninsula in the south, including Yemen. Bevin informally proposed such a plan to Prince Faisal, Ibn Saud’s son, in January 1947, but the Saudi king turned it down.

حسب هذا الباحث الإسرائيلي الذي يستند على وثائق ما يسمى بوزارة الخارجية السورية فإن عملاء المخابرات البريطانية كانوا يريدون توحيد منطقة الهلال الخصيب تحت حكم الهاشميين، وهم حاولوا إقناع ابن سعود بدعم الفكرة وعرضوا عليه في مقابل ذلك توحيد الجزيرة العربية تحت حكمه، ولكن ابن سعود رفض. الهاشميون اتصلوا مع تركيا وعرضوا التنازل عن لواء إسكندرون في مقابل أن تدعم تركيا سيطرتهم على سورية.

ما يلي نص البرقية التي يعترف فيها الأتراك بسيادة الهاشميين على سورية:

“Top secret

His Hashemite Majesty King Abdallah Ibn Hussein

The Government of the Republic of Turkey, for the greatest good of all, will ensure its protection of the legal regime of the Arab Hashemite kingdom. And I remind you, in the name of the Government of the Republic of Turkey, that we are the first to speedily recognize you as the legal king of Syria, as soon as the moment comes. You also know that we hope for your entry into Damascus soon, God willing.

[n.d. December 1946] Signature

Delivered by the Russian Legation Ismet Inonu

في مقابل هذا الاعتراف كانت للأتراك مطالب. هم لم يكتفوا بلواء إسكندرون بل أرادوا أيضا حلب والقامشلي. الهاشميون أبدوا موافقة مبدئية على تعديل الحدود:

Top secret

His Excellency President Ismet Inonu

I am aware of your noble letter in which you inform me that you recognize in me a legal king for Syria and I thank you for the deep sincerity of your noble statements.

I recognize in particular the border as it exists between Syria and Turkey, and that the question of the current borders must be accepted with no turning back to the past. If the need to modify the Turkish-Syrian borders becomes apparent, this will have to be done on the basis of a perfect understanding.

[n.d. December 1946] Signature

Delivered by the Russian Legation Abdallah

هذه برقية أرسلها نوري السعيد إلى الأتراك يعبر فيها عن استعداد الهاشميين للتنازل عن القامشلي، ولكنه يتحفظ في موضوع حلب:

Top secret

His Excellency President Ismet Inonu

The Iraqi government must, for the moment, despite its desire to see a royal Syrian government established and facing the possibility of seeing the problem of the government of the Syrian Republic in its current state resolved, study with a degree of reserve all the proposals you have made to it regarding the question of the Turkish-Syrian borders and particularly as far as the regions of Aleppo and Kameshli are concerned.

The greatest difficulty really rests with this claim you have made and which is the annexation of Aleppo to Turkey. But I can assure you, with authority and from now that your claim regarding the border at Kameshli can be accepted, so long as it does not exceed in depth the adjustments imposed on the borders from 70 [probably 1870], as regards fortified land in relation to the current borders.

So I must also now obtain an assurance that the lands for which you accept cession to Syria are the equivalent of lands you are demanding. And you will indicate the detail of the matter to me.

[n.d. December 1946] Signature: Nuri al- Said

من أين حصلت “وزارة الخارجية السورية” على هذه المراسلات السرية؟ الاتحاد السوفييتي في ذلك الزمن كان يسعى لتخريب العلاقات بين تركيا وبين النظام الحاكم في دمشق بسبب عضوية تركيا في حلف الناتو، ولهذا السبب زودت المخابرات السوفييتية نظام دمشق بفحوى المراسلات السرية بين تركيا والهاشميين.

ما سبق هو في رأيي أهم ما جاء في مقال الباحث الإسرائيلي. بقية الأمور هي معروفة وموجودة في الكتب. ربما الشيء الوحيد اللافت فيها هو العرض الذي تقدمت به بريطانيا لتسوية قضية لواء إسكندرون. حسب الوثائق فإن بريطانيا عرضت حلا لقضية لواء إسكندرون يقوم على أساس تحويل اللواء إلى دولة مستقلة تحت الهيمنة البريطانية والسورية، وفي مقابل ذلك تحصل تركيا على منطقة القامشلي (التي كانت مهمة للأتراك بسبب وجود الأكراد فيها وتأثيرهم على الأكراد في تركيا). هذا العرض يشبه النظام الذي طبقته فرنسا قبل تسليم لواء إسكندرون إلى تركيا: قبل ضم اللواء إلى تركيا حولته فرنسا أولا إلى دولة مستقلة تحت الهيمنة الفرنسية-التركية المشتركة، وبعد ذلك دخل الجيش التركي إلى اللواء ثم ضم اللواء إلى تركيا بحجة أن سكانه اختاروا ذلك وفق استفتاء شعبي. طبعا كل تلك العملية كانت غير قانونية لمخالفتها لصك الانتداب الفرنسي الصادر عن عصبة الأمم، ولو عرضت هذه القضية أمام محكمة دولية فستحكم المحكمة بإبطال السيادة التركية على لواء إسكندرون.

المضحك في مقال الباحث الإسرائيلي هو وصفه لمشروع الوحدة السورية-العراقية بأنه “خطة محكمة ابتدعها عملاء المخابرات البريطانية”.

[an] elaborate plan devised by British intelligence agents

إذا كانت المخابرات البريطانية خططت لتوحيد سورية والعراق فنحن نشكرها على ذلك، ولكن هذا الكلام طبعا هو تفاهة. مصدر هذا الكلام هو وثائق “الخارجية السورية”، ونحن نعلم ما هي هذه “الخارجية السورية” وما هو موقفها من الوحدة مع العراق.

نحن لسنا بلهاء. أي إنسان ولو كان ضعيف القدرات العقلية يعلم أن توحيد سورية والعراق هو ضربة جيوسياسية شنيعة لتقسيمات الاستعمار الغربي ولمشروع تأسيس إسرائيل. القول بأن المخابرات البريطانية خططت لهذا المشروع هو نكتة. ما حدث في ذلك الوقت هو أن الهاشميين كانوا يطالبون بالسيطرة على سورية لأنهم كانوا يعتبرونها حقا لهم. الفرنسيون خلعوا الملك فيصل من دمشق في عام 1920، وبعد زوال الانتداب الفرنسي صار الهاشميون يطالبون البريطانيين بإعادة سورية إليهم. لو أن بريطانيا كانت تريد إعادة سورية للهاشميين فهي كانت تستطيع ذلك بسهولة ودون “خطة مخابراتية محكمة”. بريطانيا هي التي نصبت شكري القوتلي رئيسا على سورية، وهي التي أخرجت الفرنسيين من سورية. نظام شكري القوتلي في عام 1946 كان لا يقوى على أن يقول لا للبريطانيين. هو لم يكن يساوي شيئا دون البريطانيين. حتى الجيش السوري هو من صنيعة البريطانيين، لأن بريطانيا هي التي أجبرت فرنسا على إعادة “القوات الخاصة” إلى سورية لكي تُحوّل إلى الجيش السوري. نظام شكري القوتلي بكامله كان من هندسة البريطانيين، وبريطانيا هي التي صنعت لهذا النظام أرجلا لكي يقف عليها. من المضحك القول أن بريطانيا كانت تسعى لتوحيد سورية مع العراق وأن شكري القوتلي كان يقاوم هذا المشروع لأنه مشروع بريطاني.

بريطانيا هي التي أنشأت إسرائيل وفق وعد بلفور، وبريطانيا هي التي أنشأت دولة ابن سعود، وبريطانيا هي التي أنشأت الجامعة العربية في الإسكندرية. بريطانيا هي التي أنشأت كل شيء في هذه المنطقة. بريطانيا لم تكن تريد توحيد سورية مع العراق لأن هذا تهديد استراتيجي واضح لإسرائيل ولدولة ابن سعود ولكل المنظومة التي أقامتها بريطانيا في المنطقة. بريطانيا أدخلت مصر إلى المشرق العربي لأنها كانت تريد خلق توازن في مقابل الهاشميين. فكرة الجامعة العربية من أساسها كانت تهدف لإحباط الوحدة السورية-العراقية، والجامعة العربية هي مشروع بريطاني.

أنا أتمنى من الإخوة القراء أن يشغلوا عقولهم وأن يخرجوا من التفاهات التي روجها نظام دمشق الخائن. مصلحة العرب واضحة ونحن لسنا بلهاء حتى نصدق وثائق شكري القوتلي. مصلحة العرب هي الوحدة العربية. لا أحد يستفيد جيوسياسيا من توحيد سورية والعراق سوى العرب حصرا. الدول الاستعمارية والأنظمة التابعة للدول الاستعمارية لا تستفيد شيئا من ذلك.

النظام القابع في دمشق هو نظام نصبته بريطانيا لكي يمنع الوحدة العربية ويحمي إسرائيل. هذه هي وظيفة الكيان الدمشقي التاريخية. شكري القوتلي كان مجرد عميل للبريطانيين، وأديب الشيشكلي كان عميلا أيضا. كل حكام الكيان الدمشقي كانت لهم وظيفة واحدة هي منع الوحدة العربية وبالتالي حماية إسرائيل.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s