لماذا لم يصل الإسلاميون إلى الحكم في ليبيا؟

أنا لم أتحدث عما يحدث في ليبيا ومصر منذ فترة، ولكنني سوف أتحدث عن قضية واحدة مهمة هي موضوع حكام ليبيا الجدد.

ليبيا هي دولة تتميز بعدة ميزات هامة. أولا الموقع القريب من أوروبا. لو فرضنا مثلا أن روسيا أو إيران أو الصين أنشات قواعد عسكرية أو صاروخية في ليبيا فإن هذا سيكون تهديدا كبيرا للغرب. ثانيا الثروة النفطية الهامة. ليبيا دولة شاسعة المساحة قليلة السكان وثروتها النفطية تفيض عن حاجتها. القذافي كان ينفق فائض الثروة على دعم سورية وحركات المقاومة، وكان أيضا ينافس الاستعمار الغربي في أفريقيا. هو كان يقوض جهود الاستعمار الغربي في الشرق الأوسط وأفريقيا. ثالثا ليبيا تقع بجوار مصر والشرق الأوسط، ونحن نذكر كيف كانت ليبيا في زمن السنوسي قاعدة للغرب ضد عبد الناصر.

هذه الميزات تجعل من ليبيا هدفا واضحا للاستعمار. القذافي بتفكيره السطحي لم يكن يدرك خطورة موقف ليبيا. هو بدلا من أن يتحالف مع الدول الممانعة (كما تفعل سورية) رمى نفسه في أحضان الغرب وظن أنه بدفع الرشاوي وتقديم الصفقات للمسؤولين الغربيين فإنه يحمي نفسه. القذافي لم يكن يفهم طبيعة الدول الغربية وكان يظن أنها دول تقوم على الفردانية كدولته. الدول الغربية هي دول قومية استعمارية وسياساتها لا يحددها أفراد بل تحددها المصالح القومية الاستعمارية.

الملفت في الربيع العربي هو أن ليبيا كانت الدولة الوحيدة التي لم يسلم الغرب قيادتها للإسلاميين، رغم أن الإسلاميين يحظون فيها على أرض الواقع بنفوذ أكبر من نفوذ الإسلاميين في مصر وتونس. الثوار الذين قاتلوا ضد القذافي في بداية الثورة كانوا أساسا من حملة الفكر الإسلامي الجهادي.

ليبيا مهمة جدا للغرب وهم لم يوصلوا الإسلاميين إلى الحكم فيها لعدة اعتبارات. أولا، هم يخشون من الإسلاميين الليبيين أكثر من الإسلاميين المصريين والتونسيين لأن الإسلاميين الليبيين يغلب عليهم الفكر الجهادي، ولا يوجد تاريخيا تواصل وتنسيق بين الغرب والإسلاميين الليبيين كما هو الحال مع الإسلاميين المصريين والتونسيين والسوريين وغيرهم. ثانيا، الغرب يخشى من أن يحصل تقارب بين الإسلاميين في ليبيا ومصر وتونس، ولذلك منع الغرب سيطرة الإسلاميين على ليبيا حتى لا يحصل تواصل أو مسعى اتحادي بين هذه الدول الثلاث. ليبيا حاليا هي إسفين يفصل بين مصر والمغرب العربي وهي عمليا قاعدة غربية لمحاصرة مصر من جهة الغرب كما كان الحال في زمن السنوسي والاستعمار القديم. حكام ليبيا الحاليون هم مجموعة من العملاء وأغلبهم كانوا موظفين لدى أجهزة الاستخبارات الغربية (مثل المعارضة السورية الليبرالية). ثالثا، الغرب يخشى أن يقوم الإسلاميون الليبيون في حال وصولهم للسلطة بدعم مصر ماليا، وهذا أمر خطير لأنه يخرج مصر من قبضة الاستعمار الغربي والدول التابعة له. الغربيون يريدون أن تظل مصر دائما تحت رحمة الاستعمار الغربي ودول الخليج من الناحية الاقتصادية.

ما سبق بعض الأسباب التي منعت وصول الإسلاميين إلى السلطة في ليبيا، أما السبب الذي سأذكره الآن فهو السبب الأساسي والأهم الذي جعل الغربيين يرفضون مجرد التفكير في إيصال الإسلاميين إلى السلطة في ليبيا.

السبب هو أن أميركا تخشى من أن يقوم الإسلاميون الليبيون بتمويل حركة حماس. أميركا تفرض منذ سنوات حصارا خانقا على حركة حماس، والهدف الأساسي من سياسة أميركا في المنطقة هو قطع المال عن كل حركات المقاومة وعن الدول التي تمول هذه الحركات. أميركا تسمي هذه السياسة باسم “تجفيف موارد الإرهاب”.

حاليا أميركا وأتباعها يفرضون حصارا اقتصاديا خانقا على إيران وسورية، وهم أيضا يحاصرون لبنان بشكل غير معلن ولديهم منذ زمن حصار مشدد على حزب الله، أما حركة حماس فهي محاصرة منذ سنوات بجهود حسني مبارك وآل سعود وقطر.

أميركا تريد منع أي قرش من الوصول إلى محور المقاومة. هذه هي سياسة تجفيف تمويل الإرهاب.

الإسلاميون السنة هم تابعون بشكل كامل لأميركا وأميركا تتلاعب بهم كما تريد تحت عناوين وشعارات مختلفة (المد الشيعي، الديمقراطية، الثورات، إلخ)، ولكن رغم ذلك فإن هناك مشكلة لم تتمكن أميركا من حلها حتى الآن وهي التعاطف الغريزي الطائفي الحيواني الذي يبديه الإسلاميون السنة تجاه حركة حماس دون غيرها من حركات المقاومة. أميركا أقنعت الإسلاميين السنة بأن حزب الله وإيران وسورية هم شيعة أعداء، ولكن بقيت معضلة واحدة هي حماس.

أميركا جربت كل الطرق الممكنة لمحاصرة حماس وتنفير الناس منها. هي أوعزت لآل سعود لكي يشوهوا سمعة حماس على أساس أنها تابعة للشيعة وإيران، وأوعزت لشيخ قطر لكي يتبع معها سياسة الإغراء المالي. شيخ قطر طبق مع حماس نفس السياسة التي طبقها مع سورية. هو تقارب معها وأغراها بالمال والوعود لكي يجذبها بعيدا عن المقاومة ويدخلها في نفق التعامل مع إسرائيل.

موقف حماس حاليا هو ملتبس، ولا يمكنني بصراحة أن أحكم على موقفهم بصورة قطعية. هم حاليا يقفون في الوسط ولم ينتقلوا بعد بشكل كامل إلى الضفة الإسرائيلية.

هيلاري كلينتون زارت مصر مؤخرا وقالت لمحمد مرسي أننا مستعدون لتقديم كل الدعم لك بشرط إبقاء الحصار على حماس، والصحف الأميركية والإسرائيلية تقول أن مرسي وافق على ذلك تحت ذريعة أن رفع الحصار عن غزة سوف يؤدي إلى فصل غزة عن الضفة وغير ذلك من الكلام الفارغ.

مصر لن ترفع الحصار عن غزة. ما سيحدث هو تخفيف جزئي للحصار، ولكن غزة ستظل محاصرة ومحرومة من المال الكافي للتسلح، وهذا هو ما قالته هيلاري كلينتون للإسرائيليين بعد أن زارت مصر حسب الصحف الإسرائيلية.

إذن كلينتون ضمنت استمرار الحصار المصري على غزة، وبالنسبة لآل سعود فموقفهم معروف وسعود الفيصل صرح عشرات المرات بأن حماس هي حركة إرهابية.

حماس راهنت على أن يأتيها الدعم من مصر بدلا من سورية وإيران، وهذا رهان فاشل وخائب ومبني على حسابات غير واقعية.

ليبيا هي التهديد الوحيد للحصار الأميركي على حماس. في زمن الحرب الليبية جرى تهريب بعض السلاح من ليبيا إلى غزة، والإسرائيليون اشتكوا من ذلك بشكل علني وفي إعلامهم، وأنا متأكد 100% أن السبب الأساسي لعدم وصول الإسلاميين إلى الحكم في ليبيا هو الشكوى الإسرائيلية منهم. جريمتهم هي أنهم أرسلوا بعض السلاح إلى حماس، وهذا هو السبب الذي دفع أميركا لإبقائهم بعيدا عن السلطة.

حاليا الحصار الأميركي الخانق مفروض بشكل كامل على كل محور المقاومة بما في ذلك حركة حماس السنية، وأكثر المتحمسين لهذا الحصار هم آل سعود تليهم إسرائيل. سعود الفيصل متلهف جدا لمحاصرة سورية وقطع المال عنها والجامعة العربية تجتمع كل بضعة أسابيع لتشديد الحصار على سورية. نبيل العربي لا هدف له في الحياة حاليا سوى فرض حصار اقتصادي دولي على سورية.

6 آراء حول “لماذا لم يصل الإسلاميون إلى الحكم في ليبيا؟

  1. اذا ربح الإسلاميين في تركيا ومصر فهي مؤامرة غربية امريكية اسراءيلية لان الاخوان حلفاءهم
    واذا خسروا في ليبيا فهي مؤامرة
    والثورة في سورية مؤامرة والقاعدة مؤامرة
    الشعب والثوار في سورية هم عملاء وأدوات لهذه المؤامرة
    والمحللين يبدأو بربط امريكا بكل شيء

    اهم شيء تبنى عليه الدكتاتوريات هو الحصول على شماعة او مبرر لكل المشاكل لإلهاء الشعب بها وتبرير كل الإخفاقات بها
    فبدل ان نعمل كالالمان بنوا بلدهم من الصفر في ثلاثين عاما وقادوا العالم للمرة الثانية واقتصاد هم الان الثاني في العالم رغم القواعد العسكرية الامريكية في بلادهم
    نحن نهتم بال خزعبلات والمؤامرات ونحصن ونسلح ونقاوم وكله ضحك على الشعب
    لان كل هذه الحكومات مستعدة للتحالف مع العدو المفترض نفسه لو شعر الحاكم ان الكرسي في خطر

    مبارك والقذافي والأسد لاموا الغرب ثم القاعدة ثم الإسلاميين ثم اسرائيل وأمريكا
    كفانا تضييع الوقت في هذه الامور ولنبني انفسنا وعندها لآيهم شيء

    لاا نسى كيف ان الأسديين عشاق الاسد قالوا ان الفساد عندنا بسبب الشعب وكتر خير بشار رضيان يكون رئيسنا
    فالحضارة تصلح فقط لهم في طرطوس واللاذقية ونحن كتير علينا الأكل واذا فتحنا أفواهنا
    يقولوا المقاومة الممانعة

  2. إلى الذين لا يحبون الكلام عن نظرية ا لمؤامرة ويعتقدون أنهم أفهم الناس بالتحليل، فليذهبوا إلى الموقع الرسمي للسيد الدجال فيصل القاسم على الفيس بوك، ويمكنن أن أزودكم برابط الموقع..

    أما رأيي (لماذا لم يفز الاسلاميون في ليبيا) فعندي وجهة نظر أخرى:

    أن الولايات المتحدة الأمريكية من خلال أدواتها الاعلامية الرخيصة لجأت إلى أسلوب ترويج الأكاذيب عن البلدان التي نجحت فيها الثورات.
    والدعوة التي تطلقها أميركا هي أن النظر إلى هذه الدول على أنها قاطرة للتغيير في الوطن العربي (ولاحقاً في العالم)..

    وفوز الاسلاميين في ليبيا لا يفيد (اليوم) في هذه الدعوات، بل يجب أن تكون الرسالة: أنظروا إلى ليبيا ورغم كل شيء لم يفز الاسلاميون، وليس من الضروري إن ربحت الثورة في سوريا أن يفوز الاسلاميون..

    وبالتالي عدم التخويف من البعبع الاسلامي لطمأنت الطوائف في سوريا خصوصاً أن القادم قد لا يكون إسلامياً، وكل شيء في يد اميركا فبيدها الملك..

    • كلامك صحيح ولكن الرسالة موجهة أساسا إلى روسيا وليس العرب… أميركا أرادت أن تقول لروسيا أننا لم نسلم ليبيا إلى الإسلاميين بعد إسقاط القذافي… ولكن هذا سبب هامشي لأن من استلموا السلطة في ليبيا هم أسوأ من الإسلاميين وهم عملاء لأميركا…

  3. لماذا كل شئ مؤامرة وكله من فعل الغرب اقول لك ان حزب جبريل نجح ولكن علي مستوي القوائم انظر الفردي وستري السلفيين بكثرة ثم ان الانتخابات جرت بنزاهة ولا اعتقد ان الغرب مد يده علي صناديق اقتراع
    بعدين لا أوافق ان السبب كان لمنع وصول السلاح الي غزة فلمليشيات لها اليد الطولي في البلاد ترسل السلاح شاءت أولم تشئ السلطات

  4. لماذا كل شئ مؤامرة وكله من فعل الغرب اقول لك ان حزب جبريل نجح ولكن علي مستوي القوائم انظر الفردي وستري السلفيين بكثرة ثم ان الانتخابات جرت بنزاهة ولا اعتقد ان الغرب مد يده علي صناديق اقتراع
    بعدين لا أوافق ان السبب كان لمنع وصول السلاح الي غزة فلمليشيات لها اليد الطولي في البلاد ترسل السلاح شاءت أولم تشئ السلطات
    انتخب الليبين ‘لجهلهم’ هدا الحزب علي اساس شخص واحد هو جبريل يظنون انه المفكر الاقتصادي الأوحد والعظيم اي كأنه جاء بديل عن الاسلام هو الحل

    • عزيزي الغرب لم يمد يده على صناديق الاقتراع ولكنه تحكم بالعملية السياسية وأجوائها… انا غير متابع لتفاصيل الوضع الليبي ولكنني أسأل لماذا تأخرت الانتخابات في ليبيا ولم تتم بسرعة بعد إسقاط القذافي؟ وماذا عن الإعلام وتأثيره؟ وماذا عن قانون الانتخابات والدوائر؟ وماذا عن الدعم المالي للمترشحين؟ الغرب لا يمد يده للصناديق ولكنه يتحكم بأجواء الانتخابات وكيفية إجرائها.

      الطريقة التي أجريت فيها الانتخابات في العراق بعد إسقاط صدام كانت تهدف لتقسيم العراق طائفيا لأن المشروع الأميركي يقتضي ذلك… وأنا أعلم أن الانتخابات الليبية كانت مصممة لمصلحة الغرب بدون أن أعلم التفاصيل…

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s